ثقافة وفنون

«عهد الدم» .. العائلة أولا

«عهد الدم» .. العائلة أولا

مشهد من المسلسل.

«عهد الدم» .. العائلة أولا

بوستر المسلسل.

في مشاهد مشوقة، تهرول وتيرتها لتوضح للمتفرج من هم الشخصيات وما هي القصة، وفي إطار درامي بوليسي دموي تبدأ أحداث مسلسل «عهد الدم»، الذي نشاهد فيه قطرات الدم تتناثر من هنا وهناك مخلفة وراءها عديدا من الجثث البريئة أحيانا والمجرمة أحيان أخرى، وفي خضم كل ما يحصل يظهر كيف أن الإنسان الطيب يتحول مع الوقت إلى مجرم وقاتل، وإن كان مجبرا لكن الظروف جعلت منه إنسانا مغايرا، كيف أن أصحاب النفوذ يظلمون ويبطشون بكل من حولهم، كيف أن المراهقات رغم ادعائهن الفهم والوعي يقعن فريسة كبريائهن، جميع هذه القضايا تم طرحها في المسلسل.

الهيبة بطابع لبناني
قبل نحو الشهر أطلقت منصة «شاهد» المسلسل العربي المشترك الجديد «عهد الدم»، الذي يجمع للمرة الأولى الكاتب السوري إياد أبو الشامات، مع المخرج المصري كريم الشناوي، إلى جانب مجموعة من النجوم السوريين واللبنانيين، وعلى الرغم مما نشر حول أصول القصة التي قيل إنها مأخوذة عن عمل درامي أوروبي، إلا أن القصة تتشابه إلى حد كبير مع قصة المسلسل السوري «الهيبة» الذي أخذ ضجة كبيرة، وأدى دور البطولة فيه الممثل تيم حسن، لكن في مسلسل «عهد الدم» تم لبننة قصة الرجل الكبير، رئيس العشيرة الذي يتخذ من تجارة المخدرات عملا له، ويمنع أي فئة أخرى أو شخص آخر الدخول أو منافسته في العمل، ويدعى الكسار، يؤدي دوره الممثل اللبناني آلان سعادة، أنها شخصية قاسية، لا يتكلم إلا بالقتل، يسيطر على أفراد منطقته كافة، يهابونه ليس فقط في بلدته بل على الأراضي اللبنانية كافة، كذلك أجهزة أمن الدولة، لا يستطيعون الوقوف في وجهه، ولقد أظهرت الأحداث كيف أن تاجر مخدرات يتحكم في أكبر مسؤول في الدولة، حتى أن مرافقه تطاول على مسؤول الإنتربول في لبنان يدعى بدر المصري، يؤدي دوره الممثل اللبناني رودني حداد، الذي يحوم حول الكسار من أجل إيجاد خيط لإدانته وتوقيفه عند حده، وفي كل مرة كان يفشل لأن الكسار لديه رجال أوفياء ولا أحد يتجرأ أن يغدر به.

الرجل الطيب والمجرم القاتل
هي لحظات قلبت أحداث المسلسل رأسا على عقب، حينما تعرضت ابنة الكسار لحادث سير أثناء عودتها من حفل شبابي مع أصدقائها، وبعد تناولها حبة مخدر، وتوفيت على الفور، حيث كانت تقود بسرعة جنونية السيارة، وكأن العبرة من أن المروج للمخدرات جازاه الله في ابنته، لكنه لم يمتثل وازداد بطشه وظلمه، أما الشخصية الأخرى التي كانت في السيارة الأخرى هو شاب يدعى سليم فياض، يؤدي دوره الممثل السوري باسل خياط، وبدأت القصة تأخذ المنحى الدرامي الممزوج بالدم، باسل خياط ممثل بارع بأدائه وتعابيره، يؤدي دوره بكثير من الإحساس، يوحي بالمجرم في المشاهد الإجرامية وسرعان ما ينتقل إلى شخصية الرجل الطيب، الذي ينظر إلى عيني زوجته بكثير من الحب والهيام، وفي مسلسل عهد الدم يؤدي سليم فياض دور الإنسان البسيط والمحب لعائلته، ويضطر ضمن ظرف درامي معين لأن يتحول إلى شخص بعيد عن كل التوقعات، من أجل الحفاظ على العائلة والأطفال، كما أنه سيفاجأ بردود أفعال لم يتوقع أن تصدر عنه، لكنه يضطر لإظهار هذا الجانب المظلم، وهو موجود داخل كل شخص فينا، وإن بنسب مختلفة، وفي مشهد ينهار فيه سليم ويطلب من العصابة أن تدعه وشأنه لأنه ليس بقاتل، يقول له الممثل علي منيمنة، الذي يلعب دور ميدو ومن الرجال الأساسيين للكسار «جميعنا في البداية نخاف القتل، لكن عندما يظهر الشيطان الموجود داخل كل منا يصبح القتل سهلا»، وبالفعل في أول محاولة لسليم في قتل أحد الأشخاص توتر لكن التجربة الثانية جاءت أسهل، لكن هل سيستمر في قتل الأبرياء، وكيف سينتهي من كابوس الكسار؟

إن قصة سليم فياض أعادت إلى ذهن المشاهد فيلم «جعلوني مجرما»، الذي صدر عام 1954 عن قصة وإنتاج فريد شوقي، وكتب له السيناريو الكاتب نجيب محفوظ، ويحكي الفيلم قصة واقعية لشاب التحق بالإصلاحية، بسبب زواج أمه ووفاة أبيه وعمله في النشل، وحين يخرج منها يتعرف على مطربة في كباريه فيحبها ولا يجد من يساعده ويطارده المجتمع حتى عمه، الذي يلفق له قضية قتل ويحكم عليه فيهرب من السجن ليقتل عمه ويصبح مجرما.

العائلة أولا
سليم فياض هو رب عائلة ناجح، لديه زوجة يكن لها كل الاحترام والحب، إضافة إلى فتاة في سن المراهقة، تتخبط في الحياة لإثبات شخصيتها، في حين أن ابنه ما زال في الصفوف المتوسطة في المدرسة، لا أهمية في حياته إلا لعائلته، لكن ما لحق به من مشكلات جعل الترابط بين العائلة يتفكك رويدا رويدا، فالزوجة قلقة، والابنة تحاول الخروج والسهر والعودة إلى البيت في وقت متأخر، أما رب المنزل فهو يتنقل من مكان لمكان ينفذ مهمة قتل، لكن بعد هذا التشتت هل سينتهي الكابوس وتعود العائلة إلى طبيعتها، قوة ترابط العائلة يجعلها تجابه بقوة، على صعيد آخر يظهر المخرج عائلة الكسار التي فقدت ابنتها في عز شبابها، التي بدأت والدتها، تؤدي دورها الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات، تلوم الوالد على عمله في المخدرات، وأن الله عاقبه بابنته، فالمسلسل يقدم نموذجين من العائلات، عائلة متماسكة يجمعهم الحب والحنان وعائلة أخرى والدهم تاجر مخدرات ومنشغل في عمله، فكيف سينتهي الأمر بهذه العائلات. وتختلف ربة المنزل بين الاثنين فتولين زوجة الكسار تضفي روحا مختلفة على النص، هي امرأة تخبئ أمورا كثيرة، والمميز فيها أنها تتكلم بنظراتها في مشاهد صامتة، هي جامدة لا تتحرك، لكن متى سينفجر البركان وتخرج عن صمتها؟ أما زوجة سليم فياض مايا، تؤدي دورها الممثلة السورية نادين تحسين بك هي مرحة، تضفي روحا جميلة من خلال تعاملها مع زوجها وأولادها، تعمل نهارا وتعود إلى المنزل لتحضر لهم الغذاء وتهتم بهم.

تصوير ناجح نسبيا
لقد اعتدنا في المسلسلات العربية فجوات كثيرة ولقطات بسيطة إلى حد السذاجة، لكن المخرج المصري كريم الشناوي أظهر تقانة عالية في إخراج هذا المسلسل، عدا عن اللقطات الجميلة التي وجدت، مثل لقطات تناثر الدم، ولقطات وجوه الأشخاص القريبة التي ركز فيها على تعابير الوجه، إضافة إلى لقطات الليل التي جاءت طبيعية، وما يميز اللقطات في المسلسلات والأفلام العربية هي الطبيعة والعفوية، فالمشاهد الطبيعية تبث الروح وتمتع عين المشاهد، عكس الأفلام الغربية التي أصبحت تركز على تقنيات التصوير الحديثة.

الظلم
مع تطور الأحداث في الحلقات العشر التي تبلغ مدة كل حلقة نحو 50 دقيقة، يظهر الظلم بين البشر، يظهر كيف أن القتل سهل والدم كشربة ماء، فياض المظلوم والظالم في آن معا، ابنته التي تتعرض لحادثة اغتصاب هي أيضا ظلمت، الكسار يظلم زوجته وابنه تعرض لحادث وظلم بسبب والده، لكن جرت العادة في المسلسلات كافة أن ينتصر الخير على الشر، وأن يبقى المظلوم وينصر، ويقتل الظالم، لكن هل هذا ما سيحصل في «عهد الدم»، وما نهاية الإجرام؟
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون