FINANCIAL TIMES

أشبه بالجنون .. طفرة سوق السيارات المستعملة الأمريكية تقود التضخم

أشبه بالجنون .. طفرة سوق السيارات المستعملة الأمريكية تقود التضخم

على غير العادة، يراقب المسؤولون أسعار السيارات المستعملة عن كثب كمؤشر لمسار التضخم في المستقبل.

في الشهر الماضي، استغرق الأمر من كاري تشيرنر (36 عاما)، تاجر سيارات مستعملة في كينسينجتون في ولاية ماريلاند، أقل من 12 ساعة لبيع شاحنة بيك أب فورد إف - 150 موديل 2001 وعلى عدادها 184 ألف ميل. بيعت المركبة مقابل 7500 دولار - 50 في المائة أعلى من المعتاد.
لم تكن تجربة تشيرنر فريدة من نوعها في سوق السيارات المستعملة في الولايات المتحدة، حيث ترتفع الأسعار بسرعة. تقع الصناعة في قلب الضغوط التضخمية المتزايدة في البلاد - وبالتالي أصبحت موضوعا يحظى باهتمام كبير من صانعي السياسة في واشنطن.
قال تشيرنر: "عدد الناس الذين يشترون السيارات أكبر من عدد السيارات الموجودة في السوق، ما يجعل الأمر أشبه بالجنون".
على غير العادة، يراقب المسؤولون أسعار السيارات المستعملة من كثب كمؤشر لمسار التضخم في المستقبل. إذا ترسخ ارتفاع الأسعار وانتشر في أجزاء أخرى من الاقتصاد، فقد تواجه أمريكا فترة طويلة من التسارع الاقتصادي لأول مرة منذ عقود، ما يشكل تحديا كبيرا للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وصانعي السياسة الاقتصادية لدى جو بايدن.
قفزت تكلفة السيارات والشاحنات المستعملة 10 في المائة على أساس شهري في أبريل، وارتفعت 21 في المائة مقارنة بالعام السابق، ما يجعلها أحد المحركات الرئيسة وراء الارتفاع في مؤشر الأسعار الاستهلاكية من مكتب إحصاءات العمل الأمريكي 4.2 في المائة على أساس سنوي. وبلغ معدل التضخم الأساسي - باستثناء الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة - 3 في المائة.
قال إرني جارسيا، مؤسس منصة كارفانا لبيع السيارات المستعملة عبر الإنترنت: "الأسعار أعلى بلا شك مما كانت عليه في أي وقت مضى، وتحركت بلا شك بسرعة أكبر مما أعتقد أنها تحركت في أي وقت مضى".
يصر صانعو السياسة على أن الضغوط ستنحسر تدريجيا، ما يعزز وجهة نظرهم بأن الاتجاه التضخمي الأوسع سيكون مؤقتا بشكل أساسي. في خطاب الثلاثاء، قالت لايل برينارد، محافظة في الاحتياطي الفيدرالي، إنه على الرغم من أن ضغوط تكلفة السيارات المستعملة "قد تستمر خلال أشهر الصيف، أتوقع أن تتلاشى، ومن المحتمل أن تنعكس إلى حد ما في الفصول اللاحقة".
ولكن بينما يتفق كثير من الاقتصاديين على أن الضغوط التضخمية من المرجح أن تكون مؤقتة، فإنهم يقرون بأن حالة عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية ضخمة، حيث إنه مع انحسار الوباء في جميع أنحاء أمريكا، فإن جيوب المستهلكين ممتلئة بأموال المدخرات والمدفوعات الحكومية في حين تتعرض سلاسل التوريد للإجهاد بسبب الاختناقات.
قال ناثان شيتس، كبير الاقتصاديين في PGIM Fixed Income ووكيل سابق في وزارة الخزانة الأمريكية، "نحن نشهد مستوى من التحفيز غير مسبوق بشكل أساسي في الـ50 عاما الماضية، إضافة إلى أشكال أخرى من الدعم للإنفاق. هذه في الواقع مياه مجهولة وعلينا أن نكون متواضعين. ما مدى ثقتي بأنني على حق في أن التضخم سيتبدد؟ ربما 80 في المائة، لكن هذا لا يزال ذيلا سمينا جدا".
الارتفاع في الأسعار مدفوع بالتباطؤ في إنتاج السيارات الجديدة بسبب عمليات الإغلاق ونقص أشباه الموصلات. إضافة إلى ذلك - بشكل غير معتاد في حالة الركود - انخفض عدد العملاء الذين تخلفوا عن سداد تمويل السيارات واستعيدت سياراتهم، ما أدى إلى قطع مصدر آخر للإمداد للوكلاء، مثل تشيرنر.
في غضون ذلك، ازدهر الطلب. تحولت تفضيلات الأمريكيين بعيدا عن وسائل النقل العام بسبب الوباء. ساعدتهم إجراءات التحفيز على الإنفاق. وشركات تأجير السيارات التي باعت أساطيلها مع انهيار السفر العام الماضي، تتدافع الآن لإعادة بنائها بمركبات مستعملة.
قالت لورا روزنر، كبيرة الاقتصاديين في MacroPolicy Perspectives، "السوق شديدة بشكل لا يصدق الآن: لديك مزيد من الطلب الذي تدعمه حوافز المالية العامة، لذا فهي مثل عاصفة عنيفة للغاية. ونحن نرى ذلك بوضوح في الأسعار".
لكن جوناثان سموك من شركة Cox Automotive للاستشارات لوكلاء السيارات، أشار إلى أن "عددا من المؤشرات الرئيسة لما يحدث في مزاداتنا" تشير إلى أن "خط ارتفاع الأسعار من المرجح أن ينتهي".
وهذا يترك الاقتصاديين والمسؤولين الأمريكيين يفكرون في المدة التي سيستغرقها نمو الأسعار للعودة إلى مستويات أقرب إلى متوسط هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة، الذي يسمح ببعض التجاوز للرقم.
يتوقع جولدمان ساكس أن يبلغ التضخم الأساسي ذروته عند 3.6 في المائة على أساس سنوي في يونيو، وينخفض قليلا إلى 3.5 في المائة بحلول نهاية العام، ويبلغ في المتوسط 2.7 في المائة في عام 2022.
لا يراقب المسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي التضخم الرئيسي والأساسي فحسب، بل يراقبون مقاييس أخرى لنمو الأسعار. ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي - وهو المؤشر المفضل للاحتياطي الفيدرالي بشكل تقليدي - 3.1 في المائة في أبريل، على الرغم من أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الذي أصدره الاحتياطي الفيدرالي في دالاس ارتفع 1.8 في المائة.
كما طور البنك المركزي الأمريكي مؤشرا ربع سنوي لتوقعات التضخم المشتركة لتقييم ما إذا كانت تبتعد عن أهدافه، وموعد قراءته في يوليو المقبل. على الرغم من هذه الجهود، أثار عدم اليقين قلق بعض الاقتصاديين والمستثمرين.
قالت ليندا شفايتسر، الرئيسة المشاركة لفريق الدخل الثابت العالمي في لوميس سايلز: "عموما، لم تتغير حجتنا الأساسية حول التضخم، لكن قناعتنا بهذا الرأي يجب أن تكون أقل. علينا أن نفكر في مخاطر شيء أكثر استدامة". وفي ولاية ماريلاند، يبدو تشيرنر متفائلا بشأن الآفاق.
وقال: "لا أعتقد أنه سيكون هناك انخفاض حاد في الأسعار إلا أن يكون هناك عرض أكبر بكثير من الطلب. لا يزال يتعين عليهم بناء السيارات الجديدة والحصول على الرقائق فيها وإخراجها. أعتقد فقط أنها ستستمر".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES