ثقافة وفنون

فيلم «ذا نست» .. قضية تفكك أسري أم تأقلم مع أنماط حياة؟

فيلم «ذا نست» .. قضية تفكك أسري أم تأقلم مع أنماط حياة؟

بوستر الفيلم.

فيلم «ذا نست» .. قضية تفكك أسري أم تأقلم مع أنماط حياة؟

مشهد من العمل.

على مقربة من "اليوم العالمي للأسرة"، الذي يوافق الأول من كانون الثاني (يناير)، وكعادتها في مواكبة المناسبات المهمة، تقدم "هوليوود" أفلاما مخصصة عن العلاقات الأسرية، مسلطة الضوء على دور الأسرة في حياة الفرد كحجر أساس، وتبرز ضرورة تمتين روابطها في مواجهة الأعباء المعيشية اليومية.
ما انفكت قضية "القلق من المستقبل" قضية شائكة إلى يومنا هذا، التي طالما شكلت محاور مناظرات ومؤلفات الكتاب والفلاسفة، ولا سيما عندما تلقي بأوزارها على العلاقات الأسرية وتسهم في التباعد بين أفراد العائلة الواحدة، وتسهم في التفكك الأسري. بدورها، لم تغفل شاشات هوليوود هذه القضية البالغة الخطورة، فتصدت لها بعديد من الأفلام، لعل آخرها هو "ذا نست"، الذي تم طرحه أخيرا متماشيا مع مرحلة التخبط العالمي الذي نعيشه حاليا، خاصة من الناحية الاقتصادية.
يتمحور الفيلم الدرامي the nest حول قصة رجل أعمال بريطاني يصطحب زوجته الأمريكية وأبناءها إلى المملكة المتحدة من أجل السعي وراء فرصة جديدة في مجال الأعمال، لكن نمط الحياة الخاص في إحدى المزارع البريطانية يهدد العائلة بأسرها.
جاء فيلم the nest بعد تسعة أعوام من فيلم "مارثا مارسي ماي مارلين" الذي نجح في الحصول على مكانة مرموقة بين عشاق السينما، ليعود بعدها المخرج شون دوركين بفيلم أكثر تحديا، وأكثر براعة أيضا، على الرغم من احتمالية عدم تقدير جمهور السينما لما يحاول فعله هنا، لكن هذا يعود إلى أن "ذا نست" ليس فيلما تقليديا على الإطلاق.
التفكك الأسري
عند مشاهدتنا فيلم the nest للمخرج شون دوركين، نقارن مباشرة بينه وبين فيلم the shining للمخرج ستانلي كوبريك، مع فارق بسيط هو أن الأب روري، الذي قام بدوره الممثل جود لو، لن يشتعل غضبا ويفقد السيطرة كما فعل جاك نيكلسون في "ذا شاينينج"، لأن ما يطارد عائلة أوهارا ليس شيئا خارقا للطبيعة، لكن يتناول الفيلم تفكك الأسرة الذي تبع الخطوة الفارقة التي اتخذوها بانتقالهم إلى مسكن جديد مخيف.
من أمريكا الى لندن
تتمثل المقارنة الحقيقية بين فيلمي "ذا نست" و"ذا شاينينج" في الخسائر النفسية التي قد يلحقها الأب الأناني بعائلته، ففي يوم من الأيام، وبعد أن قضوا عقدا من حياتهم في الولايات المتحدة، يخطط روري، ذو الأصول الإنجليزية، للانتقال مع زوجته أليسون، تقوم بدورها الممثلة كاري كون، وابنه "بن" الذي يقوم بدوره تشارلي شوتويل، وابنة زوجته سام التي تقوم بدورها أونا روش، إلى لندن لاغتنام فرصة أتيحت له هناك. وعلى الرغم من حبها الصادق لزوجها، إلا أن أليسون قلقة، وظهر ذلك عندما أخبرت والدتها بأن هناك شيئا ما ليس على ما يرام، لترد عليها والدتها قائلة "ليس عليك أن تقلقي، دعي هذا الأمر لزوجك". ولقد بدا هذا الحوار مؤثرا ويعكس الاتجاه السائد في الفترة التي تدور فيها أحداث الفيلم، حيث يروي المخرج دوركين، الذي عاش طفولته في كل من إنجلترا والولايات المتحدة، أحداث الفيلم في منتصف الثمانينيات، عندما كان من المتوقع أن تطيع النساء أزواجهن، ولم يكن الطلاق أمرا شائعا.
التشويق من خلال موقف السياراتلا يخفى على أحد أن عنصر التشويق بدأ منذ بداية الفيلم، حيث ظهرت لقطة طويلة لمنزل واسع وسيارتين متوقفتين أمامه، وتعيش عائلة أوهارا الحلم الأمريكي الذي يشير إليه دوركين خلال الفيلم، فموقف السيارات الخاص الذي يعد في الفيلم أمرا مفروغا منه، كان يعد قبل 35 عاما رفاهية، وهو الوقت الذي حقق فيه روري مستوى من النجاح الاقتصادي والعاطفي يسمح لأسرة أوهارا بالعيش بشكل مريح أكثر من الأغلبية العظمى من الأمريكيين. لكن هذا لم يكن يكفي بالنسبة إلى روري.
طفولة سيئة
بدأت الأحداث تتوالى، حيث عثر روري على قصر فخم في منطقة سري في إنجلترا واستأجره بأكثر مما يستطيع تحمله، لكن قلق أليسون هنا بدأ يزداد، خاصة عندما ترى المكان، بينما الأبناء الغافلون عن الشؤون المالية للعائلة يخافون من المنزل نفسه الذي يمكن أن يكون مسكونا بالأشباح. وينتقل المخرج في الفيلم إلى حياة روري الذي يعمل في مجال المالية ويتخصص في الحسابات المعقدة للمخاطر والمكاسب، لكن في الوقت نفسه يقامر على راحة أسرته وسعادتها. لقد كان يردد دائما "عشت طفولة سيئة، وأنا أستحق ذلك"، هذه الجملة إضافة إلى زيارة والدته التي لم يرها منذ أعوام، كشفتا كثيرا عن دوافعه، فهو كان يريد من والدته أن ترى منزله الجديد، وأن تقابل الفتاة الأمريكية الشقراء الجميلة التي تزوجها، وأن تعطي ابنه العاطفة التي حرم هو منها، وفي الوقت نفسه كان يتجاهل بشكل متعمد ذكر سام، ابنة زوجته، ويرسلها إلى مدرسة ثانوية منخفضة المستوى، بينما كان يدفع لابنه "بن" لدخول أفضل أكاديمية خاصة في المدينة.
فيلم عميق
أبدع الممثل "جود لو" في هذا الدور، على الرغم من أن المشاهد التي يستخدمها دوركين لإضفاء الطابع الدرامي على دوامة روري ستدفع معظم الناس إلى الملل. أما الممثلة كاري كون فتميل إلى أن تكون أكثر جاذبية، فتبدأ شريكا غير متكافئ، لكنها تكتسب القوة شيئا فشيئا عندما يفقد زوجها السيطرة على الوضع الذي تسبب فيه.
إضافة إلى ذلك حافظ دوركين بالتعاون مع ماتياس إرديلي المصور السينمائي المجري، الذي له عدة أعمال مثل "ميس بالا" و"صن أوف سول"، على مسافة باردة بين شخصيات الفيلم في معظم أجزائه، إلا أن هناك بعض الاستثناءات، بما في ذلك مشهد حول العلاقة التي نأمل أن تحمل الزوجين خلال التحديات المقبلة. لكن في معظم الأوقات، نشعر بأن "ذا نست" فيلم تحليلي، يتطلب من الجماهير القيام بالتحليل والتحقيق، الذي لم تقم به حتى عائلة أوهارا نفسها.
تكاد الأفلام الدرامية التي تتحدث عن العلاقات والمستقبل لا تتناول مطلقا تعقيدات الزواج، وهي: الشؤون المالية، والتعليم، وإيجاد التوازن الصحيح بين العمل والحياة، إلا أن فيلم "ذا نست" يتعمق في التفاصيل الدقيقة، فهو فيلم له قواعده الخاصة، ولا يؤمن بالضرورة بالنهايات السعيدة.
تجدر الإشارة إلى أن فيلم "ذا نست" أثار إعجاب النقاد بعد عرضه في مهرجانات دولية، الذين أشادوا بأداء جود لو وكارى كون، ووصفوا الفيلم بأنه عرض بدقة الألاعيب التي تشهدها الحياة الزوجية، ولقد نال عددا من الجوائز في مهرجان "دوفيل للسينما الأمريكية" Deauville American Film Festival 2020 من بينها جائزة لجنة التحكيم الكبرى وجائزة النقاد، فضلا عن جائزة لجنة تحكيم المواهب الناشئة التي أعلنتها الممثلة الفرنسية فانيسا بارادي رئيسة لجنة التحكيم الرئيسة، أما إيراداته فلقد بلغت منذ بداية عرضه عالميا نحو نصف مليون دولار.
وعود على بدء، إننا في عصر مليء بالمتغيرات والتحديات، بين تكنولوجيا عصرية تخترق الخصوصيات، وتحدث الفجوات بين الأجيال، مدعومة بظروف اقتصادية مرهقة جعلت السعي نحو الرزق عملية استنزافية لا تنتهي، كان لا بد أن تتأثر الأسرة، فيتبدد شملها وتفقد حميميتها، فهل فعلا تنجح دائما صلة الرحم في رأب الصدع والتغلب على التفكك الأسري ولم الشمل للعائلة، كونها الطوق الوحيد للنجاة في زمن يعج بالأزمات والصعاب؟
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون