البطالة.. الهم المجتمعي إلى متى؟
لا تزال بطالة الشباب من الجنسين في مجتمعنا تشكل معضلة اجتماعية، وللأسف معظم الحلول المطروحة لا تناقش القضية من جذورها، وأسوأها ما تم نشره أخيرا من أن المخرجات التعليمية لا تحتاج إليها سوق العمل!! إذا أين أجهزتنا التخطيطية والتربوية والتدريبية من أداء أدوارها الأساسية؟ وما يناقش في الصحف حول أن الشباب السعودي أصبح لا يمانع في العمل سائق سيارة!! أو يقوم بغسل السيارات!! أو أن يكون حلاقا، وهكذا خيارات لا ترفض، ولكن ليست هي المتوقع أن تكون هي المخرجات لما يزيد على ثماني خطط تنموية!! في الوقت الذي تمتلئ شركات القطاع الخاص وأحيانا القطاع الحكومي بموظفين من غير السعوديين، ولسنا أيضا ضد الاستعانة بالإخوة غير السعوديين، ولكن إلى متى؟ إلى متى يبقى الشباب السعودي رهن الرؤية القاصرة حول مستوى أدائه واتهامه أنه لا يبحث إلا عن وظائف حكومية إشارة إلى الناحية المأمونة ماليا، ومن منا لا يفضل أن يطمئن على وظيفته ومردودها المالي والأمني؟ فلماذا لا نحقق التوازن بين حسن الأداء بالتدريب والمتابعة لهؤلاء الشباب، وبين توفير المرتب المغري والذي يؤمن احتياجاتهم المالية خصوصا في ظل هذه الأسعار التي لا تتوقف عن الزيادات مما يثقل كاهل الموظفين الذين لهم مرتبات ثابتة، فما الحال مع هذه الشريحة التي لا تتوافر لها الوظائف؟ فكيف سيعيش هذا الشاب من هذه الشريحة؟ ومتى سيتزوج؟ وكيف سيبني مستقبله؟ هل ندفعه للهجرة بحثا عن عمل في دولة خليجية كما سافرت بناتنا للبحث عن وظائف معلمات في الدول الخليجية المجاورة؟
أعلم أن الحديث عن هذه القضية أصبح مثل كرة الثلج كما يقال تكبر يوما بعد يوم، ولا نجد أن هناك أي حلول عملية جذرية كي تقضي عليها، فالمناخ الاجتماعي والاحتياج الوظيفي للشباب متوافرة، ولكن الأجندة الخفية لدى القطاع الخاص لا تزال هي الحاكمة والرافضة للاستثمار في هذه الشريحة.
والأسوأ فيما يخص توظيف الفتيات هو التركيز على أنهن معطلات (ونصف المجتمع المعطل)!! ونجد أن الحلول المطروحة تتمثل في تشغيلهن في محال لبيع الملابس النسائية!! وكأن هذه الوظائف فقط هي التي يجب أن تكون متاحة كي ننهض بالمجتمع؟ ننسى أن هناك وظائف في قطاع المختبرات في المدارس والكليات تعاني نقص الموظفات!! أيضا هناك مئات الوظائف في مدارس البنات كالإخصائيات الاجتماعيات والنفسيات وأمينات المكتبات لا تزال تعاني النقص. فلماذا لا يسدد هذا النقص ويتم الاستفادة من خريجات الجامعات الباحثات عن الوظائف؟ لماذا الإصرار على أن ما هو متاح للفتيات هو وظائف فراشات وقائدات طائرة! أو مديرات منزل؟
علما أن أي وظيفة يتم الحرص على إدخالها في نسيج مجتمعنا مما لا تتقبله حتى الخريجات أنفسهن لتوفرها في أماكن عمل مختلطة، رغم عدم السماح به في أنظمتنا، ولكن التحايل على هذه الأنظمة متوافر وخصوصا لدى القطاع الخاص، هذه الوظائف غالبا سيتم شغلها بغير السعوديات بدعوى أن السعوديات يفتقدن المهارة المطلوبة لهذه الوظائف! ولتراجع سيدات الأعمال لدينا، إن لم يكن جميعهن فلنقل أغلبيتهن، سجل الموظفات اللاتي يعملن في الجهات العائدة لهن كم نسبة السعوديات؟ بل إني أعرف إحداهن استقدمت موظفات من دول عربية كمحاسبات ماليات، وسألتها لماذا لا توظفين السعوديات خريجات قسم المحاسبة من جامعاتنا؟ ولن تكلفك أي منهن ما تقومين بدفعه للاستقدام وغيرها من تكلفة مالية وتؤمنينها أكثر من غيرها. إلا أنها ترى أنهن أفضل من السعوديات! ثم عادت وبررت ذلك أن الفتيات السعوديات لا يرغبن العمل في هذه الوظائف؟ سألتها: هل حاولت؟ أجابت بالنفي ولكنها مصرة على هذا الرأي. إذا هذه هي الصورة النمطية التي يتم من خلالها تنميط الفتاة والشاب السعودي ونتهمه بالعزوف عن العمل، وميله للكسل، وبحثه عن الراحة.
ومن الاقتراحات التي أعتقد أنها مهمة لإيجاد حلول لهذه البطالة بين شبابنا ما سبق أن ناقشه عديد من الكتاب الأفاضل ومنها على سبيل المثال ما ناقشه الدكتور سعود بن مدرهم الكثيري في الرياض منذ أشهر في (العدد 14612) والذي وضح فيه الآتي: أنه لابد من الشروع في رفع مستوى حصة العنصر البشري الوطني عند تبني الاستراتيجيات التنموية الشاملة، وأن يكون مطلباً أساسيا عند إقامة المشاريع الإنتاجية والخدمية عند إعداد الجدوى الاقتصادية للمشروعات والتي يتطلب تمويلها من القطاعين العام أو الخاص، وأن يكون شرط طلب توفير التمويل أو الإقراض لأي مشروع مرتبطا "بنسبة" منصفة غير متدنية لحجم السعودة عند التشغيل, وأيضا لابد من تشريع أنظمة جديدة تكفل الأولوية للمواطن في العمل "السعودة" على غيرهم، كما شرعت بذلك الكثير من الدول المتقدمة، وأن يكون هذا التشريع "إعادة تقييم" لما هو موجود فعلاً ولكن بطريقة مدروسة بعيدة النظر تشارك فيه الجهات ذات العلاقة ورجال الأعمال والغرف التجارية في المملكة. وأن يتم متابعة تطبيق تلك الأنظمة بعد صياغتها بشكل مقنن يحقق الاستدامة وأهمية السعودة والإنتاجية من قبل طرفي العمل مع مراقبة تنفيذها، كما شرعت طالما تم القبول والرضا وتوافر العنصر القادر على أن يقوم بالعمل حسب تأهيله أو تدريبه. وأن يكون هناك نظام تعويض من منطلق المسؤولية الاجتماعية يعلم بأهمية أصحاب العمل عند إبرام العقود وعند الاستغناء حالة إبعاد العامل عن عمله حتى لو لم يكن القصد بالإبعاد تعسفاً، هذا التعويض يكون مدروساً لكل حالة وأسبابها "لا ضرر ولا ضرار".
ولا بد من تحديد ساعات العمل وتحديد مستوى الأجور (الحد الأدنى والأعلى) وفق المعايير العالمية والاقتصادية بشكل عادل وملائم وإعادة دراستها وتقييمها من وقت إلى آخر وفق الظروف والمتغيرات الاقتصادية، ولا بد من إنشاء جهة مختصة اعتبارية ذات علاقة بالقطاعين العام والخاص تكون كمركز معلوماتي للتوظيف وفرص العمل، وذات مسؤولية في البحث والتوجه والتنسيق، وتحقيق فرص العمل للعاطلين حسب متطلبات أصحاب العمل الحقيقية والمعروضة، يعتد بها وفق ما أوكل إليها من أعمال ومهام لتحقيق المردود الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي تعميق مفهوم السعودة والتوظيف في التنمية الوطنية).
هذه المقترحات التي ناقشها الدكتور الكثيري وهو باحث في الإدارة والاقتصاد أرى أنها موضوعية ومهمة جدا فمتى نراها على أرض الواقع؟
ومتى يختفي شبح البطالة الذي يخيم علي معظم البيوت، والذي يشكل هما أسريا ومجتمعيا لما تؤدي إليه من نتائج وخيمة على مستوى الأمن النفسي والاجتماعي، والناتج القومي للوطن.