عملية شد حبل كبرى بين الإرث الاشتراكي والضرورة الرأسمالية

عملية شد حبل كبرى بين الإرث الاشتراكي والضرورة الرأسمالية

"دعونا نحرّك المزيد من الحريّة"، هذه الجملة السياسية، لا بل والشخصية أيضاً، كانت أول تصريحات الحكومة من قبل المستشارة الجديدة، أنجيلا ميركل من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مجلس البرلمان الألماني.
وحقيقة أخرى من تركة لودفيج إيرهارد وُجدت في إنجازات مستشارة الاتحاد: "اقتصاد السوق الاشتراكي يحظى بنجاح أكبر بالنسبة لنا ويُشكّل صورة مثالية للبقية". وكذلك ما يمكن قراءته في عقد الائتلاف: "قوة تأسيس سوق الاقتصاد الاشتراكية هي أحد شروط النمو الجدي والمزيد من التشغيل في ألمانيا".
وبالفعل فإن ائتلاف السود الحمر عبارة عن حلف مناسب للتذكير باقتصاد السوق الاشتراكية، لإعادة ألمانيا إلى المقدمة من جديد، كما تتصوّر ميركل. والحقيقة هي أن العلماء، والساسة، وممثلي الاقتصاد، وناشطي الرابطات الذين في الوقت نفسه لا يبتعدون عن تصريحات الحكومة سوى دقائق معدودة فيما يخص "محادثات المنازل الجميلة" لائتلافات البنوك الألمانية، أبدوا كذلك شكوكهم.
وجاء الاستهلال من جانب أوتو لامبسدورف، الرئيس السابق للحزب الديمقراطي الحر، والرئيس الحالي لمؤسسة فريدريش ناومان شتيفتونج، حيث انتقد ملحقات السياسة الاقتصادية للائتلاف على أنها ضالة. ومفاوضو عقد الائتلاف فشلوا في الإقناع السياسي. "قوة اقتصاد السوق الاشتراكية الأساسية: من الممكن أن أفهم من هذا أن الحكومة تنسحب"، حسبما يقول لامبسدورف، إذ يتوقع هروب رأس المال "ولكن هذا ليس هو البرنامج". ولا توجد أهمية تتحقق من وراء هدم المعونات المالية"، ومن الممكن أن يكون ذلك "إشارة مصيرية". وسيؤدي ارتفاع قيمة الضريبة المضافة إلى رفع الأسعار، وخفض معدلات التشغيل. ولا يبدو أن الحل الوسط في حماية التسريح مناسب، وبمزيد من ذلك، ستتم حماية أصحاب العمل، وتحديد الفرص على الخارجيين. ويبدو أن خطة العمل "استراتيجية ألمانيا لتكنولوجيا أعلى" ليست سوى زيادة العبء على دافعي الضرائب.
وكان من الممكن أن يكون اقتصاد السوق عبارة عن سياسة من وجهة نظر لامبسدورف، مما يزيد من دعم المنافسة التي يمكن أن تحقق المزيد من المساحة الحرة للشركات، وتخفف من الأعباء، وتُبعد المخاطر. "والشيء الأكثر ضرراً هو خطة إعادة الهيكلة المهمة فيما يخص الضريبة المفروضة على الشركات، وتأثيرها في سوق العمل، ومستوى القطاع الصحي، وتأمين الأجور التقاعدية". ودعا لامبسدورف بإلحاح إلى الرجوع إلى مبادئ اقتصاد السوق الاشتراكية. "بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نحقق معدلات نمو أعلى".
وصرح كلاوس بيتر مولر، رئيس اتحاد البنوك، والمتحدث الرسمي عن البنك التجاري، بأن الصورة مختلطة، وبرنامج الحكومة للائتلاف الكبير يضم بعض الملحقات التي تسير في الاتجاه السليم. وعلى كل الأحوال، فإن الحكومة ملزمة، حيث لا يمكنها الآن أن تختفي خلف مخاوف المواطنين من خطط إعادة الهيكلة. ويشير مولر إلى أن سياسة تطبيق اقتصاد السوق الاشتراكية الألمانية، خاصة مع أدوار الشركات، تبدو متناقضة.
وحسب إحصائية لمؤسسة البحث الاجتماعي، إيبوس، لاتحادات البنوك، هنالك نحو ثلث المواطنين الذين تركوا انطباعاً بعدم موافقتهم على اقتصاد السوق الاشتراكية. إلا أن هذه النسبة تُعد أفضل مما كانت عليه في شهر أيار (مايو) عندما عارض الديمقراطيون الاشتراكيون المناظرات الرأسمالية. وبالفعل فإن الموافقة على اقتصاد السوق الرأسمالية تتزايد منذ عدة أعوام. وفي الشرق تبدو الموافقة أقل نظامية مما هي عليه في الغرب. وأقل من ثلث المواطنين يشيرون إلى أن المجتمع بأكمله يشهد تحسّناً عندما تتمكن الشركات من تحقيق الربح. وبالنظر إلى وزن الاشتراكية، والسوق، فعلى ما يبدو أن الألمان غير متفقين، تماماً مثل النسب التي حققتها انتخابات البرلمان: 40 في المائة يتمنون تعزيزاً أقوى للسوق، و44 في المائة يودون الأمن الاشتراكي. ودوماً تكمن الحقيقة ضمن بعض الشروط في الاقتصاد الحديث. ونحو ثلثي المواطنين يرون أنهم مسؤولون عن تأمين الانتعاش للوضع الاقتصادي، ونحو الثلث يرون أن ذلك من مسؤولية الحكومة.
أما مايكل زومر رئيس المجتمع المهني الألماني، DGB، فعزز تلك المحصّلة بطريقته الخاصة، الناس ينتظرون فرص العمل من السوق الاشتراكية، وكذلك العدالة الاجتماعية. "ولا توجد أغلبية حول سياسة متحررة جديدة"، وأشار زومرإلى أنه لا يمكن للسوق أن تصبح اشتراكية بنفسها، ومن المفترض أن يتم حكمها بطريقة اشتراكية.
ومن الصعب النجاح في تحقيق توافق عام في ألمانيا على قوانين وتشريعات السوق. وذكر المؤرخ، بول نولتي، الخوف الألماني من السوق على أنه يتزايد بصورة لا عقلانية، ويتطوّر ضمن المقارنة الدولية إلى تشديد خاص. ومن المحتمل أن ذلك ثأر، وذلك لأن لودفيج إيرهارد جلب الألمان الغربيين على الشكل الاشتراكي من اقتصاد السوق، وهو الشيء الذي أدى إلى تطوير النسيج التعاوني. وعلاوةً على ذلك، كان على الألمان أن يعتادوا على التفكير في التناقضات، والبحث دوماً عن التعديلات، " الشجاعة، والإنسانية"وهي العنوان الرئيسي لعقد الائتلاف، وهي كذلك مثال على مفهوم اقتصاد السوق الاشتراكية، والسؤال. هو حول ما إذا كانت المنافسة ستتمكن من الاندماج مع السوق بصورة أخلاقية.
وأوضح عالم أخلاق الاقتصاد من ميونخ، كارل هومان، بأن الرفض العاطفي للسوق لا يتعلّق دوماً بالابتكارات الأخلاقية التي تسيء إلى العلاقة، والحوافز الأنانية التي سارت في السابق على أنها فاقدة لحس المسؤولية تماماً. وفي علاقات الاقتصاد العالمي هنالك حوافز شخصية ليست مقررة، والمناسب منها هو مجرّد مفهوم استخدامي للأخلاقية.
وتمنى ديتر ألتهاوس رئيس الوزراء من محافظة تورينجين، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بشدة مثل هذا النوع من الأخلاقية الموضّحة، وإيجاد نهاية للأخلاقية الخاطئة. وتصورات العدالة في ألمانيا، أدت إلى خلق معدلات فارقة من عدم العدالة. والآن يبدو الأمر كالتالي: فرص الحرية تؤدي إلى استغلال المجتمع. واستنتج هومان أن السياسة تصل إلى المهمة في جعل المواطنين يتفهمون القيمة الأخلاقية لاقتصاد السوق وكيفية توظيفها.
وبهدف فتح أعين الناس على ذلك لأن المنافسة أكثر تماسكاً من كونها أجزاء مجزّأة، بحيث يتم تجنّب أخطاء الاستراتيجية الجدلية. وكما حذّر نولتي قبل كل شيء من الترويج الخاطئ لمبدأ اقتصاد السوق، حيث يعترف المرء بالعجز الذي لا يوجد أصلاً. وعلاوةً على ذلك، من المهم أن تتصرف السياسة بطريقة متراصة ، وليس ضد مبادئها، حيث تبرز مسألة الحماية فيما يخص بعض مصالح بعض جماعات الضغط.
وفي النهاية، هناك بلاغيات الحرية الإيديولوجية، كما صرّحت أنجيلا ميركل الأربعاء الماضي التي تُعتبر في الغالب عكس المطلوب، حيث إن أغلب المواطنين عاشوا اقتصاد السوق في الربط بين الضغط والإجبار، إذ لا يرونه حركة تحررية. "نحن بحاجة إلى نظرية مميزة"، هذا ما طالب به هومان، وبالفعل الاعتراف بالحقيقة التي تشير إلى ضرورة الضغط التنافسي لتحقيق المزيد من الحرية للمستهلكين كافة.

شرح الصورة:
بدأت المستشارة أنجيلا ميركل منذ توليها منصبها الجديد بزيارات مهمة لعدد من الدول الأوروبية لتبادل الآراء حول القضايا السياسية والأوروبية ويبدو في الصورة أعضاء الوفد الألماني الذي رافقها في زيارتها إلى فرنسا حيث شهدت الزيارة العديد من البروتكولات المختلفة.

الأكثر قراءة