الاتحاد الأوروبي .. أموال سهلة مصحوبة بسياسات صارمة

الاتحاد الأوروبي .. أموال سهلة مصحوبة بسياسات صارمة

الاتحاد الأوروبي .. أموال سهلة مصحوبة بسياسات صارمة
الواقع أن الجهد الذي يجري تنفيذه الآن يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح.
الاتحاد الأوروبي .. أموال سهلة مصحوبة بسياسات صارمة
في غياب قوة "لا" سيناضل الاتحاد الأوروبي لإحداث الفارق.

في تموز (يوليو)، أعلن الاتحاد الأوروبي صندوق التعافي الجديد بقيمة 750 مليار يورو "918 مليار دولار"، الذي أطلق عليه اسم "جيل الاتحاد الأوروبي التالي"، وعُدَّ هذا الإعلان على نطاق واسع "وعن حق" تطورا ثوريا. فلم يسبق أن اقترض الاتحاد الأوروبي لتمويل تحويلات وقروض رخيصة لمساعدة الدول الأعضاء على التعافي من صدمة اقتصادية كبرى. ومن خلال كسر محظورات قديمة، ربما تمهد هذه المبادرة الطريق لإنشاء اتحاد مالي، وفقا لقراءة جان بيساني فيري، زميل أول في مركز الأبحاث Bruegel ومقره بروكسل.
لكن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع تحقيق أهدافه ما لم تكن الأموال السهلة مصحوبة بمعايير صارمة. الأموال المتساقطة من السماء قد تكون نعمة أو نقمة، إذا أنفقت كما ينبغي، فقد تنهي الجمود السياسي وتطلق العنان للانتعاش الاقتصادي، لكن إذا جرى توزيعها بشكل عشوائي، فإنها تشجع على استيلاء الدولة وسياسات إنفاق المحسوبية. يجب أن تدعم صناديق التعافي قيم الاتحاد الأوروبي وأن تخدم أهدافا محددة بوضوح.
في سبيل عدم تقويض طموحه الجدير بالثناء، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكون قادرا على أن يقول "لا" للدول الأعضاء، سواء عندما يدوس حكام مستبدون منتخبون صراحة على المبادئ الأوروبية في حين يستخدمون أموال الاتحاد الأوروبي لتشديد قبضتهم على السلطة، أو عندما تفشل برامج الإنفاق المقترحة من قِبَل الحكومات في اجتياز اختبار الفعالية. لكن مع الأسف، يبدو أن هذا من غير المرجح أن يحدث.
لنبدأ هنا بالجدال الدائر حول شرط سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي. وفقا للمادة الثانية من معاهدته، تأسس الاتحاد الأوروبي على "الكرامة الإنسانية، والحرية، والديمقراطية، والمساواة، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات". من المؤسف أن الاتحاد يفتقر إلى السبل القانونية اللازمة لمعاقبة الدول الأعضاء التي تحتقر هذه القيم. بموجب المادة السابعة، يجوز تعليق حقوق التصويت للدولة التي تنتهك هذه المبادئ، لكن هذا يتطلب الإجماع من جانب كل الدول الأعضاء الأخرى. وبالتالي، كان التحالف بين المجر وبولندا - وكل منهما انتهكت معايير الاتحاد الأوروبي - قادرا على عرقلة هذه الآلية.
في مستهل الأمر، بدا أن صندوق التعافي يعمل كقناة لدعم احترام سيادة القانون "وهو ما يعني - وفقا للاتحاد الأوروبي - أن "جميع السلطات العامة تتصرف ضمن القيود التي ينص عليها القانون، بما يتفق مع قيم الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتحت سيطرة محاكم مستقلة ومحايدة". في تموز (يوليو) أكد قادة الاتحاد الأوروبي "أهمية احترام سيادة القانون" واتفقوا على "نظام المشروطية" في إدارة صناديق التعافي. لكن التفاصيل ظلت غير محددة.
وقد ترتب على ذلك نشوب معركة شرسة. فقد كافح البرلمان الأوروبي بقوة لتعزيز يد الاتحاد الأوروبي، وحاربت بولندا والمجر بقوة لإضعافها، في حين كانت دول الشمال "المقتصدة" حريصة على استعراض يقظتها ضد الإنفاق المسرف. تقضي التسوية النهائية، التي تم الاتفاق عليها في كانون الأول (ديسمبر) بتطبيق المشروطية، لكن فقط في حالة وجود علاقة سببية مباشرة بين انتهاكات سيادة القانون والعواقب السلبية التي تهدد مصالح الاتحاد الأوروبي المالية. حتى في هذه الحال، هناك عديد من العقبات التي تحول دون فرض العقوبة.
النتيجة هي أن أي زعيم استبدادي لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي سيظل قادرا على عزل القضاة، وإسكات الصحافة، وسجن المعارضين، واضطهاد وقمع الأقليات، ما دام لا يؤدي هذا إلى تعريض المصالح المالية للكتلة للخطر بشكل مباشر. لن يعاقب الاتحاد الحكام المستبدين الشرفاء، بل الفاسدين فقط. ربما كانت هذه النتيجة متوقعة، لأن صندوق التعافي تطَلَّب الدعم بالإجماع، لكنها نتيجة محبطة ومخيبة للآمال حقا.
تتعلق المسألة الثانية بالفاعلية. لكي تفضي أموال الاتحاد الأوروبي إلى إحداث أكثر من مجرد دفعة اقتصادية قصيرة الأمد، يجب أن تقترن بتدابير سياسية محلية لتعظيم أثرها. فالمبادرات الخضراء، على سبيل المثال، تصبح بلا معنى إذا استمرت الحكومات في تقديم إعانات دعم الوقود الأحفوري، ولا تشكل الاستثمارات الرقمية أهمية تذكر بدون التعليم لتحسين المعرفة والمهارات الرقمية.
الواقع أن المخاطر عظيمة. إذا جرى دعم أموال الاتحاد الأوروبي بإصلاحات مختارة بعناية، فمن الممكن أن تساعد على منع اتساع فجوة التفاوت في الدخل بين شمال أوروبا وجنوبها، والتعجيل بعملية لحاق أوروبا الشرقية بالركب، أما إذا أنفقت ببساطة لإرضاء الناخبين المحليين، فإن تأثيرها الأكثر ديمومة سيكون تأجيج غضب أوروبا الشمالية.
إدراكا منها لهذا التحدي، تعتزم المفوضية الأوروبية إنشاء حزم للاستثمار والإصلاح. لكن المشكلة تكمن في أن المنح والقروض المشروطة تستحضر برامج "الترويكا" المهينة التي جرى تنفيذها قبل عشرة أعوام في اليونان ودول أخرى في جنوب أوروبا. ولن يتسامح أي رئيس حكومة مع تعريض نفسه لشبهة الانصياع لإملاءات بيروقراطيين مجهولين في بروكسل.
في إيطاليا على وجه الخصوص، أصبحت القضية أشبه بديناميت سياسي: فأي اشتباه في أن جوزيبي كونتي رئيس الوزراء يتصرف بناء على تعليمات من الاتحاد الأوروبي سيستغل على الفور من جانب خصمه اليميني المتطرف ماتيو سالفيني. لهذا السبب، كان من الصعب للغاية إتمام المناقشات الأولية حول حزمة التعافي، فقد رفض كونتي بشكل مفهوم أي شيء كان من شأنه أن يجعله يبدو أشبه بتابع خانع للاتحاد الأوروبي.
لكن هناك مخرجا من هذه المعضلة، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفرض سياسات من اختياره، بل يجب أن تكون المنح خاضعة لشرط تعاقدي يقضي بتخصيص الأموال لخدمة أهداف معينة، مع تحقق الاتحاد الأوروبي من توافر الشروط الضرورية لتحقيق هذه الأهداف، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يمارس الكبح والتقييد في حين يحتفظ بسلطة رفض أي خطة للاستثمار والإصلاح يرى أنها من غير المرجح أن تحقق الأهداف المتفق عليها.
الواقع أن الجهد الذي يجري تنفيذه الآن يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه يجازف بالانتهاء إلى كونه ممارسة بيروقراطية لسد الخانات مع تأثير ضئيل في السياسات الفعلية، إذا تبين أن الإجراءات تحظى بالأسبقية على الجوهر، فسيكون من الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يعترض على أي خطة. الواقع أن الدول الأعضاء لن تجد سوى قلة من الحوافز لحملها على تغيير مسار العمل المفضل لديها، لأن الأموال التي ستحصل عليها لا تعتمد على سلوكها. وبشرط تسديد الخانات، لن تحصل الدول ذات الأداء الممتاز على قرش واحد أكثر، ولن يحصل المتخلفون على قرش أقل.
الحق أن الاتحاد الأوروبي يصبح قويا عندما يستطيع أن يقول "لا"، كما فعل مع سياسة المنافسة. في غياب هذه القوة، سيناضل الاتحاد الأوروبي لإحداث الفارق. الدرس الذي يجب أن تستوعبه أورسولا فون دير لايين رئيسة المفوضية بسيط، في غياب الأدوات الفعالة لدعم أجندتها، لا بد من أن تكون قادرة على التصريح بالحقيقة للدول الأعضاء، وإطلاق مواجهات سياسية إذا لزم الأمر، وهو مسار ربما يكون محفوفا بالمخاطر، لكنه أفضل من الخروج من دائرة الأهمية والجدوى.

الأكثر قراءة