ثقافة وفنون

محبوبة القصيبي وملهمة البدر ترتدي الأضواء وتبهر الزوار

محبوبة القصيبي وملهمة البدر ترتدي الأضواء وتبهر الزوار

العاصمة تحولت إلى متحف منير طيلة 17 يوماً.

محبوبة القصيبي وملهمة البدر ترتدي الأضواء وتبهر الزوار

حاجة الإنسان إلى النور تبدأ حيث تنتهي.

ليست الرياض حيزا جغرافيا فقط، فهي أيضا البشر والذكريات، والفن من ألفه إلى يائه، محبوبة الراحل غازي القصيبي، وملهمة "البدر"، الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، الذي قال "آه ما أرق الرياض تالي الليل".
ماذا يحدث في الرياض؟ كان هذا لسان العالم كله خلال الأيام الماضية، وهو يرى عبر منصات التواصل الاجتماعي صور التظاهرة الفنية الخلابة "نور الرياض"، التي سرقت قلوب الناس في 13 موقعا، ونثرت الفنون على جنبات الطرق والجسور، لتبدو العاصمة كالعروس التي كساها الذهب المضيء، وتحولت إلى متحف منير طيلة 17 يوما.

المشهد يروي ذاته

في المواقع الـ13 التي تستضيف فعاليات "نور الرياض"، كان المشهد يروي ذاته للآخرين، ويبهرهم بقدرة الإنسان على فرض الإبداع، ففي جولة لـ"الاقتصادية" كان المشهد يشع ضوءا وجمالا، وأول هذه المواقع وأبرزها مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، حيث الزوار يستمتعون برؤية الضوء وهو يشكل خريطة لمدينة الرياض، كما تظهرها صور الأقمار الاصطناعية لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، وهي عمل فني من تنفيذ استوديو فاو الهولندي.
وفي الموقع ذاته، من بلجيكا يشارك الفنانان توم ولين ديكيفير في عمل فني، يحيط النخيل بشبكة مصنوعة من مئات الأمتار من الحبال المضيئة، وهو العمل الذي امتهناه منذ أن بدآ السفر في عام 2012، فيما جهز الاستوديو الأسترالي أميجو آند أميجو بألف مصباح لعمله الفني "السحابة الضوئية بالقطع المكافئ"، استعان فيه بالألوان، لتشكل مزيجا يعبر عن مشاعر الحب والسعادة، أما عمل "المنارة" فكان أشبه بضوء على شكل عمود ينطلق من العاصمة نحو السماء، وقالت حوله كارولينا هالاتك الفنانة البولندية الشابة خلال شرح عملها لحشد من الزوار في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي "إن العمل المنحوت كعمود إنارة يثير فضول الإنسان إلى دخوله، واللون الأبيض يجمع جميع ألوان الطيف، بما يرمز إلى الكمال"، كما تمكن الزوار من دخول "المنارة"، والتقاط الصور التذكارية من داخلها، في تجربة ممتعة.

تفاعل مع لغة الضوء

إلى مركز الملك عبدالله المالي، حيث يتذوق الجمهور الأعمال الفنية من مختلف الخلفيات الثقافية للفنانين، وهناك كان فيلبي برادو الفنان التشيلي يدعو الزوار إلى التفاعل مع آلة بيكتو للإرسال، التي تعكس ظلالهم وحركاتهم وخطواتهم إلى كتل من الضوء، وتحت عنوان "الغوص"، استخدم استوديو سكويد سوب آلاف الأضواء المعلقة، ليجمع بين العالمين الافتراضي والعادي.
في حين كان عمل "الأزرق اللا نهائي" يضفي بهجته الخاصة، وقالت لولوة الحمود الفنانة التشكيلية في شرح عنه "إنه عبارة عن مشاركة الجمهور في تجربة تفاعلية ترى فيها نوعا من الارتباط بين اللون الأزرق المستخدم في التركيب وبين الضوء القادم من السماء، عندما يتلاشى أو يزداد سطوعا، بالدخول إلى عالم يعرض صورا متحركة مستوحاة من سلسلة "لغة الوجود"، الذي عملت عليه الفنانة لأكثر من 20 عاما".
وكان العمل الأقرب إلى القلوب "زولية أمي"، لسعيد قمحاوي، الفنان السعودي، الذي وثق هدية والده إلى والدته ليلة زفافها، وبقيت تلك الهدية القيّمة في ذاكرته، فأعاد تمثيلها بالضوء.

إذهال الزوار

أما مهمة إذهال الزوار فكانت سهلة بالنسبة إلى كورت فيرملن الفنان البلجيكي، الذي صمم نجمة مضيئة خصيصا للاحتفالية، تتوسط فوهة برج المملكة، على ارتفاع 265 مترا، مطلقا على فكرته اسم "تأثير النجمة"، وقد وجد في الموقع ليلمس أثر فنه في وجوه الناس.
وبنجمة مصنوعة من الألمنيوم والمعدن وإضاءة LED وأسلاك تساندها أنظمة تحكم، تمكن فيرملن من صنع نجمة يشير إليها كل سكان العاصمة، لموقعها وفكرتها، التي تتحرك على رأس كل ساعة لمدة دقيقة.
وتمثل هذه الحركة ولادة النجمة وانطفاءها، أي دورة حياة النجمة، حيث إن حياة النجمة تبدأ بانفجار كبير ثم تمر بعدة تغيرات وتحولات ثم تموت وتنطفئ، وقال في تصريح صحافي "إن من التحديات التي واجهته لإخراج هذا العمل كانت الجدوى الفنية، وقد شكل رفع النجمة تحديا كبيرا، حيث تزن أكثر من خمسة أطنان، وكان يجب تعليقها في منتصف تلك الفجوة، وكان ذلك تحديا هندسيا".
وعلى الجانب الآخر، كانت نافورة واجهة الرياض تتألق بالأضواء، والأمر ذاته في قصر سلوى في حي الطريف التاريخي المسجل في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، حيث أصبحت واجهة القصر تتوهج بالأضواء وتشع نورا، لتشكل منظرا بديعا لم يألفه سكان العاصمة من قبل.
وتحولت أيضا مكتبة الملك فهد في الرياض إلى معرض فني، بوجود تركيبتين فنيتين، الأولى تكريما لمحمد السليم الفنان التشكيلي السعودي الراحل، أول من أسس دارا للفنون في الرياض، وقام فنانون سعوديون بعمل تشكيلي تقني للفنان الراحل وعُرِض على واجهة المكتبة، والثانية بعنوان "لما يكتمل القمر" لزمان جاسم الفنان التشكيلي، وهو مشروع ضوئي بمشهدين منفصلين.
كما ازدانت جنبات وساحات وشوارع ومعالم مدينة الرياض، بعدد من الأعمال الفنية المضيئة، مثل الطرق الرئيسة المؤدية إلى مدينة الرياض، وعدد من المباني الرئيسة، ومنها تزيين عشرة جسور بأحدث تقنيات فن الإضاءة والخط، بأيدي ثلاثة فنانين، ضمن فعاليات "نور الرياض"، أول مبادرات "الرياض آرت".

لتعرف قيمة الإضاءة .. اعرف الظلام

خصص القائمون على احتفالية "نور الرياض" تطبيقا وموقعا إلكترونيا يتضمن معلومات عن كل عمل فني، وقائمة بالفنانين، تعكس رؤية الهيئة الملكية لمدينة الرياض، ورئيس مجلس إدارتها الأمير محمد بن سلمان، التي ستحول العاصمة إلى متحف فني مفتوح، ولوحة فنية إبداعية هي الأولى من نوعها في المنطقة.
وستكون الاحتفالية سنوية، بحسب تصريح المهندس خالد الهزاني مدير مشروع "الرياض آرت"، حيث قال "إنه سيجذب الفن والفنانين العالميين والمحليين لعرض إبداعاتهم في أرجاء العاصمة، وستصبح الرياض مقصدا لعرض آخر إبداعات الفنانين العالميين".
ومعرض "نور على نور" يرصد تاريخ الحركة الفنية في فنون الإضاءة منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم، باحتضان أعمال غريبة ومثيرة، منها:
عمل بعنوان "أسطوانة الضوء المستمر"، لجوليو لو بارك الفنان الأرجنتيني، وهو عمل فني مصنوع من مجموعة معادن والضوء والخشب والبلاستيك والمحركات، ولهذا العمل دلالة على استمرار انتشار الضوء المسلط على الأجسام المتحركة بطريقة أسطوانية، فيما كان جيمس توريل الفنان الأمريكي يعرض عمله "الأبيض، الشاحب الوردي"، ويستكشف علاقة الضوء بالفضاء من خلال اتخاذ الضوء كمصدر لإلهامه، ويمكن للزائر رؤية العمل ثلاثي الأبعاد عند التقاط صورة له.
العمل الفني "ثقوب الضوء" كان أحد الأعمال المتميزة، لنانسي هولت الفنانة البريطانية الراحلة، وهو عبارة عن جدار فاصل فيه ثقوب دائرية تتيح للضوء الكهربائي المتغير الأبعاد التسلل منه، لتكوين صورة فنية أشبه بالكواكب، حيث تمكنت الفنانة خلال مسيرتها من اكتساب شهرة واسعة في أعمال الحفر والنحت والتركيب، واشتهرت بأعمالها البيئية الكبيرة.
وشمل المعرض عملا للوسيو فونتانا الفنان الإيطالي بعنوان "بيئة الفضاء في الضوء الأحمر"، يتكون من شرائح متوازية، يسلط عليها ضوء النيون الأحمر لبيان تأثير الضوء في المساحة.
وفي المعرض أعمال لفنانين راحلين، لكن أعمالهم باقية شاهدة على إبداعهم، مثل عمل "غلاف نيون الساطع 5" لكيت سونير الفنان الأمريكي، المكون من مجموعة أنابيب الأرغون والنيون وبعض العناصر الخزفية والمصابيح المتوهجة ومفاتيح الإنارة والمحولات والأسلاك الكهربائية، لتكوين جمل بلغات متعددة، إضافة إلى عمل لدان فلافين الفنان الأمريكي، بعنوان "إلى سابين وهولجر"، عبارة عن تسليط ضوء فلورسنتي أحمر اللون على أربعة أنابيب، أنبوبان في الواجهة وأنبوبان في الجهة الخلفية للعمل، كدلالة على مدى انعكاس الضوء في مساحة الزاوية.
كما اشتمل المعرض على عمل "جسم طنان" لروبرت إيروين الفنان الأمريكي، في تكوينه على عناصر الظل والانعكاس واللون، ليعبر من خلاله عن "إن لم نعرف قيمة الظلام، فلن نعرف قيمة الإضاءة"، مستخدما الألوان للدلالة على الظلام.

حنين "القصيبي" في لوحة

يشرح موقع الاحتفالية وتطبيقها معاني الأعمال مع سيرة مختصرة لكل فنان، الذين تجاوز عددهم 60 فنانا، 40 في المائة منهم سعوديون، وكان من الأعمال البارزة لوحة منال الضويان الفنانة السعودية، التي زينت أحد جدران المعرض، واستخدمت فيها بيتا من قصيدة شعرية للوزير والشاعر الراحل غازي القصيبي، وتستخلص منها هذا البيت "يسوقنا الحنين إلى البحر، لكن الرغبة تبقينا بعيدا عن الشاطئ"، لتتناول حالة الوسط التي ستقدمها بضوء النيون، من خلال صورة فوتوغرافية لموقعين مختلفين من الجسر نفسه.
ويعرض راشد الشعشعي الفنان السعودي عمله في الفن التكنولوجي "البحث عن الظلام" حصريا في الاحتفالية، وهو عبارة عن مصادر ضوئية تتحرك باستمرار بطريقة لولبية وبسرعات متقلبة، ويرى الفنان من خلاله حاجة الإنسان إلى النور في عمله.
ونقلت وسائل الإعلام ومنصات التواصل، عملا لناصر السالم الفنان السعودي، الذي حمل عنوان "الله حي لا يموت"، ويتكون من كلمة "الله"، مستعينا بتقنية النيون بين مرآة عادية ومرآة أحادية الاتجاه، وذلك لعكس تأثير المرآة اللا نهائية بتقنية بصرية فنية، يحمل في طياته رحلة اسكتشافية للا نهاية، ويعكس عمله الوجود اللا متناهي للخالق، ويعبر من خلاله عن الوجود الكلي والقدرة المطلقة للخالق.
وكان للافتة النيون "كازينو الرياض" قصة أخرى، وهي لعبدالله العثمان، الفنان السعودي، وتحاكي التشريح اللغوي الفريد لمدينة الرياض، بحسب ما نقلته "واس" عن المعرض، مستوحيا ذلك من اللافتات المضاءة واللوحات الإعلانية المنتشرة في كل مكان على المباني الحديثة والقديمة على حد سواء في مختلف أرجاء المدينة، وقد كوّن في عمله عبارة جمعها من عدة لافتات هي "في كازينو الرياض أتأمل فضاءات القمر".

عمل يذكرنا بطماطم الشرقية القريبة من الانقراض

حثت سارة أبو عبدالله، الفنانة السعودية، على الاهتمام بالبيئة والمحافظة على ثرواتها، وبيان أهمية الضوء في مساعدة النبات على النمو، من خلال عملها "الأشجار تتحدث مع بعضها"، ويوفر العمل بيئة دافئة لزراعة نوع نادر من الطماطم ذات الطعم الحامض الحلو، كان ينمو في المنطقة الشرقية وبدأ في الانقراض بسبب التوسع الحضاري.
وعرض محمد الفرج، الفنان السعودي، فيديو "الشمس مرة أخرى"، ويركز في اهتماماته على الطبيعة والبيئة، مستخدما أدوات مختلفة ومتعددة الأبعاد، بما في ذلك الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والكتابة، ويتمثل جوهر أعماله في استكشاف العلاقة القائمة بين الأشكال والمفاهيم، عن طريق إظهار مجموعة متنوعة من العناصر من خلال القصص المتراكبة التي تعرض على شكل كولاج من الصور الفوتوغرافية، الأمر الذي يسمح بإعادة تجميع وتباين الموضوعات الحقيقية والخيالية، حيث يشير الفيديو إلى وجود خلل بيئي، ما قد ينذر بتحديات مستقبلية، يمكننا تجنبها من خلال فهم الطبيعة من حولنا والاهتمام بها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون