ثقافة وفنون

الصقور السعودية .. صفقات مالية تحول الإرث العريق إلى مورد اقتصادي مستدام

الصقور السعودية .. صفقات مالية تحول الإرث العريق إلى مورد اقتصادي مستدام

جانب من المزاد.

الصقور السعودية .. صفقات مالية تحول الإرث العريق إلى مورد اقتصادي مستدام

في مبادرة تتعلق ببرنامج "هدد" أعلن صقار سعودي ونجله عن تبرعهم بأكثر من 10 صقور.

الصقور السعودية .. صفقات مالية تحول الإرث العريق إلى مورد اقتصادي مستدام

انتقلت من كونها مجرد هواية إلى تجارة واستثمار مربح.

غرست الصقور مرساة حبها في قلوب السعوديين، فسكنتها واستوطنت فيها، وأصبحت مصدر إشعاع حضاري وتراثي، حنينها لا يفارقهم، بل يتجدد في كل مرة يرون فيها هذا الطائر النبيل.
ولم يكن هذا الحب جديدا على أبناء الجزيرة العربية، فقد أثبت المؤرخون وعلماء الآثار أن الصقر عاش في سمائها قبل تسعة آلاف عام، وكان الصقر رفيق الأجداد ومعينا لهم في حياتهم، وفي أوقات الرخاء قبل الشدة، فحفظوا لها هذا الوفاء، جيلا بعد جيل، من خلال نادي الصقور السعودي، وأنشطته المتواصلة.

16 ألف صقر .. ومليار دولار

في مساء أمس الأول، أطلق نادي الصقور السعودي، الذي تأسس بأمر ملكي قبل نحو ثلاثة أعوام، ويشرف عليه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، برنامجا استراتيجيا لإعادة الصقور إلى مواطنها الأصلية، حمل اسم "هدد"، على هامش مزاده الأول الذي انتهى بنجاح كبير، محققا مبيعات تجاوزت حصيلتها عشرة ملايين ريال، إثر بيع أكثر من مائة صقر.
ويهدف البرنامج الأول من نوعه على مستوى المملكة إلى تعزيز دورها الريادي في حماية البيئة والحياة الفطرية، من خلال الحفاظ على سلالة الصقور النادرة وإعادتها إلى مواطنها الأصلية، حيث يعمل على جمع الصقور من المتبرعين بنوعيها "الحر والشاهين الأصيلة" وإعادتها إلى مواطنها، للإسهام في تكاثرها والحفاظ على التوازن البيئي، وسلالات الصقور النادرة من الانقراض، ويعود بالنفع على هواية الصقارة في المملكة والمنطقة.
وسيعمل البرنامج لإنجاح أهدافه على ثلاث مراحل، الأولى حث الصقارين وملاك الصقور على التبرع بصقورهم، فيما تركز المرحلة الثانية على تهيئة الصقور داخل المملكة، وسيتم إطلاق الصقور في مواطنها خارج المملكة كمرحلة ثالثة من العاشر من فبراير حتى العاشر من مارس المقبلين.
وكانت إحصائيات رسمية للهيئة السعودية للحياة الفطرية، تعود إلى عام 2017 أكدت أن حجم الاستثمار في سوق الصقور السعودية يزيد على مليار دولار في العام، في ظل تقديرات تشير إلى أن المملكة تحتضن 16 ألف صقر، وألفي صقار، إلى جانب مساهمتها في إنعاش التوظيف في مجالات الأبحاث، وتربية، وتطبيب، وتدريب وإكثار الصقور وتجارتها وبيع مستلزماتها، وإنعاش الوجهات السياحية وما يرتبط بها من حركة اقتصادية.

تبرع بأكثر من 10 صقور

في أولى المبادرات المتصلة ببرنامج "هدد"، أعلن صقار سعودي ونجله تبرعهما بأكثر من عشرة صقور، في تأكيد على أخلاقيات السعوديين، وحرصهم على استدامة هواية "طرح" الصقور، وهو مصطلح شعبي يعني صيدها دون الإضرار بها.
وكشف الصقار فالح العدواني وابنه ناصر، اللذان التقتهما "الاقتصادية" مساء الثلاثاء بُعيد إطلاق برنامج "هدد" في ختام مزاد نادي الصقور، عن تكفلهما بتوفير مجموعة من صقورهما من أجل التبرع بها، حرصا منهما على تكاثرها، ومساهمتهما الجادة في بذل مزيد من الحماية للبيئة الفطرية والتوازن البيئي، حيث يصف الأب الذي يحمل في رصيده خبرة تزيد على 25 عاما، البرنامج بأنه "مبادرة جميلة استهوته واتفقت مع رؤيته"، ولا سيما أنه أطلق سابقا بجهود ذاتية خمسة من الصقور في مواطنها الأصلية.
وأضاف العدواني أنه "مهتم بالصقر الحر أكثر من غيره"، موضحا "لا يعد تبرعي لإطلاق الصقور خسارة بالنسبة إلي، إنما استثمار لتنمية هذه الهواية وضمان تكاثرها، بما ينعكس على وجودها داخل المملكة".
أما نجله فأكد أنه سيتبرع بعشرة من صقوره إلى برنامج "هدد"، مثمنا المبادرة وأهدافها الاستراتيجية، بعد أن تمكن ناصر من الظفر بأكثر من 20 صقرا، تبلغ قيمتها الإجمالية نحو مليون ونصف مليون ريال، مؤكدا أن تبرعه بصقوره جاء من أجل حماية هذا الإرث الثقافي، وضمان استدامته ونقله إلى الأجيال القادمة.

الهواية كمورد اقتصادي

أثبتت الصقور كإرث ثقافي عريق قدرتها على أن تكون أيضا موردا اقتصاديا، فمن خلال مقابلات لـ"الاقتصادية" مع صقارين وطواريح على هامش مزاد الصقور، أكدوا أن الصقور كانت معينا لهم في حياتهم اليومية، ومصدر رزق وقوت يومي لهم ولعائلاتهم، ومنهم الطاروح السعودي سعود سالم الجحدلي، الذي اغتنم فرصة طرحه صقرا ثمينا في المجيرمة، لعرضه على منصة المزاد، وتمكن من بيعه في صفقة قياسية، بلغت 225 ألف ريال.
وأكد الجحدلي، وهو في منتصف العقد الرابع من عمره، في حديثه أن صقره "فرخ شاهين" يعد هو أول صقر يطرحه ويبيعه في حياته، رغم الباع الطويلة التي قضاها في هذه الهواية التي ناهزت 15 عاما، وقد وقع الشاهين فرخا في يد الجحدلي وابنيه اللذين رافقاه "وهما في عمر 12 وسبعة أعوام على التوالي" بعد مطاردة ممتعة استغرقت نحو ربع ساعة، وذلك أثناء مرور الصقر فوق سماء المجيرمة في منطقة مكة المكرمة، وتمكن بعد بيعه من تسديد ديونه.
ويعد مزاد الصقور الفعالية الأولى من نوعها التي تقام في المملكة بتنظيم رسمي، ويمنح مزايا للطاروح والمشتري، مثل إقامة المزاد على الصقر دون أي رسوم، واستقبال الطواريح وتأمين السكن والنقل لهم ولصقورهم من مناطقهم إلى موقع المزاد، وإصدار شهادة طرح للطير، التي تمهد لإصدار جواز سفر للصقر.
وكان المزاد قد شهد إصدار أول جواز سفر بعد توقف دام لأعوام، من خلال المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وصرح الدكتور محمد قربان رئيسه التنفيذي بأنه يعمل على تطوير آلية إصدار جوازات الصقور، لضمان استفادة الصقارين من هذه الخدمة بكل يسر وسهولة، وإيصال الجواز إلى مالك الصقر عبر البريد، وذلك بعد تقديم الطلب واستكمال الأوراق النظامية.

استثمار مربح

كان مزاد الصقور السعودي الأول مليئا بالمفارقات، التي جاءت لتثبت أن الصقر تجارة مربحة، واستثمار مجد ومفيد، بعد أن تمكن مواطنون من بيع صقورهم، وتحويل جهودهم في هذا المضمار من مجرد هواية إلى استثمار.
فالصقور التامة التي وقفت على مسرح المزاد لا تقل قيمة الواحد منها عن 15 ألف ريال، وتصل إلى مئات الآلاف من الريالات، خصوصا إن كانت مواصفاتها نادرة وفريدة، مثل الصفقة القياسية لشاهين فرخ بيع في اليوم الخامس من المزاد، ووصف بأنه الأغلى عالميا، بعد أن بيع الشاهين بمبلغ 650 ألف ريال، محطما الرقم القياسي الموثق سابقا بـ600 ألف ريال.
ويؤكد الصقار والتاجر صالح بن عبدالعزيز المطيري، المشتري الصقر الأغلى، أن الصفقة هي الأعلى قيمة التي يحققها طيلة فترة عمله في عالم الصقور، على مدى أكثر من 25 عاما، بعد أن بقي محتفظا في ذاكرته بأعلى صفقة حققها قبل أعوام بـ600 ألف ريال، مقدرا حجم تجارته من الصقور سنويا بثلاثة إلى أربعة ملايين ريال.
وكشف صالح المطيري أن هوايته وولعه بالصقور بدأت منذ الصغر، وانتقلت من كونها مجرد هواية إلى تجارة واستثمار مربح، ومورد اقتصادي مهم، له وللآلاف من الصقارين السعوديين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون