الميزانية ما زالت تأخذ الجانب المتحفظ في تقديرها لإيرادات الدولة
بفضل النمو الكبير في أسعار النفط الخام في سوق النفط العالمية وزيادة إنتاج السعودية النفطي ضمن جهودها لتهدئة السوق النفطية بعد الارتفاع الحاد الذي شهدته أسعار النفط الخام الصيف الماضي، واصلت مؤشرات الأداء الاقتصادي في السعودية تحقيقها معدلات متميزة. فالإيرادات الحكومية خلال عام 2005 جاءت ضعف ما كان مقدرا لها في ميزانية العام الحالي وصولا إلى 555 مليار ريال، وبما أن الإنفاق الفعلي لم يزد عن المقدر له في الميزانية إلا بمبلغ 61 مليار ريال، فقد بلغ فائض الميزانية خلال العام الحالي 214 مليار ريال، ما سمح بتراجع الدين العام إلى 475 مليار ريال، بعد أن كان مقدرا له أن يبلغ بنهاية العام الحالي ما يزيد على 600 مليار ريال، ما سيمكن السعودية خلال أقل من ثلاثة أعوام في حال مواصلة السوق النفطية أداءها الجيد، وهذا هو المتوقع، أن تتخلص تماما من دينها العام.
مختلف قطاعات الاقتصاد السعودي واصلت تحقيق معدلات نمو إيجابية خلال العام الحالي بحيث تجاوز الناتج المحلي الإجمالي ولأول مرة في تاريخه حاجز التريليون ريال وصولا إلى 1.15 تريليون ريال، بمعدل نمو بلغ بالأسعار الجارية 22.7 في المائة، وبنسبة بلغت 6.5 بالأسعار الثابتة. الموازين الخارجية هي الأخرى تحسنت بصورة هائلة حيث حقق الحساب الجاري فائضا تاريخيا بلغ 460 مليار ريال بمعدل نمو سنوي تبلغ نسبته 45 بالمائة، وحقق فائض ميزان المدفوعات نموا بلغت نسبته 67.7 في المائة وصولا إلى معدل غير مسبوق قدره 194 مليار ريال.
الميزانية السعودية لعام 2006، تماما كما حدث في ميزانية العامين الماضيين، ما زالت تأخذ الجانب المتحفظ في تقديرها لإيرادات الدولة، فالإيرادات الحكومية في العام المقبل قدرت بـ 390 مليار ريال فقط, وهو ما يقل بنسبة 30 في المائة عن الإيرادات الفعلية المتحققة خلال العام الحالي. وحيث إنه لا يتوقع حدوث أي تراجع في السوق النفطية خلال عام 2006، بل معظم التوقعات تشير إلى عكس ذلك، فإن المتوقع أن تكون الإيرادات الفعلية أعلى بكثير مما قدر في الميزانية. ورغم أن المصروفات الحكومية هي الأخرى قدرت بتحفظ وصولا إلى 335 مليار ريال أو بأقل من المنصرف الفعلي خلال عام 2005 البالغ 341 مليار ريال، ويتوقع تجاوز المنصرف الفعلي تلك التقديرات، إلا أنه لا يتوقع أن يشهد الإنفاق الحكومي نموا حادا خلال العام المقبل، ما يجعل ميزانية السعودية مرشحة لتحقيق فائض كبير خلال عام 2006 أيضا.
أيضا استمرت السعودية في نهجها الذي اتبعته في ميزانية العامين الماضيين، والمتمثل في التركيز الواضح على إعادة تأهيل البنية التحتية والتجهيزات الأساسية وتطويرها. فبسبب التراجع الحاد في إيرادات الدولة منذ منتصف الثمانينيات الميلادية، وفي ضوء النمو السكاني العالي، زاد الضغط على البنية التحتية ومختلف الخدمات الحكومية، وبدأت بعض الخدمات وخاصة التعليمية والصحية تعاني اختناقات واضحة. لذا فقد تضمنت ميزانية العام المقبل العديد من المشاريع الاستثمارية الداعمة للبنية التحتية والتجهيزات الأساسية والتي شملت توسعا كبيرا في إنشاء المدارس والكليات والجامعات، إنشاء وتجهيز العديد من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، إنشاءات طرق برية يبلغ مجموع أطوالها 5700 كيلو متر، تجهز البنية التحتية للتوسعة الكبرى المزمع تنفيذها في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، ومشاريع استثمارية في قطاعات أخرى عديدة، يؤمل أن تسهم جميعا في تحسين البيئة الاستثمارية ورفع كفاءة ومستوى الخدمات المقدمة للمواطن في مختلف القطاعات الخدمية.
إن توجه الدولة لإنشاء صندوق للإيرادات النفطية، كما دعت إلى ذلك خطة التنمية الثامنة التي أقرت الشهر الماضي، يعني أن السعودية ستسعى لتحاشي زيادة الإنفاق الحكومي بمعدلات عالية تضر بعملية الإصلاح الاقتصادي، وأنها تخطط لاستثمار فائض إيراداتها النفطية بحكمة تحسبا لأي تراجع محتمل في أسعار النفط مستقبلا، ما يمكن الدولة من تجنب التسبب في إحداث تراجع كبير في النشاط الاقتصادي نتيجة لتراجع الإنفاق الحكومي تبعا لتراجع الإيرادات النفطية.