علامتا استفهام حول ديمومة النموذج الرأسمالي الصيني

علامتا استفهام حول ديمومة النموذج الرأسمالي الصيني
غلاف كتاب أسطورة الرأسمالية الصينية.
علامتا استفهام حول ديمومة النموذج الرأسمالي الصيني
غلاف الكتاب الذي يحكي قصة شنزن المجسدة للنجاح الاقتصادي في الصين.

إنه عمل شاق أن تكون في معسكر "الصين محكوم عليها بالفشل". قبل أسابيع قليلة فقط، بدا أن الحزب الشيوعي يواجه نوعا من الهزة الشديدة التي يمكن أن تجرف الأنظمة الاستبدادية.
لقد تضرر الاقتصاد بشدة من وباء فيروس كورونا لدرجة أنه من المرجح أن تسجل الصين أسوأ نتائجها الفصلية منذ أعماق الثورة الثقافية.
في الوقت نفسه، بدأ جمهور قلق يدرك أن السلطات قد تسترت في المراحل الأولى من تفشي المرض؛ ما مهد الطريق لانتشار المرض بشكل أكثر عدوانية.
المزاج المناهض للحزب وجد شخصية شهيد في شخص لي وينليانج. اعتقلت الشرطة طبيب ووهان البالغ من العمر 34 عاما في أوائل كانون الثاني (يناير) الماضي، بتهمة "نشر شائعات كاذبة" بعد أن حذّر من التهاب رئوي جديد غريب يجتاح المدينة. عندما مات بالفيروس نفسه في أواخر شباط (فبراير) الماضي، انفجر الإنترنت في الصين. فجأة، بدا كل شيء وكأنه على سبيل المزاح واللهو.
ننتقل الآن سريعا إلى أواخر آذار (مارس) الماضي، ويبدو الوضع مختلفا تماما. يظهر الاقتصاد الصيني علامات جديدة على الحياة، ويرسل تشي؛ الإمدادات الطبية ورسائل التضامن إلى أوروبا وإفريقيا. النص الفرعي المقصود لهذه الإيماءات واضح: النموذج الصيني متفوق على النموذج الغربي. على أقل تقدير، كانت الأسابيع القليلة الماضية تحذيرا للمؤلفين الذين يتوقعون "الانهيار" لكي يأخذوا نفسا عميقا للغاية. هذا لا يعني أن النظام ليس معرضا للخطر. إذا دخل الاقتصاد الصيني في حالة ركود مطول، فلن يكون بالضرورة نتيجة لأزمة غريبة. يمكن أن يأتي بسهولة من الداخل والتراكم المطرد للمشكلات المستعصية التي يحددها ديكستر روبرتس؛ المراقب الصيني المخضرم.
هناك تراكم هائل للديون التي تسد ببطء النظام المالي - أزمة محتملة يمكن أن يكشفها الركود الناتج عن فيروس كورونا. هناك القوى الديموغرافية التي لا ترحم شيخوخة السكان؛ ما يعني أن هناك عددا أقل من العمال الشباب لتشغيل مصانعها. وهناك التفاوتات الطاحنة ومشاعر السخط الاجتماعي التي أوجدتها أربعة عقود من النمو السريع الذي يخطف الأنفاس - "مجتمع اليوم غير المتوازن وغير المتكافئ للغاية"، على حد تعبير روبرتس.
في كتاب "أسطورة الرأسمالية الصينية"، يحاول روبرتس؛ الإجابة عن السؤال الكبير الذي يواجه الصين قبل أن تضرب أزمة فيروس كورونا. هل يمكنها المضي قدما لجيل آخر وتصبح أول نظام استبدادي يدخل النادي الحصري للدول ذات الدخل المرتفع؟ أم أنها ستخضع، مثل البرازيل وتايلاند وغيرهما من الدول التي لا تعد ولا تحصى، لما يسمى "فخ الدخل المتوسط"، حيث لا يعود بإمكانها التنافس في التصنيع الرخيص، إذ ليس لديها حتى الآن المهارات أو التكنولوجيا لدعم الصناعات الأكثر تقدما؟
يدرس روبرتس؛ من هذه المهمة ليس من خلال تحليل دقيق للديون المعدومة أو من خلال النظر في براعتها في الذكاء الاصطناعي، ولكن من خلال التقارير العنيدة التي تسعى إلى فضح الجانب السفلي الغامض من المعجزة الصينية. روبرتس؛ الصحافي السابق في وكالة بلومبيرج، كان يتابع الشخصيات الرئيسة التي يديرها هذا الكتاب منذ نحو 20 عاما، وهو نوع من المثابرة التي لا يمكن إلا لعدد قليل من الكتاب الآخرين بلوغها. بالنسبة إلى روبرتس؛ يمكن إرجاع كثير من التوترات الاجتماعية التي تهدد بالانفجار إلى "هوكو" وهو دفتر أحمر صغير يسجل رسميا المكان الذي تعيش فيه الأسرة، وما الفوائد التي يحق لها الحصول عليها؟
والنتيجة هي انقسام صارم بين سكان المدن المزدهرة وسكان المناطق الريفية - أو كما يراها روبرتس؛ بين الطبقة المتوسطة الحضرية المتميزة والطبقة الدنيا.
ويكتب: "لا شيء يحدد حياة النصف الآخر في الصين - مئات الملايين من المزارعين، الذين تحول كثير منهم الآن إلى عمال مهاجرين - أكثر من الهوكو".
يساء استخدام هذا النظام لتكوين "إمداد مرن ومنخفض التكلفة من العمال". من دون الحق في العيش في مدينة، يخشى عمال المصانع أن يتم إلقاؤهم في مراكز الاحتجاز غير الرسمية المعروفة باسم "السجون السوداء"، إذا تجاوزت مدة إقامتهم تاريخ انتهاء تصاريحهم المؤقتة. كما أنه يجعلهم أقل عرضة للشكوى من ظروفهم.
كان التأثير الأكبر في التعليم. مدارس شنغهاي التي تفوز بجوائز دولية مخصصة للذين لديهم تصاريح إقامة في مدينة ما: يجب على أطفال العمال المهاجرين الذهاب إلى مدارس خاصة باهظة الثمن أو إعادتهم إلى أسرهم الممتدة في قراهم.هؤلاء الأطفال "المخلفون" يدفعون ثمنا باهظا. أظهرت الأبحاث أنهم أقصر ثلاثة سنتمترات ووزنهم أقل بكثير من أقرانهم في المدينة. بحلول عام 2015، كانت هناك 100 ألف مدرسة داخلية تلبي احتياجاتهم، وكثير منها يعاني الاكتظاظ.
يصف روبرتس؛ الظروف القاتمة في مدرسة واحدة في مقاطعة شانكسي. بعد العشاء، يتم "تجميع الطلاب في الفصول الدراسية، وأحيانا مع إغلاق الأبواب خلفهم، ويؤمرون بقراءة كتبهم المدرسية والهدوء حتى الساعة العاشرة مساء". ويخلص إلى أن الصين لا تعلم العمال الشباب الذين تحتاج إليهم لاقتصاد أكثر تقدما.
التأثير التراكمي لهذه الضغوط هو تأسيس اقتصاد ينفذ من الزخم حيث تبدأ القوى العاملة المستغلة في طلب مزيد. ستعاني الصين "اقتصادا ضعيفا أكثر من أي وقت مضى، بينما يصبح المحرومون في الوقت نفسه أكثر وعيا بكثير بحظهم العائر".
هل روبرتس على حق؟ يركز كتابه على جانب من القصة الصينية التي تم التقليل من شأنها في الأعوام الأخيرة، وسط ضجة حول قوة عظمى جديدة في التكنولوجيا.
على أن ذلك لا يزال جانبا واحدا من القصة، وهي تخاطر بتجاهل الديناميكية التي لا تزال تدعم الاقتصاد الصيني. ربما جاء جزء من الإجابة من كتاب "تجربة شنزن"، من تأليف جوان دو؛ هذه المهندسة المعمارية والمخططة الحضرية حددت لنفسها مهمة سرد قصة شنزن من الأدنى إلى الأعلى، المدينة الجنوبية عبر الحدود من هونج كونج، التي تمثل أكثر من أي مدينة أخرى قصة النجاح الاقتصادي للصين.
بين عامي 1980 و2017 زاد الناتج المحلي الإجمالي للمدينة من 150 مليون رنمينبي إلى رقم غير عادي هو 2.2 تريليون رنمينبي - أكبر من كثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل فنلندا واليونان، والجزء الأكبر من الولايات الأمريكية، بما في ذلك ولايات من شاكلة كونيتيكت وساوث كارولينا.
مع أفق متلألئ يزينه عدد من أعلى المباني في العالم، أصبحت المدينة الآن موطنا لشركة هواوي، شركة البنية التحتية للاتصالات التي ولدت براعتها التكنولوجية قلقا كبيرا في الغرب، وشركة تنسنت الرائدة في مجال الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. حتى في سياق تاريخ الصين الاستثنائي الحديث، تبرز شنزن.
تهدف دو؛ إلى تفكيك الإكليشيهات التي هيمنت على كثير من الروايات حول شنزن، وخاصة فكرة أنها كانت أكثر بقليل من قرية صيد في أواخر السبعينيات، عندما بدأت إصلاحات دينج كزياو بينج؛ وتم تعيينها كواحدة من المناطق الاقتصادية الخاصة الحاسمة.
من خلال تأصيل قصتها في "عدد لا يحصى من الأفراد" الذين حددوا المدينة، تجادل بأن شنزن هي أكثر بكثير من تمرين من أعلى إلى أسفل في بناء مدينة حديثة. وفي حين أن بحثها عميق ومتقن، غالبا ما يغرق الكتاب في وثائق التخطيط وقرارات تقسيم المناطق ويفقد تركيزه على حيوية المدينة.
الحجة المضادة لروبرتس بدلا من ذلك، هي حجة يقدمها هو نفسه عن غير قصد. يتركز أحد فصوله على الاستخدام المتزايد للروبوتات في المصانع التي ترغب بشدة في الحفاظ على قدرتها التنافسية - وهو تطور يعتقد أنه سيؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية من خلال الحد من عدد الوظائف الجديدة.
سبب زيادة الروبوتات له دلالته: "بعد عقد تضاعفت أجور تصنيعه، لم تعد العمالة الصينية رخيصة"، والواقع أن الرواتب فيها الآن تتوافق مع البرازيل، وإن كانت تتجاوز الرواتب في المكسيك وتايلاند وماليزيا.
هذا أمر مهم لسببين. أولا هو يشير إلى أنه رغم جميع الانقسامات الاجتماعية الصارخة في الصين الحديثة، فإن بعض مزايا النمو الاقتصادي على الأقل قد انتقلت إلى العمال. كما يشير إلى التحول الكبير الذي حدث بهدوء في الاقتصاد الصيني. قبل عقد من الزمان كان النمو مدفوعا بالاستثمار غير المستدام في المشاريع الضخمة.
الآن الخدمات والاستهلاك هما الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي. حتى مع تباطؤ معدل النمو الرئيس قبل أزمة فيروس كورونا، فإن حصة الفرد الحقيقية من الدخل القابل للتصرف لا تزال ترتفع بأكثر من 6 في المائة سنويا - وهو رقم سيستميت أي اقتصاد كبير آخر للحصول عليه.
يستخف روبرتس؛ بالمحللين الذين يسمون الصين "أعظم قصة استهلاكية في العالم" لأن مثل هذه الأوصاف تجمل الحقائق القاسية لحياة المدينة.
ومع ذلك، إذا نجحت الصين في الحفاظ على معدل نمو مرتفع نسبيا لجيل آخر، فسيكون هذا هو السبب - ارتفاع ثابت ومستمر في الأجور وسوق محلية متنامية.
لا يزال من الممكن لفيروس كورونا أن يدفع ركودا آخر في الاقتصاد الصيني، إذا أدى تدافع بكين لإحياء النشاط في الربع الثاني إلى ارتفاع جديد في الإصابات - وموجة أخرى من عمليات الإغلاق.
يظهر المرض منذ الآن كثيرا من أوجه القصور في النظام الصيني، وإن كان على أقل تقدير قد أظهر أيضا مرونة الحزب الشيوعي وقدرته على الصمود أمام سيل من الانتقادات، ثم نقل الرواية الوطنية بسرعة إلى عيوب الدول الأخرى. هذه القدرة تمنح قيادة الصين متانة لا تسهل الاستهانة بها.

الأكثر قراءة