«الفهلوة» الحديثة
يعتقد كثير من العرب أن "الفهلوي" هو من يتمتع بسعة الحيلة والشجاعة، وأعتقد أن الصحيح هو من يملك الجرأة التي يحسبونها شجاعة على تنفيذ حيله.
تغيرت "الفهلوة" مع تغير كل شيء، وهي ربما تطورت لتكون مهمة للتجارة، أو مثلا هي التي تولد طلبا كامنا، أو تستحث طلبا غير موجود أصلا، وأتذكر هنا على سبيل المثال قصة حدثت قبل أعوام حيث عرض مجموعة من المقاولين الأمريكيين على مواطنين يؤمنون بأن نهاية العالم وشيكة، الاهتمام بحيواناتهم الأليفة التي "سيتركونها على الأرض" مقابل مبلغ من المال.
في ذلك الحين، استطاعت إحدى الشركات أن تجذب 259 زبونا دفعوا 135 دولارا للحيوان الواحد، و20 دولارا لكل حيوان إضافي للتأكد من أن الحيوان سيكون في أيد أمينة حسب ظنهم.
العملاء لو تأملوا قليلا لوجدوا أن مجرد اشتراكهم ينفي معتقدهم أو الوهم الذي يعيشونه، فنهاية العالم لن تستثني المقاولين الذي سيهتمون بحيواناتهم، وعلى الرغم من ذلك، في الأمر كمية حنان نادرة، فما الذي سيعنيني من حيوان بعد أن أرحل عن الدنيا، ثم لماذا لا يرحل هو أيضا، وهل ستكون نهاية العالم انتقائية بين الكائنات الحية؟.
هذه الحركة كان يحدث مثلها كل فترة من الزمن، ونتذكر قصصا كثيرة، لكن عالم اليوم يزخر بهذه القصص يوميا، ولم تعد "الفهلوة" هي الاستثناء، بل تكاد تكون السائد في بعض القطاعات.
سأضرب أمثلة من الواقع المعاش اقتصاديا وحياتيا، الأول في المقاهي حيث تضاف كلمة أو تعبير على اسم مشروب نعرفه منذ عقود ليصبح منتجا جديدا، جديد بالاسم، لكن المكونات لا تتغير، ومع الانفجار في سوق المقاهي بات على كل مقهى جديد أن يخترع اسما جديدا لمشروب قديم.
المثال الثاني في سوق التقنية، بعض التطبيقات ومواقع التواصل ليس لها هوية محددة، هي استنساخ من شيء قائم، أو تشويه له أحيانا فقط لمجاراة المنافسين، وفي تحديثات كثيرة تطلب من الناس ولا توجد فروقات جوهرية، لكن التطبيق بات ككوب القهوة أعلاه، يحتاج إلى اسم وشكل ليتم بيعه، والناس تشتري كثيرا من القهوة، وأكثر مما تحتاج من التطبيقات والبرامج، والأجهزة، وهذه الأخيرة باتت عملية احتيال ممنهجة خصوصا في الهواتف الذكية حيث يصدر أكثر من جيل في العام الواحد بأسعار مرتفعة، دون إضافة حقيقية، بل أحيانا بنقص في المزايا أو الملحقات.
تأملوا قليلا، وتعلموا بدوركم مجابهة "الفهلوة" بكبح جماح النفس، وربما حفظ شيء من كرامتها عبر احترام العقل.