إبراهيم القاضي .. أبو المسرح الهندي والواصل بين حضارتين

إبراهيم القاضي .. أبو المسرح الهندي والواصل بين حضارتين
حاز القاضي جائزة هيئة الإذاعة البريطانية عام 1950 وجوائز دولية عريقة.
إبراهيم القاضي .. أبو المسرح الهندي والواصل بين حضارتين
وزير الثقافة في زيارة سابقة للقاضي في منزل الأخير.

بحزن عميق، رثت الأوساط المسرحية والفنية المخرج السعودي إبراهيم القاضي، العاشق للفن، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة الأسبوع الماضي، بعد أن قضى عمرا في مسارح الهند، مكللا المسيرة بإنتاج أكثر من 50 مسرحية، وجوائز عالمية، ومعارض ومؤسسات ثقافية في عواصم العالم.
تلك باختصار قصة القاضي مع الفن، الذي نجح في تبوُّء مكانة مرموقة في الفن المسرحي، وكان جسرا ثقافيا وحلقة وصل بين حضارتين عريقتين، وتتلمذ على يديه كبار نجوم بوليود، حتى أطلق عليه لقب الأب الروحي للمسرح الهندي الحديث.
مسرحي منذ التاسعة
في حياة القاضي كثير من المفارقات ومزيج الثقافات المثمر، كان ذلك بسبب انتقال والده الرحالة التاجر إلى الهند، وهناك ولد - لأم كويتية - في عام 1925، في مدينة بيون التي تبعد نحو 150 كيلو مترا عن مدينة مومباي، وفيها نشأ وتلقى تعليمه الأولي والجامعي، وتزوج وأنجب عائلة فنية عاشقة للمسرح، فزوجته مصممة أزياء مسرحياته، وابنته تولت إدارة الكلية الوطنية للدراما، وابنه مخرج مسرحي.
وفي توثيق صحافي لابن أخيه بدر بن حمد القاضي، ذكر أن الراحل بدأ حياة المسرح مبكرا، متأثرا بأمين المكتبة في مدرسته، الذي حثه على المشاركة في المسرحية السنوية للمدرسة بين عمر التاسعة والـ14.
ولم يكن تركيز الفنان الراحل إبراهيم القاضي منصبا على المسرح وحده، فقد كان متعدد المواهب، فهو المخرج والممثل والرسام والمصور الفوتوغرافي، والمهتم بجمع القطع التراثية النادرة، وأنشأ معرضا للفن التراثي عام 1978، ومنذ ذلك الحين أقام ونشر أكثر من 150 معرضا ومطبوعة، وأنشأ مؤسسة غير ربحية باسم مؤسسة القاضي للفنون في نيودلهي لحفظ الصور النادرة والتراثية، ويزيد عددها على 90 ألفا، جمعها القاضي خلال 30 عاما، مقامة على ثلاثة طوابق، وتحتوي أيضا آلاف الكتب النادرة عن التاريخ الهندي.
إلى جانب تلك المؤسسة، أطلق نظيرتها في نيويورك، وهذه المرة كانت تعنى بالفنون، ففي 1986 أنشأ مركز الفنون الدولية المعاصرة، لتشجيع الفنانين والمهتمين، بعد أن سافرت معارضه الخاصة بأعماله الفنية إلى الهند والمملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى.
تتويج المشوار
"القيم الشخصية التي حققها الفنان "القاضي" في المشهد الفني الهندي، إضافة إلى التزامه المستمر في تعليم الآخرين وتنمية مهاراتهم الثقافية، تجد تقديرا بالغا في المملكة العربية السعودية".. بهذه الكلمات وثق الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة شهادته بالفنان الراحل، ذلك حينما التقاه في مايو من العام الماضي، في نيودلهي، محتفيا به بتأسيس كرسي باسمه، واصفا الأعمال الرائدة التي قدمها القاضي بأنها فتحت آفاقا واسعة في مجالات المسرح والفنون في دولة الهند، وأنجبت جيلا مميزا من الفنانين.
تكريمه من قبل أمير الثقافة لم يأت من فراغ، بل جاء تتويجا لمشوار ناهز الـ70 عاما، قضاها القاضي في بلاط المسرح، كما منحته إدارة مهرجان أفلام السعودية جائزة النخلة الذهبية، وكان شخصية المهرجان في دورته الثانية عام 2015.
لقاء رئيس الوزراء
جوانب كثيرة من حياة القاضي لم تكن معلومة لجمهور الفن، ولا سيما أبناء وطنه، فالقاضي ألف وأخرج أكثر من 50 مسرحية، ظل المشاهدون يحضرونها رغم مرور الوقت، وخرجت فنانين وفنانات، هم اليوم نجوم السينما الهندية.
تطور القاضي من مسرحياته بجهود ذاتية، كانت مسرحياته تبدأ بفنان واحد، ثم اثنين فثلاثة وأكثر، ثم تطورت معاييره وأداؤه وإخراجه إلى مرحلة أصبح يؤدي فيها مسرحيات شكسبير بكل سهولة وسلاسة، وبلغات متعددة، دون أن يحصر نفسه في طابع واحد، متنقلا بين الكلاسيكيات والكوميديا، في مسرحه المستقل الذي أسسه، وكان له بصمة وهوية فريدة.
في التقرير الذي جمعه بدر القاضي حول عمه الراحل، ذكر قصة لقائه رئيس الوزراء الهندي، حين قابله في بريطانيا، وكان يدرس القاضي المسرح في الأكاديمية الملكية للفن الدرامي، بدعم من والده، وطلب منه رئيس الوزراء العودة إلى الهند وتأسيس فرقة مسرحية.
وبالفعل، عاد القاضي إلى الهند، حيث استقبل استقبالا كبيرا، وأعفي من رسوم المسرح، وأسس أكاديمية علمية تراعي أصول المسرح العالمي من أضواء وصوت وملابس وديكور وملحقات، إضافة إلى مكتبة مسرحية، وأسس لاحقا الكلية الوطنية للدراما، وقادها بين عامي 1962 و1977، التي تقدم تدريبا في مختلف فنون العمل المسرحي مدته ثلاثة أعوام، ما أثرى المسرح الهندي المعاصر.
وفي عام 2006، أسس مؤسسة القاضي للفنون في نيودلهي، التي غيرت ملامح المسرح، وأسهمت أبحاثه الأكاديمية في تطويره وتغييره مفصليا، مقدما كل خبراته وحصيلته المعرفية بحب وشغف.
في تصريحاته التلفزيونية كان يؤكد فكرة اكتشاف المواهب وتشجيعها، وإعطائها كل الدعم المعنوي، الذي يجب أن يكون أهم بكثير من الدعم المالي، واستخراج الصلابة التي تكمن فيهم، على حد تعبيره.
كان إبراهيم القاضي أول من أدى مسرحياته في الهواء الطلق، كما كان رئيس الوزراء يحضر مسرحياته مذهولا، وضيوف الدولة ومشاهير العالم يحضرون مسرحياته، لقيمتها الفنية العالية.
حزن عالمي
حاز "ابن عنيزة" جائزة هيئة الإذاعة البريطانية عام 1950، وجوائز دولية عريقة، أهمها جائزة بادما فيبوهشان للفنون عام 2010، وهي ثاني أعلى جائزة مدنية على مستوى الهند تسلم باليد من رئيس الهند شخصيا، كما حصل على جائزة بادما بوشن، التي تعد ثالث أعلى جائزة مدنية على مستوى الهند 1991، كما حصد جائزة فارس الفنون والكتابة من الحكومة الفرنسية.
رحل القاضي تاركا خلفه إنجازات فنية عظيمة، نعته الصحافة الهندية ووصفته بعراب المسرح، والأسطورة، وأبو المسرح الهندي، كما رثاه مسؤولون وفنانون عالميون، منهم ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي، الذي أعرب في تغريدة على حسابه الرسمي في "تويتر" عن حزنه لوفاة القاضي، ونوه بجهوده، قائلا، "إنها زادت من شعبية المسرح، وسهلت الوصول إليه في أنحاء الهند، مساهماته في عالم الفن والثقافة جديرة بالملاحظة أيضا، حزين على وفاته".

الأكثر قراءة