أسعار الفائدة المنخفضة فخ وليست طوق نجاة

أسعار الفائدة المنخفضة فخ وليست طوق نجاة
جو بايدن "جيتي"

وصل الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض بخطط رائعة للحصول على 1.9 تريليون دولار من الحوافز الجديدة، مدعوما بإجماع قوي من النخبة الأمريكية يرى أن العجز ليس مهما.
التحذيرات من أن ارتفاع العجز سيشعل التضخم من جديد ويقوض الدولار ثبت، على مر العقود، أنها خاطئة. وجهة النظر الجديدة التي عبرت عنها شخصيات بارزة من صندوق النقد الدولي والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام، هي أنه مع موت التضخم منذ فترة طويلة وانخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية سيكون من غير الحكمة، بل من عدم المسؤولية، أن لا يتم الاقتراض لتعزيز الاقتصاد. المبالغ – سواء مليارات أو تريليونات - بالكاد تهم، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة التي لا تزال تمتلك أكثر العملات المرغوبة في العالم.
التقط بايدن وجهة نظر النخبة هذه تماما عندما قال، في إعلانه عن خطته للإنفاق: "مع انخفاض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها التاريخية، لا يمكننا تحمل التقاعس عن العمل".
تتغاضى وجهة النظر هذه عن الآثار المدمرة التي أحدثها بالفعل ارتفاع العجز والديون في الاقتصاد العالمي. هذه الآثار، على عكس التضخم الهائل أو زوال الدولار، ليست تحذيرات تكهنية بأزمة مستقبلية. هناك أدلة متزايدة من بنك التسويات الدولية، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، و"وول ستريت" على أن أربعة عقود متتالية من التدخل الحكومي المتزايد في الاقتصاد أدت إلى تباطؤ نمو الإنتاجية – وتقليص الكعكة الإجمالية - وزيادة عدم المساواة في الثروة.
لا يشكك هذا المقال في استخدام التحفيز أثناء الأزمات، لكن المشكلات تنبع من الأثر التراكمي للحافز المستمر. هذا يشير بقوة إلى أن الحجم المتزايد لكل حقنة مالية جديدة مهم أيضا. الناخبون العاديون مرتبكون بشكل مبرر بسبب الادعاء بأن الحكومات يمكنها الاقتراض دون قيود أو أي عواقب.
استنادا إلى حسابتنا، في العام الماضي خصصت الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى مبلغا متوسطا يساوي 33 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي للتحفيز، محطمة بذلك علامة 10 في المائة المسجلة في 2008. هذه الأرقام لا تشمل خطة بايدن التي ستجعل إجمالي الحوافز المالية الأمريكية لمكافحة الوباء أكثر من خمسة تريليونات دولار، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا أو اليابان. هذا كثير على الاقتصاد لاستيعابه في أقل من عام ـ ويخطط بايدن لاقتراح إنفاق ثان أكثر طموحا الشهر المقبل.
تجادل الإدارة الجديدة بأن أسعار الفائدة المنخفضة تحرر الحكومات كي تقترض وتنفق مبالغ غير محدودة في المستقبل المنظور. لكن هذا الادعاء يعيد القصة إلى الوراء. بدلا من طريق إلى الحرية، تعد أسعار الفائدة المنخفضة فخا. فهي تشجع على المزيد من الاقتراض والديون المتزايدة، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وإبطاء النمو. وهذا يجعل الاقتصاد هشا من الناحية المالية، وبالتالي يجبر البنوك المركزية على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة. مع مستويات الديون المرتفعة جدا اليوم، زيادة صغيرة فقط في أسعار الفائدة من شأنها أن تجعل عبء الدين غير مستدام.
فخ الديون هذا، على الرغم من نفي النخبة، يمثل مشكلة حقيقية. يبلغ متوسط الدين العام في الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى نحو 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 20 في المائة في 1970، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي. خلال وجود نظام بريتون وودز في الفترة من 1945 إلى أوائل السبعينيات، كان لدى عديد من الدول المتقدمة فوائض ثابتة في الميزانية. ومنذ ذلك الحين عانت عجزا مستمرا في السراء والضراء.
تذهب الأموال التي تطبعها البنوك المركزية على نحو متزايد لتمويل ديون الحكومة. يرى كثير من النخب أن هذا الأمر جيد، طلما أنه لم يحيي تضخم أسعار المستهلكين. على الرغم من أن الحكومات يمكنها طباعة الأموال التي تريدها، إلا أنها لا تستطيع أن تملي إلى أين تذهب، وقد أدى الكثير منها إلى تأجيج نوع مختلف من التضخم - تضخم أسعار الأصول. منذ السبعينيات انفجر حجم الأسواق المالية ـ من حجم الاقتصاد العالمي نفسه ـ لتصبح أربعة أضعاف حجمها في ذلك الوقت. يذهب معظم هذه المكاسب إلى الأثرياء، المالكين الرئيسين للأصول المالية.
مع اكتساب عصر التحفيز المستمر زخما، ارتفع متوسط الثروة في العقود الثلاثة الماضية نحو 300 في المائة للأسر الأمريكية في أعلى 1 في المائة، و200 في المائة بالنسبة للـ9 في المائة التالية، و100 في المائة للـ40 في المائة التي بعدها، وصفر في المائة لأدنى 50 في المائة. وتمتلك واحدة من بين كل عشر أسر في الـ50 في المائة الأدنى ثروة سلبية (يدينون بأكثر مما يملكون).
عندما يعد أولئك الموجودون في الجناح اليساري، مثل السناتور بيرني ساندرز، بمزيد من الحوافز، فإنهم لا يربطون بين التحفيز وتفاوت الثروة المتزايد. لكن تجار وول ستريت يفعلون ذلك. إنهم يرفعون أسعار الأصول عندما يدعو ساندرز إلى مزيد من الإنفاق، أو حين يعد رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جاي باول، بالدعم النقدي المستمر. يرون في هذه الوعود مزيدا من المال في جيوبهم.
لكن الدراسات الحديثة تظهر أن الأموال الحكومية السهلة انتهى بها الأمر إلى دعم الشركات الأقل إنتاجية، بما في ذلك شركات "الزومبي" المثقلة بالديون التي قد تفشل لولا ذلك. كذلك يفضل الدعم أيضا الاحتكارات التي توسعت ليس بسبب ابتكاراتها ولكن عن طريق الضغط على الحكومات من أجل مصالحها والقضاء على المنافسين الأصغر. حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في دراسة أجريت في 2017، تربط انخفاض الإنتاجية بالمال السهل، من أن هذه الاتجاهات ستجعل من الصعب على المجتمعات الوفاء بوعودها للأجيال الحالية والمستقبلية.
أظهر بحث أجراه بانك أوف أمريكا أخيرا أن الدول التي لديها حكومات ذات إنفاق كبير تميل إلى أن تعاني نموا أبطأ في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وبالمثل، وجدت "نيد ديفز ريسيرش" أنه منذ 1947، يرتبط إنفاق الحكومة الأمريكية فوق 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بفترات نمو اقتصادي أبطأ. وحذرت من أن هذه الحصة ارتفعت إلى أكثر من 34 في المائة خلال الوباء. وجد فريقي أيضا علاقة ذات دلالة إحصائية بين فترات ارتفاع الدين الحكومي وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي. لا يمكن لهذه الدراسات أن تظهر العلاقة السببية، لكن من غير المرجح أن تكون الصلة الثابتة بين العجز المتزايد وضعف النمو مصادفة.
حتى أولئك الذين يدافعون عن اقتراض جديد غير محدود يتفقون على أنه من الأفضل استثمار الأموال في الطرق والطاقة الخضراء والمشاريع الأخرى التي من شأنها تعزيز الإنتاجية والنمو المستقبلي. مع ذلك، وبارتياح من الإيمان بأن العجز لا يهم، يدعم أنصار بايدن خطة مليئة بالتحويلات النقدية، بما في ذلك شيك بقيمة 1400 دولار لمعظم الأمريكيين.
مثل كثيرين الذين ينتمون الى حزب عدم القلق، يقول بايدن إن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التحفيز للحد من الأضرار الناجمة عن فقدان الوظائف والإفلاس. كان هناك سبب لذلك بينما كان الاقتصاد في حالة تدهور، لكن مع ظهور اللقاحات وعودة الحياة الطبيعية من المرجح أن يؤدي حقن المزيد من التحفيز في المريض الذي يتعافى إلى إلحاق ضرر أكبر من نفعه.
الشخص العادي يفهم أنه لا يوجد غداء مجاني. لا يمكن أن يكون الطريق إلى الازدهار سهلا بحيث يقتصر على الطباعة والإنفاق فقط. إذا اعتمد على أسعار فائدة منخفضة لتمويل المزيد من الزيادات الهائلة في الإنفاق الحكومي، فسيضاعف بايدن السياسات التي ضاعفت المشكلات التي يهدف إلى إصلاحها: ضعف النمو، وعدم الاستقرار المالي، وتزايد عدم المساواة. عقود من التحفيز المستمر تركت الرأسمالية أضعف وأقل ديناميكية وأقل عدالة، ما أدى إلى تأجيج الشعبوية الغاضبة. العجز مهم نظرا للضرر الذي يسببه بالفعل.

كبير الاستراتيجيين العالميين في مورجان ستانلي لإدارة الاستثمار، ومؤلف كتاب "القواعد العشر للأمم الناجحة"

الأكثر قراءة