ثقافة وفنون

عبدالله الزيد .. ابن "الداهنة" الذي حرك موجة حزن برحيله

عبدالله الزيد .. ابن "الداهنة" الذي حرك موجة حزن برحيله

عبدالله الزيد .. ابن "الداهنة" الذي حرك موجة حزن برحيله

عبدالله بن عبدالرحمن الزيد

عبدالله الزيد .. ابن "الداهنة" الذي حرك موجة حزن برحيله

ضج عالم الثقافة والإعلام برحيل الأديب والشاعر السعودي عبدالله الزيد، الذي رحل إثر سكتة أوقفت قلبه الكبير، صباح الأحد، محركا برحيله موجة حزن غمرت الجميع، لنبل أخلاقه، وتميزه صوتا وثقافة وخلقا وشهامة.
كان الراحل شخصية نادرة الطراز، ممن جمع الأدب بالإعلام، وحافظ على صداقة كل من عرفهم، بروح شبابية، رغم عمره الذي لامس الـ70، تاركا لمحبيه وقرائه ومتذوقي شعره عشرة دواوين شعرية، ومؤلفات أدبية، ومقالات، وبرامج ثقافية قدمها في القنوات التلفزيونية.

يقطر محبة

لمن لا يعرف الزيد الإنسان، قد يأخذ انطباعا مسبقا عنه بأنه إنسان صارم، متشدد لرأيه، بسبب صورته الحازمة المرافقة لمقالاته، التي تعكس حدة آرائه كذلك، لكنه - على العكس - كان دمث المعشر، يقطر محبة، ويكفي أن نذكر مسألة ابتعاده عن حياة الإذاعة وجمعية الثقافة والفنون في الرياض، لتعرف كم هو وفي لأهله، بار بوالديه.
فعبدالله بن عبدالرحمن الزيد في لحظة ما قرر أن يترك حياة الأدب والإعلام وأن يعود إلى ديرته "الداهنة"، وهي قرية تقع بين المجمعة وشقراء، تربى فيها، في كنف أسرة متدينة، لكنه آثر العودة إلى والدته، رحمها الله، بعد أن رفضت الانتقال معه إلى الرياض، بعد أن تزوج أبناؤها وغادروا الداهنة.
لم يشأ عبدالله أن يجبر والدته على ما لا تحب ولا أن يتركها وحيدة في شيخوختها، وانتقل للعيش بجانب والدته يرعاها ويرعى ماشيتها بنفسه، يحلب الغنم ويعلفها ويقوم بكل ما يدخل السرور على والدته، تاركا المدينة وأضواءها، ومؤسساتها الثقافية، والحداثة، وحتى المعارك الأدبية، بشهادة الدكتور عبدالسلام الوايل في مقال له حول الفقيد، وهو الذي عرفه حق المعرفة.
وعن بداياته، نال الراحل تعليمه الأساسي في الداهنة قبل أن يلتحق بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتخرج ليقرأ النشرة الإخبارية في التلفزيون والإذاعة، ولاحقا قدم البرامج التلفزيونية، كما كان عضوا في جمعية الثقافة والفنون، إلى جانب عضويته في النوادي الأدبية في كل من جدة والطائف والقصيم.

حريص على "الضاد"

في سيرة الزيد جائزة عزيزة على قلبه، تلقاها من وزارة الإعلام السعودية في عام 1399، كأفضل مذيع، وكان حريصا خلال عمله في الإذاعة على إثراء الحصيلة اللغوية للمذيعين، ومنها حادثته الشهيرة حينما كان يقدم النشرة مع المذيع الراحل ماجد الشبل، وإصراره على كلمة "الرئيسة"، فيما أصر الشبل على كلمة "الرئيسية"، بصفتها خطأ مشهورا خير من صواب مهجور.
وإضافة إلى تلك الجائزة، حصل في وقت لاحق على جائزة محمد حسن عواد من نادي جدة الأدبي، عن منجزه الشعري كاملا، وهي أول جائزة أدبية يحصل عليها، كونه لا يتقدم عادة بنفسه للمشاركة في الجوائز، لكنها كانت معزيا له بعد حجب جائزة سوق عكاظ في ذلك العام "2011" التي كان الزيد يمني نفسه بها.

المولع بالنفي

تطغى على شعر الراحل عبدالله الزيد النبرة الحزينة، ومرد ذلك إلى الفراق الذي يبعده عن محبيه، مسافة أو موتا، ولا سيما رحيل والديه، وشقيقيه، وفقدان الأحباب، وتجاربه مع موت الأصدقاء، فكان الوفي الذي يرثيهم، واصفا ألمه وإحساسه بالفقد.
كان يرى أن الحزن معادل موضوعي للإنسان، أما في شعره فكان يوصف كذلك بـ"المولع بالنفي"، فهو الذي صدر له ديوانا "ما لم يقله بكاء التداعي" و"مورق بالذي لا يكون"، ويستشهد له أدباء وباحثون بعشرات الأبيات التي تضمنت النفي، مثل "وكم أنا منفتل بالذي لا يجيء، ومنفعل بالذي قد يموت، ومنكفئ بالذي لا أطيق، وفي نفسي نفس لا يفيق"، في متلازمة ارتبطت بالزيد، وأصبحت علامة مميزة له.
كما كانت العناوين الطويلة والممدودة لدواوينه سمة أخرى، ومدرسة سلكها بعض الشعراء من بعده، مثل "ومن غربة الشكوى.. يسري كتاب الوجد.. يتلو سراج الروح"، "وانبسطت أكف الرفاق.. بقي الجمر في قبضتي أغني وحيدا"، "مشرع برحيق الذهول يهطل الوجد بالمستحيل"، "وآه من سطوة الفقدان.. آه من موت العبارة"، "بكيتك نوارة الفأل سجيتك جسد الوجه"، "وأمد الدمع من عيني لبدء الريح".
عرف عن الزيد أسلوبه المسترسل، ولعل طبيعته الكتابية هذه جعلته بعيدا عن منصات التواصل الاجتماعي، ومنها "تويتر"، في الوقت الذي سبقه فيه أصحابه من الأدباء والشعراء، مبررا غيابه بقوله "لا أرضي نفسي عندما أكتب سطرا أو سطرين".

فلسفته في الشعر

كتب الزيد الحب في قصائده، وكان له تفسيره الخاص للغزل في الشعر، لم يكن يحبذ أبو عبدالرحمن القصيدة التي تتحدث عن جسم المرأة، والتجسيد الحسي لأعضائها، كان يراه غزلا مسطحا، ووفق رؤيته، فإن الغزل هو الحب.
وفي إجابة عن سؤال عميق عن عدم انتشار شعر الزيد مقارنة بشعر الراحل الثبيتي وآخرين، يجيب كما يقيمه النقاد بأن لغته غامضة، سببها النشوة بامتلاك الزيد للغة، وينحت من اللغة أشياء جديدة، وانعكس ذلك على المتلقي، الذي عد نصه مغلقا، وزاد في حوار تلفزيوني بأن عبارات الثبيتي سهلة ممتنعة، يسهل تقبلها.

في نبله آية

الكتابة عن إنسان محبوب وصديق للجميع كالزيد مهمة تبدو صعبة للغاية، كون الراحل قدم الكثير للأدب والأدباء، ومواقفه يذكرها أصدقاؤه بمحبة وإخلاص، وإن كان صاحبها لا يفضل الحديث عنها في مجلسه، ولا ينقطع وده مع من تربطه بهم سجالات ومعارك أدبية.
رثاه الدكتور عبدالله الغذامي أستاذ النقد في جامعة الملك سعود حينما كتب "تغمدك الله برحمته، ترحل بقلبك النقي الطاهر، كنت المحب للجميع والمقدر للجميع، حتى خصومك الذين آذوك، كنت البار بأمك، ومن جثا بين يديها، ورعاها في مرضها، وتركت عملك وشعرك ووهج حياتك من أجلها، أنت يا من عمرت اللغة والثقافة والإعلام إبداعا وذوقا حرا وشجاعة مواقف"، ومثله كتب الدكتور سعد البازعي أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة الملك سعود معزيا "عزائي لكل من عرف طيبته وجمال روحه وعطاءه الفذ، هو فقيد وطن قبل أن يكون فقيد أحبة وأصدقاء".
وكتب عنه الأستاذ بدر العساكر مدير المكتب الخاص لولي العهد "يرحل الأستاذ عبدالله عبدالرحمن الزيد، رحمه الله، وفي الذكريات منه كثير.. مذيع لافت، وشاعر صادق، ومثقف عميق، وسيظل الرجل النبيل دائما".
وأجاد وصفه الكاتب والأديب سعيد السريحي، بقوله "كان من أرقى من عرفت خلقا وأشدهم وفاء وأطيبهم نفسا، كان أمة وحده في رقيه وعفته وكرمه ونبله"، ونعاه الشاعر جاسم الصحيح "فقيد الوطن والشعر والثقافة والإعلام عبدالله الزيد.. كان في نبله آية، وفي نقائه سماء، وفي شعره قيمة، وفي شجاعته قمة.. رحمه الله تعالى".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون