«الكرودز» .. عصر جديد يحيي الترابط العائلي
في زمن يجري فيه التغيير والتطور كشهب، ينير ظلمة الأركان التي ما زالت مطمورة، في زمن تتغلغل فيه ذبذبات التكنولوجيا داخل أروقة كل منزل، وأصبحت في جعبة كل فرد في المجتمع، صغيرا كان أم كبيرا، في زمن أثقلت فيه الصراعات والأوبئة حياة الفرد الاقتصادية والاجتماعية، نتسمر حائرين في مستقبل الأسرة ما بين الترابط الذي اعتدناه والتفكك الذي يأتي نتيجة التطور، وفي خضم كل هذه المعمعة تعيد شركة الإنتاج "دريم ووركس أنيميشن" إحياء "عائلة كرودز"، التي أبصرت النور عام 2013 من خلال فيلم كرتون كوميدي يحمل عنوان "ذا كرودز" وجسدت آنذاك النموذج المثالي للعائلة المترابطة، والأن بعد مضي نحو سبعة أعوام، تعود تلك العائلة بفيلم جديد يحمل عنوان "الكرودز: عصر جديد"، فما الجديد في هذه النسخة، وهل يعد ضربة موفقة للشركة المنتجة؟
لماذا الجزء الثاني؟
تناول الجزء الأول من الفيلم حكاية رجل بدائي يدعى "جروج"، يؤدي دوره النجم نيكولاس كيج، كان شديد القلق من مخاطر العالم الخارجي لدرجة أنه أبقى عائلته محصورة في كهف، إلى أن قابلت ابنته التي تعشق المغامرة "إيب"، تؤدي دورها النجمة إيما ستون، شخصا غريبا يدعى "جاي"، يؤدي دوره النجم رايان رينولدز، حيث اضطرت العائلة إلى أن تواجه حقيقة أنها قد تكون محدودة التفكير بعض الشيء.
من هذا المفهوم البدائي، استطاع فيلم "الكرودز" استحضار عالم كرتوني فخم ومذهل لنستكشف خلاله حياة الإنسان البدائي وتفكيره، وتميزت المخلوقات والبيئات في هذا العالم بتفاصيلها الغنية، ما أسهم في إبعادها عن القصص المبتذلة. ولقد تناول الجزء الأول العائلة بكل تفاصيلها وتعلم "الكرودز" درسهم، فما السبب المنطقي إذاً لمواصلة القصة؟!
فكاهة ولكن...
في الجزء الثاني يقدم المخرج جويل كروفورد، الذي أخرج سابقا فيلم "ترولز هوليداي"، كل التفاصيل على شكل نكات، فلقد صور جاي وهو يتعلم كيفية استخدام المرحاض، ومن المضحك أن تسمع جران، تؤدي دورها كلوريس ليتشمان، تثرثر كل حين وآخر بشأن كيف كانت الأمور في زمنها. إن هذه المشاهد ستجعل المشاهد يستمتع كثيرا بالفيلم، لكن بالنسبة إلى أولئك الذين يبحثون عن قصة جديدة، فلن يعجبهم الفيلم الذي يشبه إلى حد ما الفيلم الكرتوني الأمريكي "عائلة فلنستون" بتكنولوجيا أكثر تطورا، لكن لا جديد يتم تقديمه من ناحية السيناريو، لا بل على العكس كان من الممتع أكثر رؤية "فريد فلنستون" بطل فيلم "عائلة فلنستون" يستخدم طائرا طويل المنقار كمشغل أسطوانات في العصر الحجري.
سيناريو مصقول بإنتاج إبداعي
على الرغم من أن فريق كتابة سيناريو فيلم ذا كرودز 2 كيفن ودان هاجمان، قدم مشاهد جيدة، لكن ربما يعود هذا الأمر إلى مساهمات من فريق الإنتاج، الذي يستخدم أحدث الأدوات الرقمية لتطوير الرسوم المتحركة المرسومة يدويا ودفعها إلى أقصى الحدود، من ناحية تعابير الوجه المبالغ فيها، ووضعيات "الاسكواش والتمدد"، والحركة مفرطة النشاط، على سبيل المثال. إنها خدعة قديمة أن تثقب الشخصية الحائط وتبقى صورة ظلية لها مثل مخطط مسرح الجريمة، وفي مشهد البطيخة العملاقة، التي قفز الابن الأكبر ثونك، يؤدي دوره كلارك دوك، فوقها قفزة طويلة.
إغواء ثم طرد
في حين عاشت عائلة كرودز في أرض مقفرة من الصخور والأوساخ والوحوش الخطرة، يواجهون طوال الفيلم كائنات هجينة من الحيوانات الموجودة، مثل عناكب مستذئبة وفقمة الدجاج، أو الحيوانات المفترسة المخيفة، مثل القرش البري، قامت عائلة بيترمان بزراعة حديقة داي جلو المذهلة. تستضيفهم العائلة في البداية بشكل ودي، حتى يتضح أنهم يريدون سرا إغواء جاي للزواج من ابنتهم دون، تؤدي دورها كيلي ماري تران، ثم طرد عائلة كرودز من حديقتهم. ولقد بدا هدفهم واضحا خاصة عندما قالت هوب بيترمان، تؤدي دورها ليزلي مان، لزوجها فيل، يؤدي دوره بيتر دينكلاج، الذي لديه قاعدة غريبة بشأن عدم لمس الموز، "نحن في حاجة إلى مساعدتهم على فهم أن لديهم مستقبلا مشرقا خارج هذه الجدران"، والمقصود من هذا أن هذه الجنة قد تكون تحت سيطرة نوع من وحوش كينج كونج.
مميزات الجزء الثاني
السؤال الذي يطرح نفسه بعد مشاهدة "ذا كرودز: عصر جديد"، ما الذي يميز بعض سلاسل الرسوم المتحركة التي تلهم المبدعين لكتابة مغامرة جديدة بعيدا عما فعلوه في الأجزاء السابقة؟ إن متابعة قصة "عائلة كرودز" والجنون الذي رأيناه في الجزء الثاني من الفيلم تجعلنا نستحضر فيلم "كلاودي وذ أ تشانس أوف ميتبولز" الجزء الثاني، الذي تحول فيه الطعام إلى كائنات حية، وفي بعض الأحيان، ينجح اللعب عكس التوقعات، فبدلا من أن تكره "إيب" و"دون" بعضهما بعضا ويشعرا بالمنافسة، انسجما معا وانطلقا في مغامرة. وبمجرد أن يصل الفيلم إلى ذروته في ثلثه الأخير، يتم أسر الرجال، وتقديمهم إلى الوحش، بينما تتولى النساء مهمة الإنقاذ.
إرساء القواعد ثم اشتقاق القصص
غالبا ما تبدأ سلاسل الأفلام بإرساء القواعد الأساسية ثم اشتقاق القصص، لكن في حالة "ذا كرودز"، فإن الفيلم لا يتناول القواعد الأساسية بشكل محوري، الأمر الذي سمح لصانعيه بإدخالها بسلاسة أثناء سير الأحداث، ويستخدم الفريق في كتابته غالبا أسلوبا كوميديا يعتمد على توجيه توقعات الجمهور في اتجاه واحد، ثم سحب البساط من تحتها، على سبيل المثال: خدعة كينج كونج، حيث انقلب المشهد من مخيف إلى مضحك، حين ظهر قرد صغير لطيف بدلا من غوريلا ضخمة.
على الرغم من كل طاقته وحركته، يلخص الفيلم رسالته بتمسك العائلة ببعضها بعضا، بعيدا عن أن الفيلم يتناول عصر ما قبل التاريخ، إلا أننا قد نجد فيه محاكاة ساخرة للانقسام الثقافي الذي يجتاح أمريكا في عام 2020، حيث يسبب الانقسام السياسي تمزقا للبلاد بين "عائلة كرودز" و"عائلة بيترمان" المتطورة والمعتزة بنفسها لكنها "منافقة"، وفي الختام لا يسعنا الا أن نستذكر مقولة "العائلة أولا".
وكانت "دريموركس أنيميشن" حاولت سد فجوة سبعة الأعوام من الانقطاع، بإصدار عام 2015 مسلسل كرتوني عرض على "نتفليكس" تحت عنوان Dawn of the croods مؤلف من أربعة مواسم، الموسم الأول عرض عام 2015، في حين عرض الموسم الثاني عام 2016، والثالث منتصف عام 2017 والرابع أواخر عام 2017، وعلى الرغم من أن المسلسل استخدم ممثلين صوتيين موهوبين لشخصياته، إلا أن كيج وستون أكثر إبداعا.
يذكر أن الفيلم حافظ على صدارة إيرادات السينما في أمريكا الشمالية بعد نحو شهرين من عرضه، محققا إيرادات بلغت 1.7 مليون دولار من 1913 دار عرض.