العقل الأسطوري والعقل العملي

أرسل لي الأخ أبو رتيمة من غزة قصصا تقول؛ إن هناك شهيدا مازال أثر دمه على كرتونة وقماش، تنبعث منها رائحة عطر لاكوست وفهرنهايت قوية بعد مرور شهر على الإصابة، وآخر زعم فقال إن الجنود اليهود رووا عن وقائع تقول بخروج أشباح بيض ملثمين يقاتلونهم بأجنحة مثل الحمام الأبيض؟ وروى ثالث عن خروج شبح أبيض من هذا النوع فحثا التراب في وجه صهيوني فأصيب بالعمى؟
ومن اللافت للنظر أن اليهود من الطرف المقابل ذكروا أن زوجة إسحاق بن يعقوب خرجت عليهم من المقبرة وأرشدتهم كيف يقتلوا الفلسطينيين كما فعل شمشون الذي كان يقاتل بفك حمار فقتل من الكنعانيين ثلاثة آلاف في يوم واحد؟؟ روى هذا بعض الحاخامات وأقسموا بالتوراة والزبور أنهم لمحوا زوجة إسحاق تخرج من المقبرة ثم ترجع إليها.
ومما أتذكر من قصص مجاهدي أفغانستان أن المقاتل كان يوجه البندقية فيأتي الملاك فيوجه سبطانة البارودة فينال مقتلا من الجندي الروسي، وأن كثيرا من دبابات الروس احترقت بنيران عجيبة كانت تخرج من بطن الأرض فكان الجنود الروس يهربون منها مذعورين يزعقون لرؤيتهم أشباحا تهجم عليهم.
ويومها خرج العزام ـ رحمة الله ـ عليه بكتاب في الخوارق عن كرامات المجاهدين الأفغان، التي حدثت في هذه الحرب المقدسة (عفوا الأمريكية)، وأن الحمام كان يطير ويحمل البشرى للمجاهدين، حتى خرج الروس فاقتتل المجاهدون فيما بين بعضهم بعضا حتى نسفوا المسعودي بكاميرا خفية، ودمرت كابول على أيدي المجاهدين من القتلة المحترفين، ما هو أكبر من تدمير الروس بمرات، وتبخرت الملائكة المزعومة من سماء أفغانستان فجأة.
وفي يوم كنت أعبر الحدود الأردنية فقفز إلى داخل سيارتي اثنان من مخابرات النشامة وطلبوا حملهم إلى بلدتهم على بعد 350 كيلومترا، إن لم يكن عندي مانع وأنهم لن يفتشوا أغراض سيارتي؟ وفي الطريق أقسموا أنهم يسمعون أذان الصحابة وحمحمة الخيل عندما يمرون بجنب مكان غزوة مؤتة. ولم يكن لي إلا أن أوافقهم في الحديث، فهم (النشامة) من رجال المخابرات عندهم أخبار الإنس والجان والأحياء والأموات؟؟
والأسطورة جميلة لا تحتاج لأكثر من خيال جامح مجنح، فيخيل إليه أن الأفاعي لها لحى طويلة، والأموات ينهضون، والسكارى يصلون...
وفي كل مرة مع الكوارث يظهر العقل الأسطوري كحل تعويضي لكارثة يصعب للعقل أن يستوعبها..
هذا هو الشأن مع العقل الأسطوري أما العلمي الواقعي فحساباته مختلفة، ولذا فإن الفيزيائي والفيلسوف فيرنر هايزنبيرج Werner Heisenberg حين سافر إلى أمريكا في آب (أغسطس) 1939م قبل الحرب الكونية بشهر، سأله أنريكو فيرمي الإيطالي مخترع أول مفاعل نووي: هل ستقع الحرب؟ ومن سيربح؟ كان جواب العالم الألماني أنها قادمة لا ريب فيها مثل أمطار كانون، وأن هتلر سيخسر لأن الحرب تكنولوجيا.
والعرب ومعهم الفلسطينيون يجب أن (يصحصحوا) كما قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق؟ فالحرب جريمة وإفلاس أخلاقي وجنون كائنا من كان خائضها، وأن من يبدأ الحرب لا يعرف نهايتها؟ كما حصل مع العصملية وآل هابسبورج وآل رومانوف والقيصر غليوم الألماني ذي الشوارب المفتولة في الحرب العالمية الأولى ؟ دخلوها بحماس أشد من حماسة حماس وليفني وأولمرت، وخرجوا منها خرابا يبابا، قد مسحت دولهم، وهدت عروشهم، وأصبحوا مع عيالهم في المنافي والفيافي والمقابر..
وإذا كان من أسطورة في الربح والخسارة فهي الحرب، لأن الكل فيها خاسر.
"وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين"..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي