FINANCIAL TIMES

توظيف العلم السلوكي لإبطاء تسارع انتشار جائحة كورونا

توظيف العلم السلوكي لإبطاء تسارع انتشار جائحة كورونا

إنزال العلوم السلوكية إلى أرض الواقع للإسهام في درء مخاطر الوباء.

توظيف العلم السلوكي لإبطاء تسارع انتشار جائحة كورونا

محاصرة الجائحة تتطلب تنويع أدوات صد هجمتها المستفحلة.

هناك تمثال لفنان الرمل الهندي الشهير سودارسانباتنايك؛ يصور صفا من خمسة عاملين في مجال الصحة يرتدون أقنعة الوجه ويحدقون في المشاهد.
الرسالة المحفورة في الأسفل بسيطة ومخزية: "أنا بقيت في العمل من أجلك. أنت ابق في المنزل من أجلنا". ذلك الشعار المحفور في رمال السيليكا التقط الإحباط الذي يشعر به كثيرون على الخط الأمامي ضد فيروس كوفيد-19 المستجد هو الآن في حالة اهتياج في جميع أنحاء العالم، وهو مستدام ومضخم جزئيا بسبب السلوك البشري في كل مستوى.
على أساس فردي، واصلنا الذهاب إلى العمل والاختلاط في المقاهي والمطاعم، والتنزه بالذهاب إلى المسارح والمتاحف حتى بعد أن طلب منا خبراء الصحة والساسة، المنزعجون من الأزمات التي تتكشف في دول أخرى ألا نفعل.
في ذلك الوقت، بدا أن مواصلة الحياة كما عرفناها ليست أمرا يؤدي إلى تعطيل كبير، وأهملنا المستقبل وكنا نرجو أن الفيروس سيختفي من تلقاء نفسه، قبل أن يصل إلى عتبة منزلنا.نفذنا من عتبات المنازل، والعواقب مدمرة بطريقة لا يمكن فهمها. العالم يتغير يوما بعد يوم، ساعة بساعة. يوم الثلاثاء الماضي بدأت بريطانيا، مثل كثير من الدول الأخرى قبلها، الحياة تحت الإغلاق.
لماذا استهان الناس بنصيحة عدم الاختلاط؟ فيروس كورونا، كما يشير روبن دانبار؛ مختص في علم النفس التطوري في جامعة أكسفورد، يستغل الاختصارات السلوكية الغريزية التي يمارسها جنسنا منذ فترة طويلة. بالنسبة إلى معظم تاريخنا، يعتمد البقاء على كونك ضمن مجموعة.
قال لي: "نحن من فئة الرئيسات واستراتيجية تطور الرئيسات بالكامل هي الطابع الاجتماعي المكثف لدى الإنسان. لذلك لا يفاجئني أن المراهقين والشباب لا يزالون مندفعين. يستغرق الأمر وقتا طويلا، لربما 25 عاما، لمعرفة آثار سلوكك".
ربما شعر الشباب أيضا بأنهم لا يقهرون. تشير إحصائيات المستشفيات إلى أن الأطفال والشباب لا يتأثرون إلى حد كبير بالجائحة، وهو ما قد يمثل بعض العزاء وسط الذعر. يشير دانبار؛ إلى أن إهمال المستقبل يمكن أن يكون غريزة بقاء أيضا. لماذا نشعر بالقلق بشأن ما يكمن في الأفق كما جادل أسلافنا؟ بينما الأمر الوحيد المهم هو اليوم. إذا لم ننج اليوم، فلن يكون ذلك غدا. استفحل فيروس الجائحة الحالية في أعقاب هذه الحسابات السلوكية. نحتاج إلى إعادة التفكير في طريقة إدارة حياتنا في عالم من العدوى. عندما كتبت في أوائل كانون الثاني (يناير) الماضي بشأن الالتهاب الرئوي الغامض من الصين، لم أتوقع أبدا أن ينتشر ليصبح الوباء الكبير، إلى حد أن يتفشى لينافس الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918.
ليس لدى البشر مناعة ضد الفيروسات الجديدة؛ نحن جميعا "ساذجون مناعيا"؛ ما يعني أننا جميعا يمكن أن نصاب. هذا وضع غير مألوف، خاصة بالنسبة إلينا نحن الذين في شمال الكرة الأرضية. تم القضاء على معظم أمراض الطفولة المعدية مثل الحصبة بفعل التطعيم؛ ولقاحات الإنفلونزا الموسمية توفر الحماية ضد العدو السنوي.
لم تعد الأمراض المعدية هي التي تهيمن على الأجندة الصحية؛ بل الأمراض غير المعدية مثل أمراض القلب والسكري من النوع 2 والسرطان.
تمثل الأمراض غير المعدية 71 في المائة من الوفيات العالمية سنويا، وتتطلب خيارات فردية وليست جماعية: هل ينبغي أن أترك التدخين؟ هل ينبغي أن أذهب إلى صالة الألعاب الرياضية؟ أم أتناول الكعك؟ المخاطر والفوائد لي وحدي.
يتطلب فيروس كوفيد-19 حسابا مختلفا: رفاهية المجموعة مقابل التكلفة على الفرد. يمكن أن تصاب بالعدوى وتنقل الفيروس دون أن تعرف.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، نسبة موت الحالات (عدد الوفيات مقسوما على عدد الحالات المبلغ عنها) تبلغ بين 3 و 4 في المائة، حيث إن كبار السن والذين يعانون ظروفا صحية كامنة هم الأكثر عرضة للخطر. فرصتك الفردية للموت قد تكون منخفضة، إلا أن المخاطر على معارفك قد تكون مرتفعة. لهذا السبب يجب تطبيق تدابير عدم الاختلاط على الجميع.
الطريقة التي ينتشر بها المرض المعدي تعتمد على "عدد تكاثره"، المعروف بالرمز R. هذا متوسط عدد المعارف الذين ينقل إليهم الشخص المعدي المرض. إذا كان R أقل من واحد سيتلاشى؛ وأكثر من واحد يعني أنه سينتشر.
بالنسبة إلى الإنفلونزا الموسمية، فإن R هو نحو 1.3، بالنسبة إلى فيروس كوفيد-19، حيث يتأرجح R بين 2 و3.
هذا الاختلاف المكون من رقم واحد ليس تافها من الناحية الرياضية، أو الوبائية. إذا كان R هو 2 فإن عدد الأشخاص المصابين في كل وصلة في سلسلة الانتقال يتضاعف. الجيل الخامس سيضم 32 حالة جديدة. إذا بلغ R رقم 3 فإن عدد الإصابات الجديدة يزيد ثلاثة أضعاف، وليس ضعفين في كل مرحلة.
في هذا السيناريو، الجيل الخامس وحده سيضم 243 حالة جديدة. لهذا السبب، في جميع الدول، تظهر أعداد حالات فيروس كوفيد-19، عند تشكيلها مقابل الزمن مثل هذا الارتفاع الحاد بعد بضعة أسابيع.
الآن الخبر السار: R ليس جامدا. كما يوضح عالم الأوبئة البريطاني آدم كوشارسكي؛ في كتاب "قواعد العدوى" هناك أربعة عوامل تغذي العدد R: المدة التي يكون فيها الشخص معديا؛ وعدد فرص الانتشار في اليوم خلال فترة العدوى تلك؛ واحتمال أن تؤدي الفرصة إلى انتقاله؛ وقابلية السكان للتأثر.
"تحليل عدد التكاثر إلى بنوده يمكن أن يساعدنا على معرفة أفضل طريقة للسيطرة على الوباء"، كما يكتب كوشارسكي؛ العضو في فريق النمذجة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، التي تقدم المشورة للحكومة البريطانية بشأن استجابتها لفيروس كوفيد-19.
يدعو هذا قاعدة DOTS: المدة، والفرص، والانتقال وقابلية التأثر. يمكن تقليص بعض هذه العوامل. اللقاح هو أفضل طريقة لخفض قابلية التأثر – إلا أنه من غير المرجح أن يتوافر لقاح لفيروس كوفيد-19 في غضون عام. الطرق الأخرى لخفض العدد R تتطلب خفض كل من فرص الانتشار وفرص الانتقال التي تحدث خلال تلك الفرص. هذه الطموحات الأساسية تكمن في قلب الإغلاقات الاجتماعية والاقتصادية غير المسبوقة.
تقليل تكرار وطول التفاعلات الاجتماعية يحرم الفيروس من ذلك الشيء الذي يحتاج إليه للتكاثر: الاتصال البشري. كما أنه يبطئ الانتشار، ما يسمح بتوزيع عبء الرعاية الصحية.
مع ذلك، قد يأتي الخطر عندما يتم رفع القيود في وقت لاحق، خاصة إذا لم يكن هناك لقاح أو علاج. هناك موجات أخرى من الإصابات قد تصل بمجرد أن يبدأ الناس والفيروسات في التنقل مرة أخرى؛ يبدو أن هذا قد يحدث في هونج كونج. من الممكن، وإن لم يكن من غير المضمون، أن يكون الناجون من الموجة الأولى من فيروس كوفيد-19 منيعين إذا تذبذبت موجة ثانية في جميع أنحاء العالم.
مع الاختبارات المصلية للأجسام المضادة للفيروس - الذين أصيبوا بالفيروس سيحملونها مثل ندوب معركة بيولوجية - والتنسيق الدقيق على مستوى المجتمع، فإن أي محاولة لاحقة لقمع الفيروس قد لا تحتاج إلى أن تكون مدمرة للغاية.
بيد أن هذه مجرد تخمينات؛ نحن في منطقة مجهولة. هذا يجعل الحالة الطارئة بشأن فيروس كوفيد-19 بمنزلة أم جميع مشكلات إدارة المخاطر، وذلك وفقا لجيلبيرتو مونتيبيلر؛ أستاذ علوم الإدارة في جامعة لوبورو.
يقول مونتيبيلر: "نماذج انتقال المرض ليست كافية. كان علماء الأوبئة يقودون السياسة، وهذا أمر عظيم، لكننا بحاجة إلى معرفة التأثيرات الأخرى التي تتجاوز عدد الأشخاص المصابين والرعاية التي يحتاجون إليها. هناك كثير من العلوم، مثل تحليل المخاطر، التي لم يتم إدراجها في هذا النقاش. نحن بحاجة أيضا إلى مزيد من الفهم للسلوك الفردي والسلوك الجماعي في سيناريو الوباء. الأمر لا يتعلق بتخفيف المخاطر فحسب؛ بل بإدارة المخاطر المتصورة أيضا".
اجتذاب هذه الأفكار كما يشير مونتيبيلر؛ ربما كان يتوقع الشراء بسبب الذعر الذي شهدناه في دول عدة. ويقول إن رد الفعل هذا كان متوقعا، بالنظر إلى أن الفيروس هو بمنزلة عاصفة سامة مثالية من الأمور المخيفة والمجهولة.
كما تمت أيضا إساءة الحكم على العلم السلوكي الذي كان يطلعنا على استجابة الحكومة البريطانية - محاولة "حث" الناس على البقاء في المنزل.
"الحث لم يوجد لهذه الأنواع من التهديدات الصحية وهو غير مناسب هنا. الشركات والحكومات الآن بحاجة إلى رفع جودة صنع القرار في هذا السيناريو الصعب للغاية".
فيما يتعلق بالإغلاق في مواجهة الأوبئة، يجب أن ينظر الغرب إلى الدول الآسيوية، التي تذكرت الدروس من فيروس سارس. هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية شهدت مكافأة التزامها بالمراقبة والاختبار وتتبع الاتصال بمنحنيات مسطحة، وعدد وفيات أقل بسبب فيروس كوفيد-19.
إعادة تشغيل اقتصاداتها قد تكون مهمة أكثر سلاسة لأن الناس سيعرفون من خلال الاختبار، ما إذا كانوا مصابين بالمرض.
الطرق الجديدة والمسرعة لتطوير واختبار وتصنيع اللقاحات ستكون أيضا أولوية ملحة؛ التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة الذي تشكل استجابة لتفشي فيروس إيبولا، يستحق الفضل في دفع هذه الأجندة باعتبارها ضرورة اقتصادية.
من الواضح أن التهديد الحقيقي والمتصور من فيروس كوفيد-19 لمستقبلنا مرتفع للغاية. إنه فيروس مميت غير مألوف، من دون لقاح ومن دون علاج ولا حتى صورة واضحة حول ما إذا كان الشخص قد يصاب به مرتين. مثل جميع الفيروسات، يتحول في أثناء انتشاره. إنه عدو غير مرئي بحركة دائمة.
هناك أسباب تدعو إلى التفاؤل: بدأ السباق لتطوير لقاح، وأعلنت منظمة الصحة العالمية، الأسبوع الماضي، "تجربة ضخمة" عالمية منظمة لمعرفة ما إذا كان يمكن إعادة استخدام الأدوية الحالية، لأغراض علاج فيروس كوفيد-19.
على أننا لا نتمتع بالسلطة العليا بعد. الدكتور مايك ريان؛ الذي يقود جهود احتواء الفيروس ضمن منظمة الصحة العالمية، الذي سبق له أن أدار استجابتها لفيروس إيبولا، راقب لأسابيع الوضع بينما كان في أوروبا، التي تمثل الآن قلب العاصفة الفيروسية، وهي تهمل المستقبل بمحافظتها على ممارسة الأعمال كالمعتاد. (منذ ذلك الوقت انتقل قلب العاصفة إلى الولايات المتحدة).
في مؤتمر صحافي لا ينسى في الـ13 من آذار (مارس) الماضي، تم تذكير الدول بأن التراخي سيعاقب. وطالب في فيديو انتشر بتسارع "كونوا سريعين ولن تندموا؛ يجب أن تكونوا أول المتحركين. دائما ما سيصيبكم الفيروس إذا لم تتحركوا بسرعة. وإذا أردتم أن تكونوا على حق قبل أن تتحركوا، فلن تفوزوا أبدا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES