تزييف السيرة الذاتية خطر يستشري ينبغي التحذير منه
شعرت بصدمة عميقة حين اطلعت على دراسة مسح نشرت حديثاً، حيث يفهم منها أن 30 في المائة من أصحاب طلبات العمل والوظائف يقومون بتزويق الحقيقة أو أنهم يكذبون في سيرتهم الذاتية. هل يعقل أن يكون الرقم متدنياً إلى هذا الحد؟ كنت أفترض دائماً أن بيانات السيرة الذاتية تكون مليئة بحالات التهرب وأنصاف الحقائق بل حتى الكذب بصورة مبالغ فيها. وباعتباري من الساخرين الذين لا يثقون بسلامة الطوية عند الناس، فإن النبأ القائل إن 70 في المائة من العاملين يتمتعون بصدق وأمانة عمل على زعزعة ارتيابي المعهود بإخواني من بني البشر. العزاء الوحيد أمامي هو أن الناس غالباً ما يكذبون بصورة طفولية في دراسات المسح المغْفَلة، تماماً كما يفعلون في السيرة الذاتية، ما يعني أن النسبة الحقيقية يمكن أن تكون أعلى من ذلك.
#2#
هناك تنبؤ يبدو أنه صحيح من الأبحاث التي أجراها معهد تشارترد لمؤسسات التقييم التربوي. وهو ينص على أن الحافز على عدم قول الحقيقة هو في ازدياد، حيث إن معدلات البطالة في حالة تزايد كبير، وهناك تزايد في التنافس على الوظائف. وبالتالي فإن شركات التوظيف ستتعرض في الأشهر المقبلة لقصف من السير الذاتية التي يدعي أصحابها قدرات أكثر تضليلاً حتى من النوع الذي حرَم كلية كوربس كريستي من الاحتفاظ بالفوز في البرنامج التلفزيوني "التحدي الجامعي" في هيئة الإذاعة البريطانية. (حيث كان من أعضاء الفريق الفائز شخص لم يكن في ذلك الحين طالباً في الجامعة).
حدث الأمر نفسه أثناء الهبوط الاقتصادي في أوائل التسعينيات. في ذلك الحين، حصل أحد معارفي على دورة تدريبية لطلاب الدراسات العليا في أحد البنوك الكبيرة بأن رفع شهادته من الدرجة الثالثة إلى رتبة 2 إلى 1. من جانب آخر اعترف لي زميل صحافي أن شهادته التي يحملها من إحدى الجامعات الكبرى هي شهادة مزورة تماماً. وشخص آخر ادعى أن السنة التي أمضاها وهو عاطل عن العمل إنما كان مشغولاً فيها بكتابة دليل ميداني عن الأزهار البرية في جبال البيرينيه. كان من الممكن أن أكذب في سيرتي الذاتية لولا أن تنشئتي في الساحل الشرقي لأسكتلندا غرست في داخلي القناعة الخفية بأنني سأصلى في نار جهنم إلى الأبد إن فعلت.
تشارلز توماس، من مؤسسة كرول، التي تشتمل خدماتها على التدقيق والتأكد من خلفية أصحاب الطلبات المتقدمين للوظائف، يقول إن البيانات غير الصحيحة الموجودة في السير الذاتية تنقسم إلى ثلاث مجموعات. الأولى، هي أن هناك أخطاء تتم بحسن نية، وهي في العادة تحدث حين يخطئ المتقدمون في التواريخ. الثانية، هي أن هناك كذبا متعمدا حول المؤهلات. يقول توماس: "حين يورد الشخص بيانات كاذبة قبل 20 سنة للحصول على وظيفة معينة، تصبح هذه البيانات جزءا من الواقع الفعلي للشخص الكاذب. وبالتالي فإنه يكررها حين يتقدم للحصول على وظيفة أخرى، حتى ولو أنه أصبح مديراً مالياً ناجحاً". الثالثة، هي أن أصحاب الطلبات يعمدون إلى إغلاق الفجوات المشبوهة في سيرتهم الوظيفية. في إحدى الحالات التي تحققت منها مؤسسة كرول، تعرض أحد المرشحين لفجوة في سجله الوظيفي مدتها ثلاثة أشهر، وتبين أنه أمضاها في السجن بتهمة الاحتيال.
وفقاً لأبحاث أجراها المعهد القانوني للموظفين والتطوير، فإن نحو 65 في المائة من الشركات تراجع المُعَرِّفين بالنسبة للمتقدمين للوظائف المهمة (حيث يكون عدد المتقدمين قليلاً). أقل من نصف الشركات قالت إنها حين سألت المُعَرِّفين من الشركات السابقة لم يخرجوا بأي شيء ذي فائدة. وليس في ذلك ما يبعث على المفاجأة، على اعتبار أن الخوف من المقاضاة يحول بين أرباب العمل السابقين وبين قول أي شيء ذي بال، وكل ما يصرحون به هو من قبيل: "نعم. هذا الشخص عمل لدينا. هو شخص ملتحٍ ويعرف بعض الأمور عن قواعد البيانات." أقل من 40 في المائة من الشركات تكلفت عناء التدقيق للتأكد من المؤهلات الأكاديمية والمهنية لأصحاب الطلبات.
كيف يستطيع المرشحون الشرفاء التنافس على الوظائف؟ الركود الاقتصادي يعني أن الإعلان الواحد عن إحدى الوظائف في الصحف يمكن أن يجتذب عدداً يصل إلى 700 شخص، كما يقول أُوين مورجان من مؤسسة بينا، وهي مؤسسة استشارية للموارد البشرية. في العادة يقوم مسؤول صغير في إدارة الموارد البشرية باختصار هذه الطلبات إلى قائمة طويلة، ولا يمضي أكثر من 15 ثانية في مراجعة السيرة الذاتية. هذا المساعد الصغير ربما لا يتفحص إلا كلمة من الكلمات المهمة في السير الذاتية المقدمة إلكترونيا، لأنه يريد تفريغ نفسه لبضع دقائق ليأخذ استراحة لتدخين سيجارة. لذلك يقترح كيروين هاك، وهو مستشار لدى مؤسسة فيربليس، وهي مؤسسة استشارية متخصصة بشؤون الموارد البشرية، يقترح إثراء وتزويق السيرة الذاتية بعبارات مستخلصة من الإعلان عن الوظيفة.
في آخر مرة رأيت فيها هاك، كان يحاول أن يثني أحد المصرفيين الاستثماريين الذين تم الاستغناء عن خدماته، أن يثنِيَه عن وضع عبارة "أنا محتاج إلى المال فعلاً." هذه القطعة الثقافية القديمة المعروفة باسم السيرة الذاتية تخضع الآن لتغير سريع، وبالتالي فإن هناك بعض العناصر التي يستطيع أصحاب الطلبات حذفها بأمان. أحد هذه البنود هو تاريخ الميلاد. إذا كنت فوق الـ 40 من العمر، فإنك تزيد من فرصتك في الحصول على مقابلة وظيفية إذا أغفلت ذكر هذا البند. لن تحصل على الوظيفة، ولكنك ستحصل على الأقل على فنجان من القهوة وبعض البسكويت بالمجان. كذلك فإن بند "الحالة الاجتماعية" يتعرض الآن للإهمال في السير الذاتية. إذا كان المتقدم للوظيفة امرأة، فإن عبارة "متزوجة حديثاً وفي سبيلها إلى الإنجاب" ستضعف موقف هذه المرأة في الحصول على الوظيفة. "أوقات الفراغ والهوايات" هي من البنود التي أصبحت لا تكترث بها الشركات.
الأمر الذي يقلق روحي الأخلاقية إلى حد كبير حول التحايل في بيانات السيرة الذاتية هو أن الذين يقومون بذلك غالباً ما يكون أداؤهم طيباً في الوظائف التي يقتنصونها على غير وجه حق. المؤهلات الأكاديمية التي كان يحملها باتريك إمبارديلي، رئيس الدائرة الآسيوية لفنادق إنتر كونتننتال، لم يتم اكتشافها على أنها مؤهلات مزورة لا قيمة لها إلا نتيجة فحص روتيني بمناسبة ترفيعه إلى مجلس الإدارة. نيل تايلر، الذي استطاع بفضل شهادته المزورة الحصول على راتب مقداره 115,000 جنيه استرليني في وظيفة كبير التنفيذيين في إحدى مؤسسات القطاع العام التابعة لهيئة الخدمات الصحية البريطانية، وصفه زملاؤه بأنه "يتمتع بكفاءة عالية".
الأشخاص النصابون والحالمون بالبطولات موجودون دائماً معنا. ولكن طالب الوظيفة العادي سيكون أكثر ميلاً إلى الأمانة إذا أظهرت الشركات نفسها هذه الأمانة. والواقع أن الذي يحدث هو أن التوظيف يتحول في الغالب إلى حفلة ماجنة من المبالغات. حين تعلن شركة عادية مقرها بيركنهيد عن طلب أشخاص لوظائف معينة، فإنها تصبح "شركة دولية ديناميكية من الشركات الرائدة في السوق". ويستجيب طالب الوظيفة العادي لهذا الطلب بأن يصف نفسه على أنه شخص رائد ومتحمس لخدمة الزبائن ومن أصحاب المشاريع". تحترق الرغبة بصورة ساخنة تماماً على طرفي العلاقة، حيث تقدم الشركة وعوداً بالصعود الوظيفي الصاروخي، ويقدم الشخص وعوداً بالأداء الصاروخي في المبيعات. ولكن هذا الافتتان يختفي في الضوء البارد للصباح الأول الذي يأتي فيه صاحب الوظيفة لاستلام عمله. بعد الجماع، تصبح جميع الحيوانات حزينة، كما يقول الرومان. سيكون من الأفضل كبح التوقعات وتجنب خيبة الأمل التي من هذا القبيل. ويجدر بأصحاب العمل أن يتأكدوا من مؤهلات المرشحين الناجحين. هذا الأمر لا يستغرق أكثر من بضع دقائق.