تراث السعوديين السمعي والبصري .. منجم ذهب لا مقبرة ضخمة

تراث السعوديين السمعي والبصري .. منجم ذهب لا مقبرة ضخمة
صورة لواحدة من وثائق المؤسس.
تراث السعوديين السمعي والبصري .. منجم ذهب لا مقبرة ضخمة
مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصة.
تراث السعوديين السمعي والبصري .. منجم ذهب لا مقبرة ضخمة
جانب من محفوظات دارة الملك عبدالعزيز.

قبل أيام احتفى العالم باليوم العالمي للتراث السمعي والبصري، الذي يشكل ذاكرة للعالم، ولا سيما السعوديون، الذين يحتضنون جبالا من هذا التراث، بما يشبه منجم الذهب، الذي يعنى به، وينشر عبر القنوات ومنصات التواصل، محققة أفضلية على دول متقدمة، تحتفظ بأرشيفها كمقبرة ضخمة، دون نشر أو توثيق أو إتاحته للأجيال.
وتكمن أهمية التراث السمعي والبصري في ندرته، وروايته القصص والسير، وفهم العالم والثقافات المختلفة، وإبراز التنوع الاجتماعي واللغوي للمجتمعات، والتاريخ الذي يتشاركونه.

تتردى حالتها

يقول خايمي توريس بوديت الشاعر المكسيكي ومدير عام سابق لمنظمة اليونيسكو "إن المحفوظات ليست مقابر ضخمة، إنما هي أماكن أساسية لاستمرار الوعي البشري.. التي تمثل تراثا شديد التميز واستثنائيا، يجمع بين الهشاشة والقيود التقنية الشديدة، ويستلزم اهتماما خاصا، ومن واجبنا أن ننقله إلى الأجيال المقبلة".
وجاء وصف بوديت مميزا للمواد السمعية غير المستغلة، بأنها "مقابر ضخمة"، التي قد تضيع وأن تتردى حالتها أو تمحى بسبب الإهمال، أو ممارسات التخزين السيئة، أو تقادم وسائط تسجيلها أو قراءتها، بل وقد تتضرر أحيانا جراء تضارب المصالح.
ففي رسالتها بمناسبة اليوم العالمي، كتبت أودري أزولاي المديرة العامة الحالية للمنظمة توضيحا حول ما يمكن أن تتضمنه جملة التراث السمعي والبصري، وهو كل ما أنتجته البشرية، بدءا بأبسط الأشياء اليومية، وانتهاء بالوثائق التي تتسم بأعلى درجات الطابع الرسمي، لتشكل كنزا من التنوع اللا نهائي.
فيما جاء العام 2020 حاملا معه رياح التغيير، ليسلط الضوء على النقص في صون التراث الوثائقي، وشح الأموال المتاحة للمكتبات والمتاحف في مجال المحفوظات، بوصفها مصدرا للمعرفة.

ليس ترفا

رقمنة الوثائق والتراث ليست ترفا، ففي فرنسا أسست الحكومة المعهد الوطني للمحافظة على التراث السمعي والبصري وإدارة الأرشفة الرقمية، والجامعات الأمريكية لها دور جوهري أيضا، مثل جامعة فندربلت التي عرفت بأنها مستودع الأرشيف الأمريكي لأخبار التلفزيون.
عربيا، أعلنت وزارة الإعلام البحرينية جهودها في تنفيذ مشروع المعالجة الرقمية للمواد الإعلامية الإذاعية والتلفزيونية والمصورة، والشاهدة على تاريخ البحرين الحديث، وتراثها الفكري والحضاري، عبر إنجاز الأرشفة الرقمية لأكثر من 104 آلاف ساعة تلفزيونية و80 ألف ساعة إذاعية لحفظ التراث الوطني من النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية والثقافية والفكرية والدينية والأعمال الفنية والدرامية والأغاني الشعبية والموسيقى.
وفي مبادرة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، أطلق الأرشيف الوطني في الإمارات وجامعة نيويورك أبوظبي مبادرة لإجراء رقمنة ضخمة للمواد التاريخية باللغة العربية، التي ستتاح للجمهور من خلال مكتبة رقمية تسمى "المجموعات العربية على الإنترنت".
وبحسب وكالة أنباء الإمارات، ستستخدم المجموعات العربية أحدث تقنيات الرقمنة على آلاف المجلدات من مجموعات المكتبات المتميزة، لتوفير مستودع لمواد باللغة العربية على شبكة الإنترنت للمجتمع العالمي، وذلك للحفاظ على المصادر المكتوبة باللغة العربية للأجيال القادمة، إذ تستهدف توفير 20 ألف كتاب عربي مرقمن مجانا، بمشاركة جامعات كولومبيا وكورنيل وبرنستون والجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة الأمريكية في القاهرة التي ستقدم الدعم في مجال رقمنة المواد.
ورغم مبادرات البحرين والإمارات، إلا أن اللغة العربية توصف بأنها من أقل اللغات الحية استفادة من تراثها البصري والسمعي، رغم ضخامة المحتوى الذي تحتضنه المؤسسات الثقافية والأفراد المهتمون، الذي قد يشكل موردا اقتصاديا إذا ما تم استثماره.

إتاحة التراث تلفزيونيا

مضى اليوم العالمي للتراث السمعي والبصري في معظم دول العالم كأي يوم اعتيادي، لم يشهد تفاعلا مميزا من المؤسسات الثقافية المعنية، لعرض ما لديها من مجموعات ثمينة، أو الكشف عن نوادر من تراث الحضارات وتاريخها التليد.
وربما مرد ذلك إلى جائحة كورونا التي أثرت في ميزانيات المؤسسات الثقافية، لكنها السبب ذاته الذي دعا هيئة الإذاعة والتلفزيون إلى إطلاق قناة "ذكريات"، في أبريل الماضي تزامنا مع قرار منع التجول، وقاية للمواطنين والمقيمين من تفشي الفيروس، واستعاد من خلالها السعوديون ذكريات البث التلفزيوني قديما، وكشفت عن عطش وتلهف لهذا التراث.
فقد بثت القناة ما كان يتم بثه قديما في التلفزيون السعودي، بدءا من السلام الملكي، القرآن الكريم، الرسوم المتحركة، المسلسلات، البرامج وغيرها، التي كان يلتقطها المواطن عبر لاقط على سطح المنزل، كجزء يسير مما تملكه الهيئة من وثائق ومحفوظات، ويصل إلى 460 ألف عمل.

صداقة إلكترونية مع التاريخ

في خطوة فريدة للتراث، أولت دارة الملك عبدالعزيز أهمية كبرى للمحافظة على التراث السمعي البصري، فأسست عددا من قواعد المعلومات في الدارة، منها ما هو مخصص للمخطوطات الوطنية، معلومات التاريخ الشفوي، الصور التاريخية، الوثائق التاريخية، قاعدة الملك عبدالعزيز في الوثائق الأجنبية، المعلومات المتحفية، معلومات السير الذاتية، وغيرها من قواعد المعلومات التي تضم في جنباتها آلاف الوثائق والمراجع والمصادر النادرة والتاريخية.
كما أن الدارة من خلال ما تحتضنه من عشرات آلاف الوثائق، بدأت مشاريع لأرشفة التراث وحفظه ورقمنته، إذ تعمل على رقمنة أكثر من أربعة آلاف أسطوانة رقمية، وأرشفة عشرات الآلاف من الكتب العربية والأجنبية والنادرة والدوريات، كما تبث فيديوهات بشكل يومي عبر منصات التواصل الاجتماعي للأرشيف التاريخي وما فيه من كنوز.
ويساعد الدارة مركز التاريخ السعودي الرقمي، التابع لها، ويعمل على تطوير وبناء وحفظ المحتوى الرقمي للمصادر التاريخية للمملكة، بأهداف طموحة تهدف إلى خدمة المجتمع بحفظ وتنظيم وإتاحة المصادر التاريخية، والعمل على بناء معايير وصفية تنظم المصادر في شكلها الرقمي، وتمكين البحوث العلمية في مجال النظم التقنية المتعلقة بحفظ المصادر وإتاحتها، وبناء الخبرات التخصصية بالاستفادة من المراكز العالمية، إلى جانب توعية المجتمع بأهمية المصادر التاريخية.
وكان الدكتور فهد السماري الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز يرى في المركز بعدا مستقبليا، فقال في تصريح صحافي سابق "إن المركز يواكب المكتبات والمؤسسات العلمية ودور البحث العالمية في أسلوب التعاطي مع المصادر التاريخية وإدارتها وتهيئتها للباحثين والباحثات، وعلى هذا الأساس قد لا نرى باحثا يزور الدارة في المستقبل القريب وتكون صداقتنا مع الباحثين والباحثات صداقة إلكترونية، لكنها غير اعتيادية، بحيث نتجاوز فكرة البريد الإلكتروني إلى فكرة تقديم الحدث التاريخي والكتاب والمخطوطة والوثيقة التاريخية مدعومة بأفلام سينمائية وصور فوتوغرافية وخرائط وموضوعات مشابهة، كمادة مساندة للحدث التاريخي أو المعلومة، تعطي وهجا يقرب المادة التاريخية المتهمة دوما بالجفاف، بصورة جاذبة لباحثين وباحثات ومهتمين ومهتمات جدد''.

الأكثر قراءة