انتهاء الغذاء المجاني .. مرة أخرى

انتهاء الغذاء المجاني .. مرة أخرى

في نيسان (أبريل) من عام 2001، كتبت الإيكونوميست تقول: "في السنوات الأخيرة، اعتاد المستهلكون الحصول على خدمات مجانية على الإنترنت من جميع الأنواع، مثل الأخبار وأسعار الأسهم والموسيقى والبريد الإلكتروني، بل وحتى الاتصال السريع بالإنترنت. إلا أن شركات الإنترنت هذه الأيام لا تتصدر الصحف بأخبار تعلن فيها عن عروض مجانية جديدة، بل بأخبار تتحدث عن عمليات تسريح العمال- وبإعلانات بأنها على وشك البدء بفرض رسوم لقاء خدماتها". ومع أن هذه الكلمات ظهرت عام 2001 إلا أنها تنطبق على الوضع الحالي. فخلال فترة ازدهار شركات الإنترنت، انتشرت فكرة مفادها أنه قد يكون هناك ما يسمى غذاء مجاني، أو على الأقل خدمات إنترنت مجانية. فقد نشأت العديد من الشركات لتقديم المحتوى والخدمات على الإنترنت، على أمل أنها ستتمكن في النهاية من كسب المال من ملايين الأشخاص الذين يتصفحون مواقعها عن طريق بيع الإعلانات. ولكن لم تسر الأمور بهذه الطريقة، وكانت النتيجة انهيار شركات الإنترنت. وجربت الشركات نماذج عمل أخرى، مثل فرض رسوم على الزبائن مقابل الدخول، إلا أن القليل منها فقط نجحت في إقناع الناس بدفع المال.
ثم حدث الأمر مرة أخرى، بدءا بعام 2004 مع إدراج شركة جوجل في البورصة، والتي تسببت في تضخم فقاعة "ويب 2.0" جديدة. وقدرة جوجل على وضع نصوص إعلانية صغيرة مستهدفة بجانب نتائج البحث على الإنترنت، وفي مواقع إلكترونية أخرى، تعني أن الكثير من نماذج العمل التي كان يعتقد أنها اندثرت مع انهيار شركات الإنترنت عادت للظهور الآن. وكان يبدو أنه يمكن فعلا تحقيق الربح من الدعاية على الإنترنت، شريطة التمكن من استهدافها بدقة- وهي مشكلة يمكن الاستعانة بجوجل في حلها. وكان هناك اتفاق عام مفاده أن السبب الوحيد الذي جعلها غير ناجحة في المرة الأولى هو عدم وجود اتصالات واسعة النطاق. وبدأ ثانية السعي لاجتذاب المتصفحين، وظهرت مجموعة من شركات الإنترنت اللامعة، مثل MySpace وYouTube وFacebook والآن Twitter. وكانت كل منها تقدم خدمة مجانية بهدف اجتذاب جمهور كبير قد يحقق لها- في مرحلة غير محددة في المستقبل- مبالغ كبيرة من إيرادات الدعاية. ونجح الأمر بالنسبة لجوجل. وعاد فعلا الغذاء المجاني.
إلا أن الواقع يفرض نفسه مرة أخرى الآن، مع نتائج مألوفة. فعدد الشركات التي يمكن أن تظل قائمة بناء على الإيرادات من الدعاية على الإنترنت أصغر بكثير مما كان يعتقد الكثيرون، ويبدو أن سيليكون فالي تدخل في "شتاء نووي" جديد.
وبدأت شركات الإنترنت مرة أخرى بتسريح الموظفين أو تخفيض نفقاتها أو إغلاق نفسها أو محاولة الترويج عن نفسها بوصفها من عمالقة الشركات الغنية في الصناعة أو التحدث عن فرض رسوم لقاء المحتوى أو الخدمات التي تقدمها. وتمكنت بعض شركات Web 2.0 المفضلة (MySpace وYouTube) من إيجاد مشترين قبل انفجار الفقاعة، وبالتالي تمرير مشكلة إيجاد نموذج عمل مربح إلى شخص آخر (News Corporation وغوغل، على التوالي). ولكن من غير الواضح بعد كيف ستتمكن Facebook أو Twitter من تحقيق ما يكفي من المال للحفاظ على الملايين من مستخدميهم. وقد جربت Facebook عدة حلول، وآخرها مخطط يسمى Facebook Connect. وخطط مؤسسي Twitter عدم انتظار الإيرادات حتى عام 2010، إلا أن الموقع يستعد الآن، كما يبدو، لإدراج الإعلانات.

الفاتورة يا سيدي

ولا شك أن الفكرة القائلة إنه يمكن منح الخدمات مجانا على الإنترنت ثم انتظار إيرادات الدعاية في وقت لاحق تجتذب المستخدمين، الذين يحصلون على الخدمات المجانية نتيجة لذلك. وهناك منطق تجاري في ذلك أيضا. فطبيعة الإنترنت تعني أن حاجز الدخول أمام شركات جديدة منخفض جدا- بل هو أكثر انخفاضا في عهد Web 2.0 مما كان عليه في عهد شركات الإنترنت، وذلك بفضل التطورات التكنولوجية. ويسمح الإنترنت أيضا للشركات باستغلال آثار الشبكة لاجتذاب والاحتفاظ بمستخدمين بصورة سريعة ورخيصة. لذا من غير المستغرب أن تقدم شركات محركات البحث المنافسة أو الشبكات الاجتماعية أو مواقع تبادل ملفات الفيديو خدمات مجانية لاجتذاب المستخدمين، وتأجيل مسألة كيفية تحقيق الأرباح. فإذا كنت شديد القلق بشأن نموذج الإيرادات في مرحلة مبكرة، قد تتخلف عن الركب.
ولكن في النهاية فإن كل شركة بحاجة إلى الإيرادات- والدعاية، كما تبين، لن توفر إيرادات كافية. وقد كان المحتوى المجاني والخدمات المجانية فكرة جذابة، إلا أن الدرس الذي يجب تعلمه من فقاعتي الإنترنت هي أن شخصا ما في مكان ما سيدفع فاتورة الغذاء.

الأكثر قراءة