70 مليار دولار قدمتها المملكة قروضا لصناديق تنموية في العقود الثلاثة الماضية

70 مليار دولار قدمتها المملكة قروضا لصناديق تنموية في العقود الثلاثة الماضية

سليمان جاسر الحربش الذي أمضى في صناعة النفط في المملكة أكثر من 30 عاماً من مواليد محافظة الرس، حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من أمريكا عام 1974، يعمل حاليا مديراً عاماً لصندوق "أوبك" للتنمية الدولية الذي يتخذ من فيينا عاصمة النمسا مقراً له، وتولى منصب محافظ المملكة في منظمة "أوبك" لمدة 14 عاماً. شارك في العديد من المؤتمرات، أهمها مؤتمرات "أوبك" منذ عام 1974، مثّل المملكة في العديد من المؤتمرات واللجان النفطية والمحافل الدولية.
أبو زهير (كما يناديه أصدقاؤه) تولى رئاسة مجالس العديد من الشركات، مثل: مجلس إدارة شركة الحفر العربية، ومجلس إدارة شركة تكساكو العربية السعودية، ومجلس إدارة الشركة الوطنية للنقل البحري، عضو مجلس إدارة الشركة العربية البحرية لنقل البترول، عضو مجلس إدارة شركة مصفاة جدة، عضو مجلس إدارة المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، عضو مجلس إدارة الشركة السعودية للمعادن النفيسة، عضو لجنة الغاز المعنية بمتابعة تنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، المعروفة بمبادرة الغاز، وعضو لجنة الدراسة في شركة أرامكو.
شخصية لها تاريخها ووزنها في الإدارة، وله نمطه في التفكير والعمل، كما له شخصيته الدمثة في مقابلتك له ويظهر ذلك جليا عندما يفتح لك باب بيته، يستقبلك ليكون أكثر أريحية لكنه مع ذلك هو معني جدا بالترتيب والإعداد المسبق لإجاباته والدقة في مصادر المعلومة والبحث عن كل ما هو جديد. كان الجو الذي طغى على الحوار أخويا حميما. "الاقتصادية" رحبت به وسألته أولا:

ما المهمة التي جعلتكم تتركون مقر عملكم وتأتون إلى هنا؟ وهل لذلك علاقة بعملكم السابق أم اللاحق؟
قال أنا موجود في مدينة الرياض بدعوة من المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية، لحضور افتتاح مبنى الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الذي تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، برعايته شخصياً، وقد كان لي شرف المساهمة في إعداد وتأسيس هذا المنتدى خلال عملي في وزارة البترول، وقبل ذلك شاركت في الحوار الذي عُقد عام 1975 بين المنتجين والمستهلكين وانتهى عام 1977، والذي جاء مباشرة بعد انعقاد أول قمة تعقدها دول "أوبك" في مدينة الجزائر مطلع عام 1975، ثم استؤنف الحوار بين المنتجين والمستهلكين عام 1991 في فرنسا وعقدت عدة اجتماعات بعد ذلك إلى أن انعقد في المملكة عام 2000، حين اقترح خادم الحرمين الملك عبد الله، إنشاء أمانة عامة دائمة عندما كان وليا للعهد، وتم إنشاء الأمانة العامة، حيث تمثل دوري مع صفوة من الزملاء في وزارة البترول في الإعداد واستكمال الأمانة بالشكل الذي ظهرت فيه خلال افتتاحها. وما حدث من تدشين هو الإطار، أما المضمون فهو أن للمملكة دورا كبيرا في تشكيله بصفتها أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط في العالم. والحقيقة أن المملكة تتبع سياسة عقلانية وحكيمة في الاستجابة لمتطلبات العرض والطلب، كما أن المملكة تستثمر في بناء الطاقة الإنتاجية وتكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تستثمر في بناء طاقة إنتاجية فائضة، أي أنها لا تستعمل إلا عند اللزوم. ولتصوير مدى التضحيات التي تقوم بها المملكة، فإنك تحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف دولار لبناء برميل واحد من الطاقة الإنتاجية في اليوم، وهذا المثل مستمد من تجربة مشروع طاقته الإنتاجية نصف مليون برميل في اليوم، هذا الاستثمار يظل عاطلا إلى أن تأتي الفرصة لإنتاجه عندما تكون هناك أزمة أو شح في السوق النفطية، فتبادر الدولة التي لديها الطاقة الفائضة وهي المملكة بالإنتاج وإضفاء الاستقرار على السوق النفطية. لو أن رئيس شركة نفطية في العالم الصناعي أنفق هذا المبلغ لبناء طاقة معطلة لفقد وظيفته في اليوم التالي. هذا الدور القيادي والإيجابي معروف للمملكة وهو دور بدأ منذ إنشاء "أوبك" التي كان للمملكة دور قيادي في إنشائها. نأتي للحوار بين المنتجين والمستهلكين ونقول إنه ضرورة ملحة خصوصا أننا نشهد هذه المرة أن أسباب الضغط على السوق وأسباب ارتفاع أسعار النفط في هذه الأيام مردها الدول الصناعية والدول المستهلكة وليس مصدرها شحا في الطاقة الإنتاجية لدى المصدرين، حيث إن الدول المنتجة تقوم بدورها في بناء الطاقة الإنتاجية ومنافذ التصدير وتصديره إلى أي مكان في العالم، إنما الأسباب التي تضغط على النفط في هذه الأيام تأتي من الدول المستهلكة، كيف؟ هناك سببان رئيسيان أحدهما هو الضغط الموجود على صناعة التكرير، حيث إنه من عام 1976 لم تبن مصفاة جديدة في أمريكا. وإذا عرفنا أنه كان في عام 1976 ما لا يقل عن 350 مصفاة في الولايات المتحدة ثم انحسرت لأسباب بيئية وتجارية إلى ما لا يتعدى 150 مصفاة أي بنسبة 57 في المائة، ولحسن الحظ فإن طاقة التكرير لم تنخفض بهذه النسبة وإلا حدثت كارثة في السوق. الاختناقات في صناعة التكرير تؤثر في أسعار الزيت الخام من نواح متعددة، منها أن المصافي الموجودة لا تستطيع التعامل بمرونة مع أنواع الزيوت التي تمثل العرض الإضافي بسبب احتواء تلك الزيوت على نسبة عالية من الكبريت، أضف إلى ذلك ما يعرف بالتوقعات أو العوامل النفسية عند المتعاملين وهو سبب رئيسي يؤثر في أسعار أي سلعة.
هناك سبب آخر فعندما يقال إن الأسعار ترتفع بسبب وجود الطلب عليها والطلب مستمد من النمو الاقتصادي، والنمو الاقتصادي من أهم أسبابه رخص الائتمان حيث إن سعر الفائدة في أمريكا انخفض بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، وهذا يجعل الاقتراض مسألة سهلة ويزيد المقدرة عند المشترين فيزيد الطلب وعندما يزيد النمو بسبب رخص النقود فمرده للدول المستهلكة وليس من الدول المنتجة. إذا كانت الصورة بهذا الشكل فنحن أحوج دائما إلى الحوار، وهذه هي النقطة التي نريد الوصول إليها. والمملكة تولي أهمية كبيرة للأمانة التي افتتح مقرها الملك عبد الله أخيرا في الرياض، وذلك بهدف تطويرها وجعلها بوتقة تجمع المنتجين والمستهلكين بين آن وآخر لأن المؤتمر الوزاري ينعقد كل سنتين، فالفكرة هي بناء جسر بين المؤتمرات، لكي يستمر التحاور والوصول إلى نتائج من شأنها تسهيل عملية السوق. المستهلكون هاجسهم الأساسي أمن الإمدادات ونحن في الدول المصدرة يهمنا تأمين الطلب على زيوتنا وهذا يكفي لشرح حتمية الحوار كخيار وحيد بدلاً من أي أسلوب آخر.
وأما عن صندوق "أوبك" فإني أشرت في البداية إلى أنه في عام 1975 عقدت "أوبك" أول قمة لها في الجزائر ومثل المملكة الملك فهد، رحمه الله، وفيه ولدت فكرة صندوق "أوبك"، وبعدها بدأنا في الحوار بين المنتجين والمستهلكين وكان للمملكة دور قيادي فيه، وفي مطلع عام 1976 اجتمع وزراء المالية من الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" وأنشأوا الصندوق، ونظر إليه في البداية على أنه مرفق مؤقت لإعطاء بعض المعونات للدول الفقيرة، وفي عام 1980 قررت الدول الأعضاء تحويل هذا المرفق إلى مؤسسة تمويلية إنمائية دائمة، فهو الآن منظمة دولية معترف بها لديه اتفاقية مع دولة المقر، كما هو في أي منظمة مقيمة في فيينا مثل "أوبك" و"يونيدو" و"الطاقة الذرية".. إلخ.
على أننا سنعقد في العام المقبل المؤتمر الوزاري في المملكة وسيكون مناسبة للاحتفال بمرور 30 سنة على إنشائه، وصندوق "أوبك" في الحقيقة لم ينشأ بسبب ارتفاع الأسعار كما يسود الفهم الخاطئ أحياناً وإنما أنشئ لتقديم العون من الدول المصدرة للنفط في المنظمة لإخوانهم وأصدقائهم في الدول النامية، وأنا أدلل على ذلك أنه عندما انخفضت الأسعار خلال عامي 97 و98 إلى أقل من عشرة دولارات لم يلغ الصندوق ولم تجمد أعماله وهو مستمر. الدليل الثاني أن النسبة الكبرى من موارد الصندوق ونشاطه تذهب إلى الدول الفقيرة مع العلم أن الاستهلاك النفطي لهذه الدول لا يعتد به، ولذلك لا تشكل أسعار النفط عاملاً ضاغطاً على اقتصاداتها بالشكل الذي يتصوره البعض. صندوق "أوبك" أنشئ بمبادرة من الدول النفطية للدول النامية وهو جزء من تعاون الجنوب مع الجنوب، كما أنه مكمل للصندوق السعودي للتنمية والصندوق الكويتي للتنمية وصندوق أبو ظبي والصندوق العربي وصندوق التنمية الإسلامي والصندوق العربي الإفريقي وصندوق النقد العربي، وهناك صناديق مرتبطة به مثل صندوق حكومة فنزويلا، وهذه الصناديق جميعها تمويلية إنمائية تمد يد العون للدول الفقيرة.

هل يمكن اعتبار الصندوق مؤسسة ربحية أم خيرية؟
الصندوق ليس مؤسسة خيرية ولا مؤسسة تجارية فهو مؤسسة تنموية ويقع تصنيفه بين المؤسستين، حيث يقدم نشاطه عن طريق ثلاثة أشكال أولها التسهيلات التي تمنح للقطاع العام الذي يستأثر بالنشاط الأكبر من أعمال الصندوق، وهو يصرف للبنى التحتية والأساسية مثل بناء المستشفيات والمدارس والطرق والسدود والمشاريع الكهربائية والصحية، وهي تقدم بقروض ميسرة مدتها 20 سنة وخمس سنوات فترة سماح.
ثانيا، قروض القطاع الخاص الميسرة، أما الشكل الثالث فهو المنح التي تقدم لمكافحة مرض الإيدز وتقدم لمساعدة الأسر المتضررة من الاحتلال في فلسطين، حيث بلغت منح الصندوق للشعب الفلسطيني ما يزيد على 150 منحة تتم كلها عن طريق المنظمات الدولية المعترف بها، وهناك منح
تقدم تحت اسم المعونة الفنية وكذلك حساب الكوارث الطبيعية الذي قرر المجلس الوزاري أخيرا تأسيسه بعد أن أصبحت هذه الكوارث حدثاً متكرراً للأسف، وهذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن لنشاط الصندوق أن يشمل الدول الأعضاء. ولو عدنا لقروض القطاع العام فهي تقدم بشروط ميسرة جدا، إضافة إلى أنها تتضمن ما نسبته 35 إلى 40 في المائة من قيمة القرض الميسر كمنحة للدول الفقيرة، وهي الفرق بين تكاليف قرض الصندوق والسعر التجاري السائد في السوق.
نحن في صندوق "أوبك" نذهب إلى جميع أنحاء العالم، وعند تعريف الصندوق فإننا نقول إن الصندوق ليس لديه أي أيديولوجية، حيث لا يذهب لهذه الدولة أو تلك لسبب سياسي أو ديني وإنما نذهب لأسباب تنموية أو إنسانية بحتة.

يهدف الصندوق إلى دعم المشاريع التنموية، لكن كيف له أن يتأكد من أن أمواله لن تذهب إلى تأمين سلاح أو مواد استهلاكية أو جهات تربطها علاقات بتمويل الإرهاب؟
عملية السحب من قروض الصندوق تمر بعدة خطوات وتخضع لعدة إجراءات دقيقة من أجل التأكد من صرفها على الأعمال والخدمات والسلع المشار إليها في اتفاقية القرض والعقود اللاحقة لذلك، كما يقوم الصندوق بمتابعة الإنجاز ميدانيا وبواسطة تقارير الهيئات المنفذة والمكاتب الاستشارية ويتم تبادل المعلومات مع الممولين المشاركين في المشروع. لذا فإنه يصعب تحويل الموارد نحو أنشطة ليس لها علاقة بالمشروع سواء كانت شرائية أو غير شرائية. إضافة إلى أننا في الصندوق نقدم أغلب القروض مع مؤسسات وصناديق تمويلية أخرى. كما أن نسبة التسديد لصالحنا بلغت نحو 96 في المائة من القروض الممولة، حيث إنه يعد من أعلى المستويات، ومن أسبابها أن قروضنا تعطى مع صناديق التنمية الأخرى، بحيث إذا أخلت دولة بالتسديد لأي جهة من جهات التمويل فإنها تفقد مصداقيتها مع الآخرين.

لكن ما أهم البلدان التي حصلت على حصص أكبر من غيرها من القروض؟ وفي المقابل ما أكبر الدول نموا وأقلها في الدول التي تم إقراضها؟
نحن لدينا خطة عمل نضعها كل عشر سنوات ونطورها كل خمس سنوات والآن نجري تطويرات لها عرضناها على المجلس الوزاري الذي انعقد في الصيف الماضي، وسنعرض أيضا بعض الأفكار الجديدة على المجلس الذي سيعقد في المملكة العام المقبل، حيث إن هذه الخطة تتحول إلى ما نسميه برامج الإقراض، وننفذ الآن البرنامج السادس عشر. وبرنامج الإقراض مدته ثلاث سنوات وله سعر وتكلفة معينة، وبرنامجنا الحالي مكون من 1.5 مليار دولار أو تزيد، وهذا لا يدخل فيه القطاع الخاص أو المنح، كما أن البرنامج يتغير فيه المبلغ والمؤشرات، ونقسم الدول إلى دول مرتفعة الدخل ومنخفضة الدخل، ويتم التخصيص في البرامج الإقراضية الذي يخضع إلى عوامل السكان ومتوسط دخل الفرد ومتوسط الاستقرار والأداء الاقتصادي وفاعلية إنجاز المشروعات وسجل الدولة في سداد القروض.
وانطلاقا من ذلك تأتي بنجلادش ومالي واليمن في مقدمة الدول التي استفادت من قروض الصندوق، كما دخلت دول جديدة إلى الساحة لم تكن موجودة مثل دولة أرمينيا والدول المتفككة من الاتحاد السوفياتي، بوسنيا وأذربيجان، حيث بدأنا في تقديم القروض لها.

ما إجمالي ما أنفقه الصندوق منذ تم تأسيسه؟ وهل تخضع قروضه لميزانية سنوية محددة ثابتة للإنفاق؟ أم أنه متغير بحسب الموارد والظروف؟
بلغ إجمالي ما أنفقه الصندوق منذ إنشائه نحو سبعة مليارات دولار أو أكثر معظمها من قروض القطاع العام ويقدم خلال السنوات الثلاث كما أشرت إليه، إنما في المحافل الدولية وعند التحدث عن نشاط الصندوق فإني أشير دائما إلى أن صندوق "أوبك" يجب أن ينظر إليه في نطاق المشاريع مقارنة بالصناديق الأخرى التي أنشأتها الدول الأعضاء. ولو أخذنا المملكة وهي أكبر مساهم في صندوق "أوبك" فإنها تقدم معونات من خلال صناديق تنموية أخرى. ولو نظرنا إلى إجمالي ما قدمته الصناديق التي تشترك فيها المملكة وغيرها فإن المبلغ يصل إلى نحو 70 مليار دولار بشكل تراكمي، وقد ذكر صاحب السمو الملكي ولي العهد في كلمته التي ألقاها في الأمم المتحدة خلال أيلول (سبتمبر) الماضي، أن "المملكة تقدم ما لا يقل عن 4 في المائة من دخلها الإجمالي للمساعدات الرسمية" بينما لم تصل بعض الدول الصناعية إلى أربعة أعشار 1 في المائة من دخلها الإجمالي.

هل تختلف معايير التأهل للإقراض بين القطاعين الحكومي والخاص أم هي موحدة؟ وما أهم هذه المعايير؟
لدينا ما يسمى دورة المشروع حيث يبدأ المشروع في المجيء من دولة معينة أو يأتي من إحدى مؤسسات التمويل، ثم يرد معه دراسة ثم نقيمه في الصندوق وأحيانا نعيد الدراسة والتحليل ويمر بعدد من اللجان إلى أن يقوم المسؤول في الصندوق بإعداد موجز عن المشروع ويقدمه لزملائه في الصندوق، ثم في ضوء المناقشات والنقد والتحليل تعاد صياغة الدراسة وفي النهاية يقدم على شكل تقرير لمجلس المحافظين الذي يعقد أربع مرات في السنة، ويقوم الموظف المسؤول عن الدولة المعنية التي سينفذ فيها المشروع بتقديمه لمجلس المحافظين، كما يخضع إلى أسئلة وأجوبة من المجلس. إضافة إلى أنه يعاد النظر في بعض المؤشرات الواردة في المشروع في ضوء التعليمات التي تصدر من المجلس وعندما يتم إقرار المشروع نتصل بالدولة المعنية ويأتي الوزير المسؤول لتوقيع الاتفاقية ثم ترسل للدولة للتصديق عليها وبعدها يبدأ الصرف على المشروع، وهناك تبدأ الرقابة على الصرف للمشروع.
وهكذا فدراسات الجدوى وتقييم المشروع ومتابعته قبل وبعد التنفيذ تمر جميعها بشكل مرض، وتحصل أحيانا بعض الأخطاء فمثلا قد يكون هناك من يطعن في مناقصة من المناقصات فإننا هنا نقوم بالتحقيق أحيانا، وعندما يتضح لنا أن المدعي على حق فإننا نتدخل وأؤكد من تجربة الصندوق أن الأخطاء الجسيمة قليلة جداً، من ناحية أخرى، نحن نتوقف عن إقراض أي دولة في حالتين أولاهما عندما تتأخر الدولة في الدفع والتسديد لسبب غير مقنع، ثانيتهما إذا كانت في البلد قلاقل سياسية وحروب أهلية تحول دون أداء المهمة المطلوبة.

بشكل عام، هل يلجأ الصندوق إلى طلب ضمانات حكومية من البلدان التي يقرضها عند الاستثمار في القطاع الحكومي أو في مؤسسة خاصة؟
القروض تنقسم إلى قسمين قروض القطاع العام الميسرة وقروض القطاع الخاص، فقروض القطاع العام هي أنك توقع مع حكومة ولذلك فإن الحكومة تضمن ما وقعت عليه، أما قروض القطاع الخاص فإننا أولا نوقع مع الدولة التي سيتم فيها المشروع ما يسمى اتفاقية ضمان وحماية الاستثمار، وهي الضمانات الوحيدة التي نشترطها.
في حالة إخلال الدولة بشروط اتفاقية ضمان وحماية الاستثمار فإننا نلجأ إلى التحكيم ولم يحدث هذا، حيث إننا بصدد توقيع اتفاقيات مع 50 دولة من ضمن 60 دولة. بحيث لو حصل خلاف فإن كل طرف يعين محكما ويختارون محكما ثالثا بحيث لا يكون من الدول الأعضاء ولا يكون من مواطني الدولة ذات العلاقة، كما يستأنسون في هذا التحكيم بالمبادئ التي وضعتها الأمم المتحدة، وإذا لم يصلوا إلى نتيجة فإنهم يحتكمون إلى محكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية.

على أي أساس يتم طرح المشاريع للموردين والمقاولين المحتملين لتقديم العروض من السلع والخدمات اللازمة لها، كيف يتم إعلامهم بالمشاريع؟
يتم طرح المشروعات التي يمولها الصندوق في مناقصات مفتوحة دولية ومحلية من قبل الدول المقترضة ويتفق الصندوق مع الدولة على تطبيق المعايير المتبعة عالميا في مجال طرح العروض وتحليلها وإرسال المناقصات ويقوم الصندوق بمتابعة تطور العمليات منذ البداية وحتى انتهاء العمليات.
ونحن لا نعطي أفضلية أو ميزة للدول الأعضاء لأننا نريد أن يتم التنافس على أساس تجاري بحت بالنسبة للمشاريع، والصحيح أننا عندما ننفذ مشروعا تنمويا معينا في دولة فإننا لا ننظر إليه بأنه يجب أن يكون محتكرا من الدول الأعضاء في التنفيذ، ولكن الدول الأعضاء وبعض دول الخليج لديها قطاع خاص ناضج يستطيع أن يسهم وينافس، فمثلا لفت نظري ونحن ننفذ مشروعاً للري في كوبا، وكما هو معروف فإن كوبا دولة تخضع للمقاطعة الاقتصادية من الولايات المتحدة، فكانت هناك شركة إسبانية لديها الحق في تسويق تقنية أمريكية وتقدمت لمناقصة ورست عليها تلك المناقصة، وكانت على وشك توريد المعدات، وفي هذه الأثناء صدر قرار من الكونجرس الأمريكي يمنع الشركات التي تسوق تقنية أمريكية من أنها تبيعها لكوبا، فانسحبت الشركة الإسبانية.
عندها بحث الخبراء الكوبيون عن مصدر آخر، حيث وجدوه عند مؤسسة الخريف السعودية وأتوا إلى الرياض واطلعوا على التقنية التي تملكها المؤسسة، ووجدوا أنها تفوق ما كانوا سيحصلون عليه من تقنية إسبانية ونفذت الشركة السعودية المشروع. كذلك مثل آخر شركة الخرافي الكويتية دخلت في مشروع آخر في مصر وبوركينا فاسو، حيث إن تلك القطاعات الخاصة تدخل من مجال المنافسة البحتة وهذا بحد ذاته مقياس لنضج ونمو القطاع الخاص في بعض الدول الأعضاء في الصندوق.

هل يمكن للدول التي تفرض عليها عقوبات سياسية أو اقتصادية الاستفادة من الصندوق؟
الصندوق مؤسسة تنموية لا تخضع للعوامل السياسية، ومشاريع الصندوق هدفها الإنسان وعند بناء مستشفى أو مدرسة أو طريق فإن المستفيد منها هو السواد الأعظم من الناس وهم الفقراء، وقد شاهدت ذلك بنفسي عند زيارة بعض الدول المستفيدة بمعنى أن صندوق "أوبك" وغيره من الصناديق القائمة في الدول الأعضاء أنشئت لتعكس إحساس هذه الدول بمسؤوليتها الدولية تجاه دول الجنوب.

ألا تتعارض أحيانا سياسة الصندوق مع أمانة "أوبك"؟
لا، ويمكن للقارئ العادي الذي يريد أن يتابع المعرفة أن يعلم أن صندوق "أوبك" للتنمية الدولية (وهو اسمه الرسمي) له علاقة بمنظمة "أوبك" حيث إنه أنشئ من الدول الأعضاء وهو يقيم في الدولة نفسها التي فيها منظمة "أوبك"، ولكنه يدار من قبل وزراء المالية وليس من قبل وزراء النفط وليس له علاقة إدارية بمنظمة "أوبك" فهو جهاز مستقل، ولكن نعتبر أنفسنا منظمتين شقيقتين حيث تشترك منظمة "أوبك" مع صندوق "أوبك" في بعض النشاطات المشتركة مثل تبادل البيانات والمكتبة والقيام بأبحاث، كما تناقش هذه الأمور بين المنظمتين، ولكن الفرق أن كل واحدة تستقل عن الأخرى إداريا وماليا ومهام.

تمثل نسبة العضوية في الصندوق سبع دول عربية إلى خمس دول غير عربية. هل يؤثر هذا في قراراته وسياساته، أم أن ثمة آلية محددة لا تضع ذلك في الاعتبار؟
لا، وفي الحقيقة لدينا مجلس محافظين تسهم فيه فنزويلا ونيجيريا وإندونيسيا بالمقدار نفسه الذي تسهم به الدول العربية والتعاون تام في ذلك. أيضا عند النظر في جنسيات الموظفين تجد فيه من جميع الدول وتوجد فيه جنسيات مثل النمسا ودول أخرى.

كيف يتم توفير موارد الصندوق، وما الجهات الحكومية أو الخاصة التي يحق لها أن تسهم في زيادة مدخراته؟ وهل يحق للصندوق الاقتراض من المصارف العالمية أو المحلية في الدول الأعضاء؟
ليس هناك رأسمال للصندوق بالمعنى الفني المتعارف عليه ولدينا موارد نسميها موارد الصندوق تتكون من مساهمات الدول الأعضاء مثلا حتى أيلول (سبتمبر) 2005 الماضي. المساهمات المدفوعة وصلت إلى 2.443 مليار يضاف إلى ما يسمى الحساب الاحتياطي الذي يصل إلى نحو 2.249 مليار، وتتكون مصادر الصندوق من قسمين رئيسين هما المبالغ التي دفعتها الدول الأعضاء وما يستثمره الصندوق. ونحن لا نتسلم حالياً دفعات جديدة وإنما نتسلم دفعات من الدول الأعضاء لاستكمال الفرق بين المدفوع والملتزم به سابقاً.
أما من ناحية الاقتراض من السوق العالمية فنحن لا نقترض في هذه اللحظة، ولكن نحن في الاجتماع الوزاري الذي عقد في الصيف الماضي عرضنا خطة على الوزراء وتمت الموافقة عليها وتم تفويضنا للبحث عن وسائل تعزز وتحسن من موارد الصندوق، ولذلك نحن الآن بصدد إعداد قائمة من هذه الوسائل والمصادر التي من بينها الاقتراض لأنه شيء متعارف عليه في مؤسسات التمويل الدولية، إنما الاقتراض يجب أن ننظر إليه بشكل أدق، حيث إن أي صندوق لا يستطيع الاقتراض لتمويل مشاريع القطاع العام لأنك ستقرض بشروط أقل ويمكن أن تحقق خسارة ولكن الاقتراض من أجل تمويل مشاريع القطاع الخاص فهو ما نفكر فيه، ومن أجل الاقتراض للقطاع الخاص فإنك ستمر بخطوات معروفة في السوق المالية العالمية.
المشكلة التي تواجه صندوق "أوبك" هي المقدرة على استمرار النمو لمواكبة الطلب المتزايد على موارده. وهناك أذكر القارئ بما قلته عن عنصر المنحة في تسهيلات الصندوق، هذه المنحة هي التسرب الذي يعجل بنضوب موارد الصندوق في الأمد البعيد وربما المتوسط.

ما الذي يدفع الصندوق إلى التفكير في الاقتراض من مؤسسات وبنوك عالمية، هل هذا يدل على انتشار أعمال صندوق "أوبك" أم أن الدول الأعضاء لا تحبذ أن ترفع حصص الدعم؟
التفكير في الاقتراض من مصارف له عدد من الأسباب، وأهمها أننا نريد أن ندعم نشاط الصندوق في القطاع الخاص وتجربتنا معه بدأت قبل ست سنوات ووجدنا أنها تجربة ممتازة، وذلك بعد اعتراف الدول الأعضاء بأهميته خصوصا في تحريكه التنمية، حيث إنه الأقدر على تنفيذ مشاريع رئيسية ومعينة. ولذا فإن التوسع في إقراض القطاع الخاص مستمد من هذا المفهوم، أما نشاط الصندوق في مشاريع القطاع العام، فهو نابع من زيادة الطلب على موارد الصندوق وهذا يحدده استمرار مشكلة الفقر في العديد من الدول في جنوب العالم، وعلينا أن نتذكر المعلومة التي تتداولها الصحف من وقت لآخر عن أن أكثر من مليار نسمة في العالم يعيشون على أقل من دولار في اليوم للفرد الواحد.

هل يتدخل الصندوق في عملية تشغيل المشاريع المقرضة، كأن يشارك في الإدارة أو التنفيذ أو الإشراف أو يعرض عليها إشغال فرص وظيفية معينة؟
نحن نشارك في الإشراف على المشروع ولكن في القطاع الخاص ندخل عن طريق الإقراض وعن طريق شراء حصة، حيث يلاحظ ذلك في بنك بيبلوس في سورية دخلنا بحصة تبلغ 7 في المائة.

هل لدى الصندوق أولويات محددة في سياسة دعمه المشاريع كأن يقدم بعضها على بعض؟ وفي هذا ما دوره في دعم البحوث العلمية ونقل التقنية وتوطين الخبرات الفنية؟
لا، الحقيقة مشاريعنا الكبيرة تتجه وتصب في البنية الأساسية التي يحتاج إليها سكان وشعوب تلك البلدان المستفيدة ولو نظرنا إلى التوزيع القطاعي لقروض الصندوق فإن الطرق تستأثر بـ 27 في المائة منها تليها مشاريع توليد الطاقة بنسبة 18 في المائة ثم الزراعة والتعليم والصحة ومشاريع المياه أما البحوث ودعم المؤسسات فهي تتم عن طريق المنح.

مقارنة بغيره من المؤسسات، ما أبرز مميزات صندوق "أوبك" للتنمية الدولية؟ وبالتالي ما الذي يستشرف فعله مستقبلا؟ وهل فقد الصندوق أداء الدور نفسه أم لديه تطلع لأدوار أخرى؟
مقارنة الصندوق بغيره هو لا يختلف عن أي مؤسسة تمويلية أخرى، الشيء الوحيد الذي نختلف فيه هو أننا نذهب إلى أنحاء العالم كافة حيث نوجد في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول أوربا الفقيرة الجديدة، ودور الصندوق قائم ومستمر طالما استمرت مشكلة الفقر وكل ما نحتاج إليه هو تعزيز مواردنا المالية.

كثيرون يتساءلون عن أن الصندوق غير معروف فيما يظن البعض أن الصندوق تابع لمنظمة "أوبك"؟
عندما صدرت الموافقة بتعييني مديراً عاماً لصندوق "أوبك" وبناء على ما نشر في وسائل الإعلام، فإن الذين لا يعلمون الفرق بين منظمة "أوبك" وصندوق "أوبك" يظنون أنني أصبحت أميناً للصندوق!! أي "كاشير" أصرف الرواتب، وهذا بالمعنى الوظيفي المتعارف عليه لكلمة صندوق. حيث قال البعض إن أبا زهير كان يسعى للحصول على منصب أمين عام "أوبك" والآن أصبح أميناً للصندوق، طبعا هذا يعود إلى أن هناك تقصيراً في الجانب الإعلامي. ولذا فإن لدينا استراتيجية إعلامية بدأنا في الإعداد لها منذ مطلع عام 2004، وقدمنا بعض الأفكار لمجلس المحافظين وعرض جزء منها على المجلس الوزاري ولاقى القبول من الجميع، هذه الاستراتيجية تتضمن محاولة الخروج عن المألوف ومن ملامحها: تمييز الصندوق عن منظمة "أوبك"، حيث إن "أوبك" تواجه مشكلة إعلامية غير التي نواجهها في الصندوق وهي الصورة المشوّهة حيث يظن الناس أن منظمة "أوبك" هي منظمة احتكارية تكونت لاستغلال المستهلكين وهذا ليس صحيحاً، بل أنها تهدف منذ نشأتها لاستقرار السوق، وتأمين الإمدادات للدول المستهلكة، محاولة إيجاد عائد مجزي للصناعة البترولية والتي يستفيد منها المستهلكين أكثر من المنتجين، ولكن لأن العالم لا يعرف ذلك عنها تظل صورة "أوبك" مشوّهة، وهناك من يعمد إلى تشويه الرسالة السامية التي تقوم بها "أوبك"، خصوصاً عندما يكون الهدف هو النيل من بعض الدول الأعضاء.
نحن في الصندوق لا نعاني من مشكلة تشوّه الصورة ولكن نعاني من أن الصندوق غير معروف، والسواد الأعظم من الناس لا يعلمون ما هو صندوق "أوبك" للتنمية الدولية، وهذا ملاحظ حتى من بعض الدول المستفيدة.
والحملة الإعلامية ستخرج عن المألوف نخطط مثلاً لإيجاد جائزة سنوية لصندوق "أوبك" وسنسميها جائزة التنمية المستدامة، ونمنحها لشخص ما أو لجهة ما أو لقسم الاقتصاد في أحدى الجامعات التي يعنى بالقضاء على الفقر.
أيضا نفكر في إيجاد منحة دراسية لطالب تخرج من أحدى الجامعات لمواصلة درجة الماجستير أو الدكتوراة في جامعة مرموقة، ويمكن منح الجائزة لأحد أفراد الدول الفقيرة أو الدول الأعضاء وقد صدر بيان صحفي عن هذه المنحة يمكن الإطلاع عليه في موقعنا الالكتروني.
إيجاد ورشة صحافية للدول الأعضاء لتعريفها بالصندوق، شراء مساحات إعلانية، طباعة كتب وتوزيعها. ونفكر في تغيير الشعار مع الإبقاء على الاسم القانوني للصندوق وهو صندوق "أوبك" للتنمية الدولية، الذي أنشأته الدول الأعضاء في "أوبك" بدافع من شعورها العميق في المشاركة على تحقيق أهداف التنمية الألفية وأهمها القضاء على الفقر.

أبو زهير: محطتك القادمة بوركينا فاسو ما الذي تحمله معك؟
بوركينا فاسو دولة فقيرة ليس لديها منافذ على البحر تقع في غرب أفريقيا سكانها 13 مليون نسمة، نسبة المسلمين منهم 66 في المائة وتربطها علاقة وطيدة بالمملكة بدليل أن سفيرها في الرياض هو عميد السلك الدبلوماسي. هذه الدولة لا تتعدى نسبة الطاقة التجارية التي تستهلكها 20 في المائة والباقي يتكون من مصادر الطاقة التي كنا نعتمد عليها قبل عصر النفط وهي (الحطب والجلة).
هذه الدولة لا يتعدى نصيب الفرد فيها من استهلاك الماء النقي 10 في المائة من معدل الاستهلاك العالمي أي 20 لترا للفرد مقابل 200 لتر للمعدل العالمي.
سأذهب إلى هناك مع فريق من زملائي لمقابلة المسئولين بما فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، سأوقع اتفاقيتين الأولى عن التنمية الريفية والثانية لتخفيف المديونية ضمن مبادرة صندوق النقد الدولي. سأقوم بالمشاركة مع ممثل صندوق الغذاء العالمي بتوزيع كميات الغذاء التي قدمها صندوق "أوبك" وسأفتتح عيادة "الإيدز والمعمل الصحي" وسوف أتفقد المشاريع التي يتم تنفيذها ومنها الطريق الذي يربط العاصمة بدولة غانا، ومشروع سد زيقا، ومرافق سكن الطلبة في جامعة العاصمة. وكم أتمنى أن انقل للقارئ السعادة التي تغمرني وأنا أبدأ هذه الزيارة لأن بوركينافاسو ومثيلاتها من الدول الفقيرة هي الهدف الرئيسي لهذه المؤسسة التي أتشرف بإدارتها.

الأكثر قراءة