FINANCIAL TIMES

روايات من فاجعة الهند .. لم ير أحد شيئا كهذا من قبل

روايات من فاجعة الهند .. لم ير أحد شيئا كهذا من قبل

تجاوز عدد الجثث عتبة 3500 يوميا وغصت بها المحارق ومقابر المسلمين والمسيحيين.

الهند تمر بواحدة من أحلك لحظاتها منذ الاستقلال، في الوقت الذي تجتاح فيه موجة كوفيد - 19 الثانية الكارثية البلاد بسرعة مذهلة.
سجلت الهند أعلى مستوى من الإصابات على الإطلاق، 386 ألف حالة جديدة الخميس الماضي، إلى جانب أكثر من 3500 حالة وفاة. يقول معظم الخبراء إن العدد الفعلي للوفيات أعلى بكثير.
اتهم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحكومته بالتسبب في تفاقم الأزمة من خلال عدم الاستعداد بعد انخفاض حاد في عدد الحالات أدى إلى مزاعم بأن البلاد كانت في "نهاية" الجائحة.
الزيادة الأخيرة في معاناة الهند تجاوزت كل ما جرى منذ بداية الحائحة. الموجة الجديدة اخترقت الحواجز والانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية الكثيرة في البلاد، وأثرت في الأغنياء والفقراء في المناطق الريفية والحضرية.
اشتدت الاضطرابات بسبب النقص الحاد في الإمدادات المنقذة للحياة، مثل الأكسجين، إضافة إلى تفشي متحورات الفيروس الجديدة. أيضا تهدد عمليات إغلاق جديدة بعرقلة تعافي ما كان الاقتصاد الأسرع نموا في العالم.
أبارنا هيجدي، طبيبة في مومباي. خلال الموجة الأولى في العام الماضي، كان الجناح الذي تعمل فيه في مستشفى كاما للنساء والأطفال، الذي تديره الحكومة، يستضيف 60 مريضا في كل مرة. مع ارتفاع الموجة الثانية، ازداد عدد المرضى إلى 100 مريض.
قالت هيجدي إن الضغط على المستشفيات كشف نقص الاستعداد والإهمال المزمن للرعاية الصحية العامة. تنفق الهند نحو 1 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي على هذا القطاع. أضافت: "نحن لا نتعلم من أخطائنا على الإطلاق. انتهت الموجة الأولى ولم نعتقد أن موجة ثانية يمكن أن تأتي".
كانت الظروف رهيبة جدا لدرجة أن هيجدي لم تكن قادرة على تأمين سرير وأكسجين في مستشفى في دلهي لزميل أصغر سنا، في الوقت المناسب، لإنقاذه. قالت: "ما كان ينبغي أن يموت ذلك الشاب".
قالت هيجدي، التي تدير أرمان، وهي منظمة غير ربحية تعمل مع الأمهات والأطفال، إن الضغط كان يؤثر في مجالات أخرى من الصحة العامة، مع احتمال حدوث عواقب طويلة الأجل. ذكرت أن حملات تحصين الأطفال خرجت عن مسارها وأن الأمهات الحوامل يكافحن من أجل تلقي العلاج.
"الهند لا يجب أن تكون على هذا النحو. هذا هو الشيء الذي يفطر القلب"، حسبما قالت. "هذا هو السبب في أنه يؤلم أكثر من ذلك بكثير".
فيشواناث تشودري، رئيس محارق الجثث في مدينة فاراناسي القديمة، على ضفاف نهر الجانج، هي المكان الذي يرغب كثير من الهندوس أن تحرق جثثهم فيه، اعتقادا منهم أنه المكان الذي يسمح لأرواحهم بإكمال رحلتها إلى الجنة والتحرر من دورة الولادة والموت.
تشودري، البالغ 39 عاما، هو راجا (أمير) من طائفة دوم التي عملت لأجيال في مناطق حرق الجثث في فاراناسي: "لقد شاركت عائلتنا تقليديا في إدارة محارق الجثث لأجيال. لم ير أحد شيئا كهذا من قبل. (العام الماضي) لم يكن مثل ما نشهده هذه المرة. الوضع مروع". أضاف. "في مثل هذه الأوقات غالبا ما تضيع الإنسانية".
مع ارتفاع عدد الجثث التي تصل يوميا إلى 100 جثة - مقارنة بأقل من 15 في العام الماضي - أصبحت الحرارة الحارقة واللهب المتصاعد من المحارق لا يطاقان. لقد كانت الكارثة رهيبة لدرجة أنها تسببت في نقص الأخشاب للمحارق، وجعلت الباعة يرفعون أسعارها بشكل كبير.
رام فيلاس جوبتا، عامل مهاجر في تشانداولي في أوتار براديش. منذ أكثر من 15 عاما ترك عائلته وقريته وجاء إلى مومباي، حيث قاد سيارة أجرة وعاش مع خمسة في غرفة واحدة.
مثل ملايين المهاجرين الآخرين، أجبر الرجل البالغ من العمر 45 عاما على رحلة ملحمية يائسة إلى قريته العام الماضي، بعد أن دخلت البلاد في حالة إغلاق ونفدت مدخراته.
مع تراجع عدد حالات كوفيد بشكل حاد في نهاية العام الماضي - وتوقعات بأن ينتعش الاقتصاد - عاد إلى مومباي وسرعان ما تمكن من الوصول إلى ما كان يحققه من دخل شهري قبل الجائحة، 18 ألف روبية (243 دولارا).
لكن هذا الحال لم يدم. بحلول أواخر آذار (مارس)، مع تضرر مومباي بشدة من الموجة الثانية من كوفيد - 19، توقف زبائن سيارات الأجرة عن القدوم ونضبت أرباحه.
الآن بعد أن عاد إلى قريته وأصبح عاطلا عن العمل مرة أخرى، لا يعرف جوبتا كيف يسدد 40 ألف روبية من الديون التي أخذها خلال أزمة العام الماضي. قال "ماذا يجب أن أفعل؟ كل مدخراتي (ضاعت). لقد مررنا بوقت عصيب للغاية".
أكبر مخاوفه الآن هو أن الفيروس، الذي ينتشر في المناطق الريفية في الهند، سيجتاح قريته، حيث لا يزال كثيرون يشككون في وجوده. "لهذا السبب أتيت إلى القرية - بسبب كورونا. يقول بعضهم أن فيروس كورونا غير موجود. لكنني خائف جدا".
سوريندرا بهاتاشارجي (57 عاما) أستاذ جامعي في دلهي. مثل كثيرين آخرين في الأسابيع الأخيرة، حاول العثور على سرير في المستشفى لشقيقته وفشل.
تتمتع الطبقات المتوسطة والعليا في الهند عادة بإمكانية الوصول إلى رعاية صحية عالمية المستوى، حتى مع اعتماد الفقراء على المستشفيات الحكومية التي تعاني نقص التمويل. لكن الآن، حتى أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفها يكافحون لتأمين العلاج.
بعد انخفاض مستوى الأكسجين في دم جوري، شقيقة بهاتاشارجي الكبرى المصابة بداء السكري، إلى أقل من 80 في المائة، استشار أستاذ الأعمال الأطباء الذين نصحوه بإدخالها إلى المستشفى. قراءة الأكسجين السليم في الدم تكون أعلى عن 90 في المائة.
لكن مع امتلاء الأسرة في المستشفيات في دلهي، فشلت محاولتان للحصول على العلاج لأخته. في إحدى غرف الطوارئ، رده طبيب، مشيرا إلى شاب بمستويات أكسجين منخفضة تصل إلى 13 في المائة. قال له الطبيب: "انظر إلى قراءته. أخبرني الآن، من يجب أن نختار؟".
قال بهاتاشارجي: "أدركت أنه لا جدوى من المحاولة. وأحضرتها إلى المنزل". ووجد أسطوانة أكسجين، لكن لم تكن لديه المعدات اللازمة لربطها بها.
لا تزال أخته في المنزل معه بينما يحاول ضمان تعافيها - وعدم إصابته. قال بهاتاشارجي: "يبدو أنها في تحسن. الله رحيم بي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES