«طبيب الغلابة» وأطباء التجميل
في البرنامج الرمضاني الشهير "قلبي اطمأن"، الذي يقدمه الشاب المبدع غيث، التقى في إحدى حلقاته الطبيب المصري محمد مشالي، الشهير بلقب "طبيب الغلابة"، ورغم بلوغه 76 عاما، إلا أنه كان يخرج من بيته الساعة التاسعة صباحا إلى عيادته المتواضعة في أحد الأحياء الشعبية ويعمل فيها مقابل عشرة جنيهات للكشف الواحد، وعند الساعة العاشرة مساء يركب المترو متجها إلى قرية بعيدة، ليعمل بنصف الأجر المتواضع، ثم يعود إلى منزله في الساعة الـ12 ليلا بعد قضائه 15 ساعة عمل بين المرضى "الغلابة"، الذين لا يمكن أن يحصلوا على الكشف الطبي في أي مكان لولا إنسانية "طبيب الغلابة" وإحساسه بظروف البسطاء وأحقيتهم بتلقي الكشف والعلاج. حين التقاه مقدم البرنامج غيث، أراد أن يقدم له مساعدة مادية كمساندة ودعم له في مشروعه الإنساني النبيل، فكان رده القاطع بالرفض التام، وأنه لا يحتاج إلى أي تكريم مادي على عمله، فهو يقوم بذلك لوجه الله تعالى وطمعا في رضاه، وأن الدعوات التي يتلقاها من الآخرين تساوي في نظره أموال العالم كلها. وفي لقاء تلفزيوني آخر، قال "طبيب الغلابة"، إنه رغم تواضع قيمة كشفه الطبي، إلا أن الله بارك له في رزقه، فلم يحتج إلى أحد إطلاقا في حياته، رغم قيامه بتربية أطفال شقيقه المتوفى إلى أن تخرجوا في الجامعات متكفلا بمصروفاتهم ووالدتهم.
نبل وإنسانية هذا الطبيب وإحساسه بظروف البسطاء دفعتني إلى التساؤل: هل نطمع يوما أن نرى طبيب تجميل "الحريم الغلابة" في مجتمعاتنا العربية الذي يؤمن أن المرأة "اللي فلوسها على قدها" من حقها أن تجري عمليات تجميل ضرورية قد تغير مجرى حياتها وتعيد إليها ثقتها بذاتها؟
هل من الممكن أن يخصص مجموعة من أطباء التجميل يوما واحدا على الأقل في عياداتهم الفخمة "للحريم الغلابة" اللاتي يحلمن بإبرة فيلر أو بوتكس أو عملية شد جفون أو زرع شعر.. وغيرها، ولا تستطيع الواحدة منهن أن تتحمل تكاليفها في ظل ظروفها المادية الصعبة وكأن الجمال حكر فقط على النساء المخمليات اللاتي يستطعن الدفع ببذخ لأطباء التجميل؟
أؤمن دوما أن الجمال الداخلي يطغى على كل جمال خارجي مصطنع، لكن لا بأس إن حلم بعض "الحريم الغلابة" بكشف قليل التكلفة عند طبيب تجميل، الاستشارة عنده تساوي مصروف عيالها شهرا كاملا.