أبو عبد الرحمن بن عقيل: ظاهري أحيا الغريب واقتبس تراكيب الأقدمين وعشق أم الوليد

أبو عبد الرحمن بن عقيل: ظاهري أحيا الغريب واقتبس تراكيب الأقدمين وعشق أم الوليد

"لن أسلم لحيتي لمشرف يتحكم في عقلي" عبارة قالها أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري أحد أبرز وأشهر كتاب المقالة الذاتية في بلادنا عندما قرر طواعية منه أن يتوقف عن دراسته العليا بعد حصوله على الماجستير في موضوع تفسير آيات الأحكام في سورة الطلاق, وكأنه بذلك يؤكد دون نرجسية أو تعال أنه أكبر بعلمه ووعيه من أن يسلم نفسه لمشرف لا يصل إلى ما وصل إليه من علم. وما تبين للجميع في كتاباته من آثار التفكير والنزوع إلى العقل ومؤلفاته التي تجاوزت الـ 50 مؤلفا.
في أسلوبه نسمة من التحديث البياني الجميل, وتظهر فيه لمحات من الذكاء والاعتداد بالنفس والطرافة الجميلة المأنوسة, كما يميل إلى إحياء الغريب واقتباس تراكيب عربية قديمة اشتهر بها أدباء ومحدثون في العصر العباسي على وجه الخصوص.
كتب بمداد من موسيقى عن نفسه وعن خطرات روحه ومكامن الحسن التي ينشدها ويتعلق بها في المرأة والفن وجمال الكون, وفي مقالاته نجد روحه جلية واضحة تحيط بها هالة من البحث عن الحق والخير والجمال, ويلفها شيء من السمات العالقة بحرص العلماء على اتباع المأثور من محامد السلوك, ومحاسن الخلق, ويخرج عن هذا الوقار بعض ما يستملحه من أطايب الفن ونزعات النفس وسرحات الهوى.
اسمه وأسلوبه وعناوين مؤلفاته تعطي انطباعا أوليا بأنه من أحد شيوخ الظاهريين الذين سبقوه إلى كثير من نغمات الظرافة واللطف والأناقة وابتغاء اللين في الملبوس والمركوب والبحث عن سبيل اللذة الجميلة الراقية في مجالي الحياة بعامة.
ولد محمد بن عمر بن عبد الرحمن العقيل وهو من آل عبد الوهاب من الخزرج تحدروا من المدينة المنورة إلى نجد في حدود القرن الحادي عشر الهجري في شقراء حاضرة الوشم عام 1359هـ ودرس في الكتاتيب ثم الابتدائي وعاد إلى التمهيدي وهو ما يعادل الخامسة أو السادسة الابتدائية لأجل الالتحاق بالمعهد العلمي, ثم درس في المعهد العلمي في كلية اللغة العربية السنة الأولى ولم يكمل دراسته فيها فالتحق بكلية الشريعة ثم معهد القضاء العالي ونال الماجستير وعمل في إمارة الدمام, ثم موظفا في ديوان الموظفين العام "وزارة الخدمة المدنية حاليا" ثم مديرا للخدمات في رئاسة تعليم البنات, ثم مستشارا شرعيا في وزارة الشؤون البلدية والقروية ومديرا عاما للإدارة القانونية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
رأس النادي الأدبي في الرياض عدة سنوات, وهو عضو في المجمع اللغوي في القاهرة ورئيس كتبة مجلة "التوباد" التي تعنى بالبحوث الأدبية والفكرية.
عُرف ابن عقيل بشهرته العلمية "أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري" نسبة إلى مذهب الأخذ بالظاهر والاكتفاء به وهو مذهب جملة من المحدثين من أهل السنة والجماعة. والإمام الأول للمذهب داود بن علي الظاهري ثم هذبه أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري.
كتبه التي وصلت إلى 50 كتابا أحبها إلى نفسه كتاب "هكذا علمني وردزوردت", وكذا كتابه "لن تلحد" أرسى فيه نظرية المعرفة وقرب سبيل الوعي بالإيمان من حجج العقل.
اشتهر أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري باستخدام تراكيب عربية قديمة, فنجد لديه "برجمها لكم", "وجمل الشبنح نقيرا نطيحا", قبع في صوامع الطرس ما شاءت له وحشته, وكرع في نمير الحرف ما شاءت له نغبته" فابترد والتمظ وخضد الكلمة فامتحن حلوها ومرها, "لكثرة ما في صقبهم من مبكيات القلوب".
وسجل أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري رفضه لفكر المفكر السعودي الراحل عبد الله القصيمي من خلال كتابه الصغير "ليلة في جاردن سيتي", وكان القصيمي قد أهاب بأبي عبد الرحمن وفي أول صفحة من كتابه "فرعون يكتب سفر الخروج" أن يتغلب إنسان على إيمانه, لأن ذلك الإيمان جاءه من أقوال أبي هريرة التي اختزنها له الأزهر الشريف, وكانت إهداءات القصيمي له قد حملت وصفا لأبي عبد الرحمن باسم القلب والضمير والوجه والحياء. عابس التعاليم والعظات والقراءات والصلوات, للنابض الخافق الطلعة والرؤية والحركة والأحاسيس والأشواق الحضارية والإنسانية, مشددا على أن ابن عقيل تشتهي أن تراه وتلقاه وتحاوره أكثر من أن تشتهي القراءة له, كما وصفه بالفنان المتنمرق.
ورد أبو عبد الرحمن على ذلك بقوله "ولهذه العواطف أرجو له في شخصه أن يهديه الله للإيمان قبل الغرغرة فتكون خاتمته حسنة إن شاء الله, فإن هذا الرجل الذي ألف "الصراع بين الإسلام والوثنية" مما يؤسف له على الكفر, ولقد قرأت كتب القصيمي بعد ذلك بتمعن فلم أجد له فكرا جديدا متحررا من بصمات أساطين الكفر والإلحاد, وإنما وجدت طراوة الأسلوب, مع ضعف اللغة, والقدرة على المغالطة والإثارة, وما كتبه القصيمي عاجز عن زحزحة الحقيقة ولكنه بارع في التخذيل عنها والتعمية دونها".
ويشير الناقد والكاتب الدكتور محمد العوين إلى أن أكثر ما يثير ذهن قارئ هذا الظاهري اعتداده بنفسه وذكره غمط من حوله لمن يمتلكون الذكاء والكياسة والإبداع وقلقه من التفكير في وسيلة العيش, وأن هذا مما يصرفه عن الفكر العقلي المحض, فهو يستجيب لدواعي الحياة على الرغم منه ولا يملك نفسه أمام الضرورة المعيشية ويسميها العقل المعيشي, ويقرن الذكاء بالظاهرية ويتجنب أن يقول ما يفهم لئلا يؤاخذ عليه, ولكن ميزة القلم الأصيل والفكر الأصيل ألا يفهمه إلا الفكر الأصيل, وموهوبو كل أمة هم شعرة الثور البيضاء التي تذكر.
منحنا الله عقلا نروض به ذكاء عتيا.
أو أدر لنا رزقا نعمر به صومعة رهين المحبسين فإن الإبداع الجيد ابن الذكاء الحر. ولا إبداع لعقل معيشي.
ومع كل هذه المعاناة فهو رفيق المعشر, سهل المداخلة, طيب القلب, قريب الدمعة, عميق الشجن. "مرت بأبي عبد الرحمن فترة كان يسمع فيها هينمات ما فيخضل دمعه ويغص بريقه..", مشيرا بذلك إلى طربه لسماع أم الوليد نجاة الصغيرة وإعجابه الشديد بها لدرجة تأليفه كتيبا عنها.

الأكثر قراءة