سوق عربية مشتركة بحلول 2020 والقطاع الخاص شريكا في التنمية

سوق عربية مشتركة بحلول 2020 والقطاع الخاص شريكا في التنمية

على وقع الاجتياح الإسرائيلي لغزة والمجازر والقتل التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد أهالي القطاع، ووسط تحديات إقليمية وعالمية اقتصادية جمة لا تبدأ بطبيعة الحال بالأزمة المالية العالمية ولا تنتهي عند تعثر برامج التنمية العربية ومشاريع التكامل الاقتصادي، تعقد قمة الكويت الاقتصادية هذا الأسبوع بعد تحضيرات مطولة كان يراد منها أن تشكل هذه القمة منعطفا تاريخيا في مسيرة التكامل الاقتصادي العربي، وهذا ما لا يزال يتطلع إليه المواطنون في البلدان العربية كافة، والخبراء والمسؤولون.
فالقمة كان مخططا لانعقادها منذ زمن، إلا أن موعد الانعقاد بات الآن يتزامن مع ظروف وتطورات سياسية واقتصادية إقليمية وعالمية صعبة، يأمل معها المراقبين ألا تفقد معها القمة التركيز على أهدافها الرئيسة أو أن تطول الخلافات السياسية العربية مصيرهم التنموي كما كان يحدث طول العقود الستة الماضية.
ووفقا للخبراء والمراقبين، فإن جميع الدول التي تنضم لتكتلات عالمية عقدت مؤتمرات واجتماعات تمخض عنها قرارات وتوصيات مهمة ستسهم، وعلى الصعيد الدولي وبصورة مشتركة، في التعجيل باستنهاض الأوضاع الاقتصادية العالمية من براثن الركود وإعادة الثقة للأسواق والاستثمار والمؤسسات المالية، مما عزز الآمال بعودة الاقتصاد العالمي للنشاط والنمو ربما مع نهاية العام المقبل. وعلى الدول العربية أن تنضم لهذه الجهود وفقا لاستراتيجية مشتركة وواضحة تؤمن مصالحها من جهة، وتفعل مشاركتها في الاقتصاد العالمي من جهة أخرى.
وستناقش القمة الاقتصادية عديدا من المواضيع والقضايا الاقتصادية المهمة، يتصدرها البت في تحويل منطقة التجارة الحرة بين الدول العربية إلى اتحاد جمركي في الفترة من عام 2015 إلى 2020 ثم تحويله بعد ذلك إلى سوق عربية مشتركة. كما ستتم مناقشة إيجاد أرضية فكرية لمشاركة القطاع الخاص في برامج التنمية الاقتصادية، وكذلك الاتفاقية العربية للتجارة في الخدمات. وأيضا عرض 250 مشروعا على القطاع الخاص من أبرزها مشروع النقل والسكك الحديدية بين الدول العربية ومشروع بطاقة المستثمر العربي، إضافة إلى وجود ملف أزمة الغذاء بقوة على جدول أعمال القمة، وكذلك النظر في إعادة هيكلة وتجديد المؤسسات النقدية العربية وفق ما يتناسب ومعايير المؤسسات النقدية العالمية.
يأتي انعقاد القمة بعد نشر توقعات بتراجع معظم اقتصادات المنطقة، فقد تأثرت عديد من الدول العربية بالانخفاض الكبير لأسعار النفط إلى ما دون 40 دولارا للبرميل متراجعا عن سعره القياسي الذي بلغه في تموز (يوليو) الماضي بأكثر من 100 دولار، بسبب تراجع الطلب العالمي على الطاقة. وأدت الأزمة المالية وهي أسوأ أزمة يشهدها العالم منذ سبعة عقود إلى انزلاق جانب كبير من العالم الصناعي إلى الكساد كما تسببت في تراجع التوقعات الاقتصادية في العالم العربي. من جهته ذكر تقرير صادر عن المنظمة العربية للأقطار المصدرة للبترول "أوبك" أنه مقابل كل انخفاض بقيمة دولار في أسعار النفط تنخفض إيرادات النفط العربية بما بين أربعة مليارات وعشرة مليارات دولار سنويا. واعتبر التقرير أن من شأن ذلك أن يفرض ضغوطا متزايدة على الموازنات الحكومية ومستوى الإنفاق ومعدلات النمو.
كما تشير الإحصاءات إلى أن وضع البطالة في العالم العربي هو الأسوأ بين مناطق وأقاليم العالم المختلفة حيث تصل لنحو 14 في المائة. كذلك تراجعت إنتاجية العامل العربي التي تمثل 10:1 من إنتاجية العامل في أوروبا وأمريكا. لذلك، المطلوب الشروع في خطوات عملية من أجل إصلاح سوق العمل العربي من خلال المؤسسات التعليمية، ومواجهة مزاحمة العمالة الأجنبية للعمالة العربية في المنطقة، حيث بلغ نصيب العمالة الأجنبية في المنطقة في عام 2007 نحو 15 مليون عامل حققوا تحويلات لبلدانهم في حدود 35 مليار دولار.
وتظهر الدراسات أنه ينبغي للدول العربية إيجاد فرص عمل لأكثر من 80 مليون شخص بحلول عام 2020 للتصدي للبطالة التي يجابهها حاليا ما يزيد على 60 مليون شخص. ويتوقع أن يتضاعف عدد سكان العالم العربي البالغ حاليا 300 مليون نسمة في السنوات الـ 30 المقبلة، وفقا للدراسات.
وفيما يخص مؤشرات التكامل الاقتصادي العربي، فإنها تؤكد ضعفه في جميع جوانبه السلعية والخدماتية والاستثمارية والمشاريع المشتركة وغيرها. وكما تظهر بيانات للأسكوا، فإنه لم تطرأ أي تطورات جديدة أو مهمة على أداء الدول العربية نحو تعزيز التكامل بينها خلال الأعوام الماضية. وتشير الأرقام المتوافرة إلى حدوث تقدم في أداء بعض المؤشرات الخاصة بالتكامل العربي خلال عامي 2006 و2007 وانخفاض بعض هذه المؤشرات، حيث حققت التجارة البينية العربية تقدمًا طفيفًا في عام 2007 وارتفعت نسبتها إلى إجمالي التجارة العربية إلى 11.3 في المائة مقابل نحو 11.2 في المائة عام 2006 ، إلا أن النسبة كما هو واضح جدا متواضعة.
في مقابل ذلك، انخفضت نسبة الاستثمار العربي البيني إلى إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر من نحو 34 في المائة في عام 2006 إلى نحو 27.4 في المائة في عام 2007 وجاء هذا الانخفاض بالرغم من الارتفاع الكبير في حجم تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول العربية، الذي حقق نسبة نمو بلغت نحو 74 في المائة. ويعود ذلك إلى ارتفاع إجمالي الاستثمار الأجنبي بنسبة أعلى من الاستثمار العربي البيني. ويدل على أن أهم مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول العربية مازال دولا غير عربية وخاصة الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، واليابان. ولا تزيد التدفقات الاستثمارية العربية البينية على 60 مليار دولار حسب بيانات عام 2007، وهو ما يمثل نسبة 20:1 من حجم الاستثمارات العربية في الخارج، التي تصل إلى 1.2 تريليون دولار.
كما انخفضت نسبة السياحة العربية البينية من 2007، والذي يعود من ضمن عدة أمور، إلى انخفاض السياحة إلى لبنان حيث تمثل السياحة العربية البينية نسبة كبيرة من هذا التدفق، كذلك يرجع الأمر إلى ظهور مناطق سياحية منافسة للدول العربية، خاصة في آسيا التي أصبحت منافسًا قويًا يؤثر في نمو السياحة العربية البينية.
كما تراجعت أيضا تحويلات العاملين العرب البينية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عامي 2006 و2007 من 3.8 في المائة إلى 3.6 في المائة على التوالي. ويعود هذا الانخفاض إلى أن نسبة نمو تحويلات 2007 كانت أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة نفسها. جدير بالإشارة أن تحويلات العاملين في دول المغرب العربي مصدرها الدول الأوروبية وليس الدول العربية. أما المساعدات الرسمية البينية للتنمية، فشهدت نموًا كبيرًا خلال عامي 2006 و2007 فقد ارتفعت كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 1.5 في المائة عام 2006 إلى3.6 في المائة عام 2007 بسبب تحسن الفوائض المالية.
وتبرهن جميع هذه القضايا أن التكامل الاقتصادي العربي بات في أمس الحاجة لتغيير طريقة التعامل مع الصعوبات التي تواجهه نظرا لامتلاك الدول العربية البنية التحتية التي تؤهلها لتنفيذ مشاريع اقتصادية تكاملية مشتركة تسهم في تعزيز تلك الاقتصادات وتزيد من حجم التجارة البينية واستغلال الإمكانات المتوافرة والكبيرة في مجالات الطاقة والغاز لخدمة أهداف خطط التنمية في البلدان العربية.
لذلك، يطالب المراقبون والخبراء القمة العربية في الكويت بضرورة تذليل العوائق التي لا تزال تعرقل أداء وفعالية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وأهمها القيود غير الجمركية بأنواعها، وتوحيد المواصفات وإقرار صيغة نهائية وواضحة لقواعد المنشأ. كما يجب على القمة وضع خريطة طريق واضحة للتشريعات والسياسات والإجراءات اللازمة لاستكمال مقومات السوق العربية المشتركة في إطار برنامج زمني محدد، وتحسين كفاءة التجارة البينية حسب المعايير والأسس العالمية التي تقيس التنافسية المقارنة للدول، وذلك بغية تسهيل انتقال الأشخاص. كذلك تحرير تجارة الخدمات في مجالات النقل والاتصال والتمويل، تيسير تمويل التجارة البينية، تخصيص نسبة كافية من صناديق التنمية والصناديق السيادية لتمويل استثمارات القطاع الخاص، وتحفيز مشاركته في مشاريع البنية الأساسية والأمن الغذائي، وبشكل خالص، فإننا نشدد على ضرورة قيام القمة باتخاذ قرارات عملية وفاعلة تؤمن مشاركة القطاع الخاص العربي ومن خلال قنوات وسياسات منتظمة في بناء القرار الاقتصادي، وفي جملة الإصلاحات الاقتصادية.

الأكثر قراءة