FINANCIAL TIMES

من دفاتر انتصار "المارينز الألماني" على الفيروس

من دفاتر انتصار "المارينز الألماني" على الفيروس

جيش المتتعبين الألماني

من دفاتر انتصار "المارينز الألماني" على الفيروس

متانة النظام الصحي الألماني أسهمت في الحد من تفشي الفيروس

من دفاتر انتصار "المارينز الألماني" على الفيروس

ألمانيا استنفرت قوى جيشها المدني لمكافحة الفيروس

في نيسان (أبريل) الماضي، تلقى فالتر ليونارد مكالمة غير عادية من السلطات في روزنهايم، مسقط رأسه في جنوبي ألمانيا. لقد منح وظيفة جديدة بمسمى اخترع للتو: "كشاف احتواء".
ليونارد البالغ من العمر 33 عاما، كان يعمل ضابطا لأمن المحاكم في ميونيخ، سرعان ما عاد إلى المنزل ليجري المكالمات. لقد كان آخر مجند في جيش المتتبعين Kontaktmanagers في ألمانيا – أي مشاة استراتيجية احتواء فيروس كورونا.
تتمثل وظيفة ليونارد في الاتصال بمن ثبتت إصابتهم بالفيروس – وكل من خالطوهم - ليطلب منهم أن يعزلوا أنفسهم لمدة أسبوعين. الأمر ليس ممتعا للغاية. يشعر كثير من الناس بالخوف والارتباك عندما يزف الخبر إليهم.
"يسألون كيف سيتمكنون من إطعام أنفسهم، وماذا ينبغي أن يخبروا رئيسهم، وما إذا كان بإمكانهم الذهاب في نزهة على الأقدام - تقول لهم ’لا، يجب أن تبقى داخل جدرانك الأربعة. ’هذا ليس أمرا وضيعا تفعله الحكومة بك - إنه من أجل حمايتك وحماية من حولك‘" على حد قوله.
إلى جانب إغلاقها لمدة ستة أسابيع، كان نظام "التعقب والتتبع" في ألمانيا مفيدا في وقف انتشار فيروس كوفيد - 19 ومنعه من إرهاق النظام الصحي.
وساعد أيضا أن الدولة لديها حكومة تعمل بسلاسة، بقيادة أنجيلا ميركل، التي تجنبت تقلبات السياسة المؤلمة التي شوهدت في أماكن أخرى.
في السابع عشر من نيسان (أبريل) الماضي، أعلنت السلطات أن الوباء تحت السيطرة - بعد أقل من ستة أسابيع من الوفيات الأولى في ألمانيا بسبب كوفيد - 19.
شهدت ألمانيا أول انتشار للفيروس في كانون الثاني (يناير) الماضي، في شركة لتوريد السيارات بالقرب من ميونيخ. تم تحديد المصدر وهو موظف صيني كان يرتاد ورش عمل داخلية هناك.
انتهى الأمر بإصابة عشرة موظفين - واحد بعد استخدام رشاشة ملح أعطاها إياه زميل مصاب بالفيروس. بعد عمل مكثف من التحقيقات والتحري، تم عزل المصابين بفيروس كورونا بسرعة، وتم العثور على أصدقائهم وأقاربهم وتنبيههم.
قال وزير الصحة الألماني، ينس سبان: "تتبع المخالطين كان مهما منذ ما حصل في شركة ويباستو. لقد تمكنا من التعرف بسرعة على جميع سلاسل العدوى وقطعناها. وهذا يعني أننا كنا قادرين على وقف انتشاره في جميع أنحاء البلاد".
يعتقد بعض الخبراء أنه ليس من العدل تماما اعتماد ألمانيا كمثال نموذجي في إدارة الأزمة. يقول هندريك ستريك، أستاذ علم الفيروسات في جامعة بون: "هناك دول نموذجية أخرى حظيت باهتمام أقل، مثل فييتنام، التي لم تشهد أي حالة وفاة على الإطلاق، بفيروس كوفيد - 19".
جزء كبير من أداء ألمانيا الجيد نسبيا يعود إلى الحظ. يقول، "كانت لدينا ميزة أننا حظينا بمزيد من الوقت للاستعداد. شاهدنا الصور من الصين وإيطاليا قبل أن تصلنا الموجة أيضا".
رد فعل ألمانياعلى تلك الصور كان سريعا بشكل أكبر من دول أخرى كما يقول، مع "فحص متسق وتعقب وتتبع". الأرقام تؤيد ذلك. بحلول الأول من حزيران (يونيو) الماضي، كان لدى ألمانيا 183508 حالات كوفيد - 19 مؤكدة، ما جعلها الدولة التاسعة الأكثر تضررا في العالم.
المصابون كانوا 8546 فقط، أي نحو 4.7 في المائة من المجموع، أي 103 حالات وفاة لكل مليون نسمة، مقارنة بـ430 لفرنسا و554 لإيطاليا و579 لبريطانيا.
حصل هذا على الرغم من إغلاق أقل تشددا في أوروبا. إغلاق المدارس والمتاجر غير الضرورية والمطاعم استمر لأسابيع، إلا أن نسبة كبيرة من الشركات والمصانع استمرت في العمل كالمعتاد. كما رفعت ألمانيا أيضا الإغلاق بسرعة أكبر من كثير من جيرانها.
الأكثر أهمية من ذلك أن النظام الصحي لم يتعرض قط لضغط فوق الحد. يقول ستريك، "لم نصل قط لمرحلة يفوق فيها الناس الحد في العناية المركزة. هذا يعني أننا لم نواجه قط الحاجة إلى الفرز - عندما تعالج المرضى الذين لديهم فرصة أكبر في النجاة. بالنسبة إلينا كان الفرز مجرد احتمال نظري، ولم يكن حقيقيا قط".
في روزنهايم، كان يمكن أن يكون الأمر مختلفا تماما. هذه البلدة الصاخبة والثرية على حدود النمسا، كانت من المناطق الأكثر تضررا في البلاد.
العائدون من عطلات التزلج في شروفيتيد في جنوبي تيرول جلبوا معهم الفيروس.
بحلول أواخر أيار (مايو) الماضي، عانت مقاطعة روزنهايم من 183 حالة وفاة بسبب الفيروس و864 إصابة لكل 100 ألف شخص - من أعلى النسب في ألمانيا.
كاتارينا لينهير طبيبة أولى في قسم العناية المركزة الداخلي في مستشفى روزنهايم، وهي منطقة محصنة للغاية ومليئة بأجهزة التنفس الاصطناعي والشاشات وأكوام من القفازات وملابس الوقاية، تتذكر الشعور بالخوف الذي مر به الموظفون في أواخر آذار (مارس) الماضي، عندما توفي مريضهم الأول، رجل في الخمسينات من عمره، بسبب المرض.
"كانت واحدة من اللحظات الأكثر عاطفية، لأنها لم تكن متوقعة وحدثت بسرعة كبيرة. فعلنا كل ما بوسعنا من أجله. قضينا ساعة في محاولة إنعاشه. ولم يساعد ذلك" على حد قولها. تتذكر الشعور بالحيرة الذي استقر في الجناح.
"وقفنا هناك وقلنا، ’حسنا، وصل الفيروس إلى هنا الآن بكامل قوته‘". بحلول منتصف نيسان (أبريل) الماضي، توفي 64 في روزنهايم بالمرض.
المستشفى كان على استعداد جيد للعاصفة المقبلة. زاد عدد الأسرة في وحدة العناية المركزة لمرضى الفيروس من سبعة إلى 63، وأحضرت أجهزة التنفس الاصطناعي من أماكن أخرى، ودمجت الأجنحة، وأعيد بناء عيادات بالكامل، وبنيت مناطق عزل مؤقتة.
تقول لينهير: "في غضون أسبوع، حصلنا على أول جناح إضافي لوحدة العناية المركزة، وفي غضون الأسبوع الثاني حصلنا على آخر".
في الوقت نفسه، احتشد السكان المحليون حول رئيس عيادة تقويم عظام الأطفال، التي كانت مغلقة أثناء الإغلاق، فأرسل أجهزة التنفس الاصطناعي مع موظفين لتشغيلها. شركة تصنيع بلاستيك محلية تبرعت بـ300 متر من الأغطية، تم استخدامها لحماية المصابين بالعدوى.
مع ذلك، حجم الهجوم كان مخيفا. في ذروته في نيسان (أبريل) الماضي، كان لدى روزنهايم 200 حالة مثيرة للقلق - هذا كثير لبلدة يبلغ عدد سكانها 63 ألف نسمة. في يوم جمعة من ذلك الشهر، وضع سبعة مرضى في العناية المركزة في غضون تسع ساعات فقط.
بعد شعوره بالقلق من ارتفاع عدد الإصابات، اتصل ديربيرج فيترام برئيس وزراء بافاريا، ماركوس سودر، في أوائل نيسان (أبريل) الماضي وطلب المساعدة. يقول، "قلت له، ’إذا ساء الوضع، فلن نحتاج إلى فقط إلى أسرة مزودة بأجهزة تنفس اصطناعي - سنحتاج إلى طائرات هليكوبتر لنقل المرضى إلى مستشفيات أخرى‘". قال سودر إنه سيفعل ما بوسعه.
في النهاية، لم يصل الأمر لذلك. دائما ما كان لدى روزنهايم قدرة كافية لوحدة العناية المركزة. يعود ذلك جزئيا إلى حقيقة قاتمة بشأن كوفيد - 19: نصف المرضى على الأقل الذين كانوا على أجهزة التنفس الاصطناعي ماتوا في غضون من أربعة إلى خمسة أيام، البعض عانى فشل في عدة أعضاء - ظاهرة شوهدت في كثير من البؤر الأخرى. هذا يعني أن الأسرة كانت تصبح فارغة بسرعة أكبر مما كان متوقعا.
كانت روزنهايم أيضا قادرة على نقل المرضى الذين استقرت حالتهم إلى عيادات أصغر، حيث تم فصل أجهزة التنفس الاصطناعي وإخراجهم من غيبوبة اصطناعية. تقول لينهير: "بسبب ذلك، يمكننا تحمل ضغط المرضى ومنع حدوث كارثة وتجنب الوضع الذي شهدناه في إيطاليا".
تم تكرار هذا النمط في جميع أنحاء ألمانيا. الجهة التي لعبت دورا رئيسا في تكثيف الاستعدادات كانت وزارة الصحة في البلاد بقيادة سبان، السياسي البالغ من العمر 40 عاما، الذي ينظر إليه منذ فترة طويلة كمستشار محتمل. تدخلت وزارته في وقت مبكر، وطلبت من المستشفيات تأجيل جميع العمليات الاختيارية.
يقول سبان: "هذا حرر كثيرا من قدرة العناية المركزة، ما منحنا حماية مهمة في ذروة الأزمة".
كانت الدعوة مدعومة بحوافز مالية حيث وعدت الوزارة المستشفيات بمبلغ 650 يورو يوميا لكل سرير يبقى شاغرا لمصاب، و50 ألف يورو لكل سرير إضافي ينشأ في وحدة العناية المركزة.
حتى قبل إدخال تلك التدابير، كان لدى ألمانيا أسرة لوحدة العناية المركزة أكثر من الدول الأوروبية الكبيرة الأخرى - 34 سريرا لكل 100 ألف شخص، مقارنة بـ9.7 في إسبانيا و8.6 في إيطاليا.
هذه النسبة زادت أثناء الوباء، حيث ارتفع عدد أسرة وحدة العناية المركزة من 28 ألفا إلى 40 ألف سرير. كان هناك كثير من الأسرة بحيث إن عددا كبيرا منها، في النهاية، بقي فارغا.
على نطاق أوسع، وصل الوباء في الوقت الذي كان فيه نظام الرعاية الصحية في ألمانيا في حالة ممتازة.
يقول سبان، "لم تكن هناك سياسات تقشف في خدمتنا الصحية. باستثناء انخفاض طفيف في 2008 و 2009، كان الإنفاق يرتفع بثبات كل عام منذ 15 عاما".
في حين أن الأزمة المالية أجبرت جيرانها على تقليل النفقات، إلا أن ألمانيا أنفقت الأموال بسخاء على الرعاية الصحية.
من 1993 إلى 2017، ارتفع الإنفاق الحكومي على الصحة بنسبة 130 في المائة إلى 230 مليار يورو سنويا. أحد الأسباب المهمة هو التركيبة السكانية، فالرعاية الاجتماعية للمسنين في ألمانيا تستدعي مبالغ متزايدة باستمرار.
خارج الولايات المتحدة وسويسرا، تنفق ألمانيا الآن أكثر من أي دولة أخرى على الصحة - ما يعادل 12 في المائة من ناتجها الاقتصادي.
جزء من قوة النظام الألماني هو مدى تنظيمه من حيث الموارد المالية وجودة الرعاية - وهو عامل أسهم في مكافحة الفيروس. يقول ديربيرج فيترام، الذي عمل في جميع أنحاء بريطانيا، ويعرف التفاوتات الإقليمية في خدمة الصحة الوطنية: "مشهد المستشفيات لدينا متجانس للغاية. لا توجد نقاط ضعف حقيقية - مستوى الرعاية هو نفسه في كل مكان".
كما يستفيد نظام ألمانيا أيضا من كونه لامركزيا أكثر من خدمة الصحة الوطنية، على سبيل المثال. مستشفيات المدن غالبا ما يسيطر عليها رؤساء البلديات المنتخبون، وليس الحكومة الإقليمية أو المركزية.
يقول ديربيرج فيترام: "عمدة روزنهايم يحتاج إلى مدارس رائعة، وأحواض سباحة ومستشفى رائع، هذه هي الحال بالنسبة إلى عمدة هاملين وعمدة مونستر أيضا".
سبان يعد الطبيعة اللامركزية لتوفير الصحة نقطة قوية. مئات العمد "لا يتلقون فقط الأوامر من الأعلى. يجب أن يتحمل كثير من الأشخاص المسؤولية ويتخذوا قرارات مستقلة. وإذا لم يفعلوا، عليهم تبرير موقفهم لناخبيهم".
توفر روزنهايم مثالا ممتازا. مع تفاقم الأزمة، تم تشكيل "فريق إدارة الحماية المدنية"، يتألف من مسؤولين محليين وكبار الأطباء من جميع المستشفيات الإقليمية.
يقرر الفريق تحديد المرضى الذين سيرسلون ومكان إرسالهم، وكيفية مشاركة معدات الحماية النادرة، وأين يمكن توفير قدرة إضافية. يقول ديربيرج فيترام: "لم تكن هناك فعلا تعليمات من برلين. تم اتخاذ القرارات محليا، على الفور".
طبيعة اتخاذ القرارات الموزعة لعبت أيضا دورا كبيرا في التوسع السريع لإجراء الاختبارات - وهي سمة رئيسة لاستجابة ألمانيا للوباء. تخلت بريطانيا عن إجراء الاختبارات الجماعية في آذار (مارس) الماضي، وركزت موارد الاختبارات المحدودة على المستشفيات بدلا من ذلك.
في الشهر نفسه، أجرت ألمانيا نحو 160 ألف فحص كل أسبوع، بناء على فحص تشخيصي طوره مستشفى تشاريتيه Charité في برلين. بحلول منتصف أيار (مايو) الماضي، ارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 360 ألف فحص أجراه 128 مختبرا من القطاعين العام والخاص.
كانت الاختبارات منتشرة في روزنهايم. في أوائل آذار (مارس) الماضي، ساعد فريتزإيلر، وهو طبيب عام محلي، في إنشاء مركز دخول بالسيارة، في موقف مركزي. سرعان ما فاض بالناس. يقول: "في ذروته، كنا نجري 100 اختبار في اليوم هنا".
يضيف أنه في وقت لاحق، اجتمعت عيادات الطب العام المحلية معا، حيث تم استئجار المباني وإنشاء مراكز التشخيص. هذا خفف العبء عن المستشفيات المحلية "التي، على أي حال، لم تكن لديها القدرة على إجراء عدد كبير من الاختبارات بنفسها".
كان انتشار الاختبارات يعني أنه تم تحديد الحالات في مرحلة مبكرة جدا، ويمكن إدخال الأشخاص إلى المستشفى قبل أن تسوء حالتهم - أحد الأسباب في انخفاض معدل الوفيات في ألمانيا نسبيا.
يقول ديربيرج فيترام: "في إيطاليا، انتظر الناس لفترة طويلة وعند وصولهم إلى المستشفى كانوا مرضى للغاية. هذا أرهق الخدمة الصحية هناك. في ألمانيا، كان العكس".
في الوقت نفسه، كانت السلطات تشدد تدريجيا القيود على الحياة العامة. في الثامن من آذار (مارس) الماضي، أوصت بإلغاء جميع الأحداث العامة الكبيرة. معظم ولايات ألمانيا البالغ عددها 16 ولاية أغلقت المدارس ورياض الأطفال. كما أغلقت الحكومة المتاجر والمطاعم وحظرت الاجتماعات لأكثر من شخصين.
بالتزامن، أطلقت برلين حزمة مساعدات اقتصادية تعادل 10.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد - أكبر من أي دولة غربية أخرى.
تضمنت الحزمة صندوقا بقيمة 100 مليار يورو لشراء حصص في الشركات المتضررة، و50 مليار يورو على شكل منح مباشرة للشركات الصغيرة المتعثرة، وعشرة مليارات يورو لخطة موسعة للعاملين المجازين. كانت المساعدة مفيدة للغاية - وفقا لتوقعات الحكومة، ستواجه ألمانيا هذا العام أسوأ ركود في تاريخها بعد الحرب العالمية الثانية.
في حين أن الحكومة الفيدرالية في برلين قادت الاستجابة الطارئة من المالية العامة، إلا أنه تم تنسيق إجراءات الإغلاق في سلسلة من المؤتمرات الهاتفية بين ميركل ومحافظي الولايات الفيدرالية، حيث وظفت المستشارة صلاحياتها للإقناع بالتوصل إلى إجماع وطني.
تقول راينهارد بوسي، رئيس قسم إدارة الرعاية الصحية في جامعة برلين التقنية: "هذا ليس في دستورنا - تم ابتكاره حديثا للفيروس. لقد أصبح الجهاز المركزي لإدارة الأزمة، وضمن أن الاستجابة في ذروة الوباء على الأقل كانت موحدة للغاية".
على الرغم من وجود توترات عرضية، إلا أن الشجارات الحادة لم يسمع بها في ألمانيا. هيلجه براون، رئيسة مكتب المستشارة أشرفت على معظم تلك السياسات. باعتبارها طبيبا مختصا في التخدير، عمل لأعوام في عيادة العناية المركزة وإدارة الألم. تقول بوسي: "من المهم أن تكون المستشارة عالمة ورئيس مكتبها طبيبا. شكل ذلك استجابتنا لهذا الوباء".
يقول ينس ديربيرج فيترام إن اعتماد ميركل الكبير على الخبراء كان عاملا حاسما في الأزمة. "قبل أن أفعل أي شيء، يجب أن أفهم ما يحدث هنا" هكذا قالت المستشارة الفيزيائية في الأصل. هذا يعني أن كبار علماء الفيروسات في ألمانيا لعبوا دورا كبيرا في صياغة السياسة. ويقول فيترام: "كان هناك موقف من نوع ’الجدية التامة‘ سيطر على جميع عمليات اتخاذ القرار".
كان لدى ميركل أيضا سلاح سري يسمى Gesundheitsämter أي الشبكة المكونة من 400 سلطة صحية محلية في ألمانيا، التي كانت تقوم بتتبع المخالطين منذ أعوام.
بكونها لم تكن تحظى بتمويل كبير ولديها نقص في العمالة، كانت تقود شيئا يشبه وجود الظل. قلة من الناس كانت لديهم فكرة عن سبب وجودها، باستثناء قياس جودة مياه الشرب ومعالجة تفشي الحصبة.
يعترف الوزراء بأنها لم تكن موضع تقدير كبير. يقول سبان: "على مر السنين، لم تكن تتلق الاهتمام الذي تحتاج إليه. تم تحقيق كثير من الوفورات وخفض مستويات التوظيف". عندما وصل الوباء، تم تعزيزها بالمال والقوة العاملة، لتصبح واحدة من الركائز الأساسية لاستجابة ألمانيا للأزمة.
عندما وصل الوباء إلى روزنهايم، تلك الشبكة المحلية هي التي تحملت العبء الكامل. يقول فولفانج هيرل، رئيسها وهو رجل نحيل طويل القامة الذي يعمل من مكتب غير فاخر مليء بالرسومات البيانية عن حالات الفيروس: "كنا نرى بين 130 و150 حالة جديدة يوميا. كان الأمر يشبه انهيارا ثلجيا".
شرعت السلطة على الفور في مهمة تتبع المصابين وحجرهم صحيا، فضلا عن مخالطيهم. تم انتداب الموظفين من أجزاء أخرى من الحكومة المحلية للمساعدة.
يقول هيرل: "حصلنا على مسؤول غابات، وشخص من سلطة المياه، وكان لدينا موظف من الكازينو الذي تديره الولاية". سرعان ما أصبح من الواضح أن هناك حاجة إلى المزيد.
في التاسع عشر من آذار (مارس) الماضي، أعلن معهد روبرت كوخ، هيئة الصحة العامة الرئيسة في ألمانيا، عن حاجته إلى توظيف 525 "كشاف احتواء" للمساعدة.
تلقى أكثر من 11 ألف طلب. خصصت وزارة سبان 11.25 مليون يورو لتمويل البرنامج، وتعهدت أن كل مقاطعة في ألمانيا ستحصل في النهاية على خمسة كشافين لكل 20 ألف شخص.
تلقت روزنهايم دعما بشكل تلقائي، بما في ذلك مجندين جدد مثل فالتر ليونارد. يقول هيرلك "حصلنا على جميع الأنواع - من طلاب الإدارة إلى مفتشي الضرائب المستقبليين". سجل ألمانيا يتناقض مع استجابة بريطانيا البطيئة، حيث تم إطلاق برنامج الاختبار والتتبع التابع للخدمة الوطنية، لاحقا.
يعترف ليونارد أن العمل كان مرهقا في البداية:"عامل الوقت كان مهما فعلا - كلما عثرت على المخالطين بشكل أسرع، زادت فعالية إبطاء العدوى. وكان هناك كثير من الضغط لأن كل شخص مصاب اختلط بنحو عشرة أشخاص كان عليك الاتصال بهم".
كثير من العمل يتضمن شرح قواعد العزل الذاتي، ومن ثم التحقق من الأشخاص أثناء حجرهم الصحي، وسؤالهم عما إذا ظهرت عليهم أي أعراض، وإذا ظهرت ما إذا كانت تصبح أسوأ.
"كان هناك أشخاص يشعرون بلسعة في عيونهم أو شلل في وجههم ويعتقدون أن هذا يعني أنهم مصابون بالفيروس. إنهم بحاجة إلى كثير من الطمأنينة - إنهم خائفون جدا".
ليونارد لديه أمور أقل للقيام بها هذه الأيام. السلطات تبقيه في وظيفته على أية حال. يقول سبان: "الآن مع انخفاض عدد الحالات الجديدة، فإن تتبع المخالطين سيصبح أكثر أهمية، حيث سيسمح لنا بتحديد كل تفش صغير وإخماد كل حريق صغير".
بينما كان كشافة روزنهايم يذهبون إلى العمل، كان مستشفى البلدة يتكيف مع واقع كئيب جديد. كان موظفو وحدة العناية المركزة يتحملون نوبات عمل لمدة سبع ساعات، وهم يرتدون معدات الوقاية الكاملة - أقنعة التنفس وأغطية بلاستيكية وواقيات الوجه وملابس جراحية وزوجين من القفازات.
عانى البعض من تهيج الجلد والأكزيما. تعترف لينهير أنها في البداية "كادت تفقد الوعي" من اضطرارها إلى ارتداء كثير من معدات الوقاية الشخصية.
وتقول "الأمر مرهِق للغاية".
العبء الأكبر كان الحظر المفروض على زوار أجنحة مرضى كوفيد - 19: "هذا أثر فينا فعلا". تتذكر المكالمات الهاتفية المؤلمة مع الأقارب: "تقول لهم إن أحباءكم على وشك الموت، لكن من أجل حمايتكم لا يمكنكم المجيء لتوديعهم".
حاول الموظفون التعويض بأفضل ما بوسعهم. في لحظات المريض الأخيرة، كان الطاقم الطبي الذي عالجه يجتمع عند سريره. تقول: "في وحدة العناية المركزية التي أعمل فيها، لم يمت أي شخص وحيدا".
صحيح أن ألمانيا أكثر فعالية من دول أخرى في احتواء الوباء، لكن الأزمة أيضا سلطت الضوء على بعض أوجه القصور العميقة في النظام.
إحدى القضايا الرئيسة: النقص الحاد في معدات الوقاية الشخصية، خاصة الأقنعة - على الأقل في بداية الهجوم. مثل دول أخرى، وجدت ألمانيا نفسها مضطرة إلى التجول في العالم بحثا عن إمدادات شحيحة بشكل متزايد تماما، في الوقت الذي كانت مستشفياتها في أمس الحاجة إليها.
يقول هندريك ستريك: "اكتشفنا مدى اعتمادنا على الصين لتزويدنا بالأقنعة. ربما كان من المنطقي وجود مركز توزيع مركزي، مع شراء مركزي لمعدات الوقاية الشخصية".
تتذكر لينهير التدافع لشراء نظارات الغوص وأقنعة اللحام. هي وزملاؤها الآن يخزنون بعناية الأقنعة التي كانوا فيما مضى يتخلصون منها بعد الاستخدام: "أقنعة التنفس FFP تكلف 13 يورو لكل منها الآن، بينما كانت بتكلفة بضع سنتات" قبل التفشي.
سبان يدرك العيوب ويقول: "هل كان ينبغي أن يكون لدينا مزيد من الأقنعة الواقية في ألمانيا؟ عند استعادة الأحداث، نعم".
وهو يسعى إلى تصحيح الوضع: في نيسان (أبريل) الماضي، نحو 50 شركة فازت بمناقصة تديرها الحكومة لإنتاج 50 مليون كمامة أسبوعيا اعتبارا من آب (أغسطس) المقبل.
كما تبين أن ألمانيا كانت بطيئة أيضا عندما يتعلق الأمر بإنتاج تطبيق تتبع، من المفترض أن ينبه المستخدمين في حال خالطوا أي شخص مصاب.
كان يفترض أن يكون هناك تطبيق جاهز في وقت ما في حزيران (يونيو) الجاري - بعد شهرين من الوقت المخطط.
حتى عندما يتم تشغيله، ليس هناك يقين بأن الألمان - بذكرياتهم عن البوليس السري في العهد النازي والبوليس السري في ألمانيا الشرقية، أكثر اهتماما بخصوصية البيانات من كثير من جيرانهم - سيعتمدوه.
أجهزة تتبع المخالطين القديمة مع قلم وهاتف في اليد ربما ستبقى الدعامة الأساسية للنظام لبعض الوقت في المستقبل.
في الوقت نفسه، تباطأت معدلات الإصابة. تعلن ألمانيا الآن عن بضع مئات من الحالات يوميا، مقارنة بستة آلاف يوميا في أوائل نيسان (أبريل) الماضي. مع تراجع الأزمة، انهارت وحدة الهدف التي حددت النهج الأولي للبلاد.
في نيسان (أبريل) الماضي، أعربت ميركل عن إحباطها من طريقة "عدم التروي" عندما سارعت بعض الولايات إلى تخفيف الإغلاق.
اندلعت هذه الاختلافات إلى العلن عندما سعت المستشارية إلى توسيع قيود ألمانيا على التواصل الاجتماعي حتى الخامس من تموز (يوليو) المقبل. تمردت الولايات، وأصرت على إلغائها بحلول التاسع والعشرين من حزيران (يونيو) الجاري. بعض الولايات الآن تتجاهل برلين بشكل متزايد وتضع قواعدها الخاصة.
في روزنهايم، لا تزال القيود الصارمة قائمة: بإمكان أشخاص من عائلتين فقط الالتقاء في وقت واحد، سواء في الأماكن العامة أو الخاصة. تم تخفيف قيود أخرى. في أواخر الشهر الماضي، امتلأت الشوارع مرة أخرى بالعائلات وأعيد فتح المتاجر.
يقول هيرل: "يشهد الناس ربيعا ثانيا. إنهم يخرجون مرة أخرى، يتسوقون ويجلسون في الحدائق. كل هذا رائع"، لكنه يخشى أنهم سينسون التباعد الاجتماعي - ومن ثم قد يتفشى الوباء مرة أخرى، مضيفا: "لا أريد العودة إلى 150 حالة يوميا. لقد كان ذلك وقتا فظيعا فعلا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES