الحي المالي في الحجر الصحي .. كل الأيام أحد

الحي المالي في الحجر الصحي .. كل الأيام أحد

إنه عصر يوم الخميس في الحي المالي. هناك بدلة واحدة فقط يمكن رؤيتها. المركز المالي الأوروبي، في الحجر التام من فيروس كورونا، يكاد يكون مهجورا. المصرفيون اختفوا وقبائل جديدة بزي رسمي مختلف سيطرت على المكان: عمال بناء يرتدون بناطيل سوداء بقطع تقوية للركب وأحذية متربة، وحراس أمن يرتدون سترات صفراء براقة يمشون خارج الردهات الفارغة، وشباب وشابات مهندمون يرتدون بدلات من قماش الليكرا يركضون، أو يركبون الدراجات في الشوارع الفارغة.
البدلة الوحيدة - مزدوجة أزرار الصدر مع ربطة عنق - هي لنيلش ناجار، وسيط إعادة التأمين، الذي خرج من مكتبه بالقرب من مبنى لويدز ليرسل رسالة. يقول، من مسافة آمنة: "إنه أمر مخيف". ويضيف: "إنه أمر جيد"، على الرغم من أنه يفضل عددا أقل من عمال البناء في القطار الذي يقله إلى داره. "لكن هذا ليس بالأمر المهم".
سكوير مايل (الحي المالي) اعتاد أن يكون فيه مد بشري يومي. يعمل هناك أكثر من نصف مليون شخص، ما يجعله ربما المنطقة التجارية الأكثر كثافة بشرية في أوروبا خلال ساعات العمل. لكن مع وجود تسعة آلاف ساكن فقط، تخلو المنطقة في ليلة الجمعة. في عطلة نهاية الأسبوع يكون الجو هادئا مع وجود سياح فقط وبعض المصرفيين والمحامين الذين يبقون في مكابتهم يعانون إرهاق العمل.
يقول كلارك لايك لايل، استشاري بناء خرج ليتمشى: "لا يمكنني تماما وصف الجو. إنه مثل جو عيد الميلاد لكنه حزين".
أحد حراس الأمن، مقابل مبنى لويدز، يقول: "حتى في يوم الأحد لم تكن المنطقة ميتة كما هي الآن".
"لويدز"، سوق التأمين وإعادة التأمين، تعمل بأقل عدد ممكن من الموظفين. طوابق الاكتتاب الرئيسية مغلقة. لكن كبار المسؤولين التنفيذيين في المجموعة يظهرون بشكل خاص يوم الخميس للتحدث للمستثمرين وشركات التأمين ووسائل الإعلام عبر الهاتف وروابط الفيديو. يجلسون في غرفة مجلس الإدارة بعيدين عن بعض نحو مترين على الأقل - خطوة قالوا إنها مصممة لإرسال رسالة موحدة حول الملاءة المالية للسوق.
ميدان باتيرنوستر، بجانب كاتدرائية سينت بول ومقر بورصة لندن، فارغ تماما ماعدا رجل واحد - بهاتف محمول ملتصق بأذنه – وعشرات من الحمام.
ديفيد شويمر، الرئيس التنفيذي لبورصة لندن، لم يكن في المكتب طوال الأسبوع. قال: "يعمل معظم موظفينا من المنزل". مع ذلك، حدد بعض العاملين في البورصات على أنهم "ضروريون للعمل الميداني" لضمان سير العمليات اليومية بسلاسة.
إنها قصة مماثلة في أنحاء الحي المالي. شركة إدارة الأصول "شرودرز" انتقلت إلى ما تسميه "الحد الأدنى من الوجود الحيوي" في جميع أعمالها، بما في ذلك مقرها الرئيسي في "لندن وول"، حيث يعمل 90 في المائة من الموظفين من المنزل.
قال أحد المتداولين الذين يعملون في أعلى إحدى ناطحات السحاب في الحي إنه واحدا من أربعة فقط - من فريق مكون من 160 شخصا - يأتون الآن للعمل في قاعة التداول.
شركته لم تطلب منه الحضور لكنه قال إن وظيفته تحتاج إلى عرض نطاق الكمبيوتر والهيكل الأساسي للتداول، اللذين لا يمكن توفيرهما إلا في المكتب. أضاف: "إذا فقدت أحد الأوامر بسبب تكنولوجيا معلومات مراوغة، فسيكون الأمر مرهقا". أردف قائلا: "آلة القهوة تعمل، لحسن الحظ، لأن ذلك كان سيكون عائقا".
جميع المطاعم والمقاهي أغلقت، وكذلك معظم منافذ الطلبات الخارجية. بالنسبة إلى القليل من الأشخاص الذين لا يزالون في العمل، فإن أفضل أمل لهم لتناول طعام الغداء هو شطيرة من السوبر ماركت.
قال أحد المتداولين المخضرمين إن أهم فرق بين الآن والأزمة المالية الكبرى هو أنه في عام 2008، كان بإمكان العاملين في الحي المالي الانسحاب إلى المقهى. هناك ثلاثة مقاه تقليدية على مرأى من مكتبه.
مع عمل كثير من موظفي القطاع المالي من المنزل - غالبا بفاعلية مدهشة - يتساءل بعضهم عما إذا كان الحي سيتغير دائما بعد انتهاء الحجر التام.
قال أحد الرؤساء التنفيذيين إن المشكلة الأكبر هي أن العاملين من المنزل يعملون بجد - يحدقون في الشاشة من الاستيقاظ إلى وقت النوم. "إنه أقل كفاءة لكنه ينجح. يمكنك أن تنجز 95 في المائة وهذا يفي بالغرض".
ديفيد كيناستون، مؤرخ من الحي، تذكر آثار هجوم 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابي على نيويورك. "في تلك المرحلة بدا الأمر وكأنه تساؤل مفتوح حول ما إذا كان لمجموعة الخدمات المالية المادية مستقبل".
أضاف أن الجدال تلاشى "لكن من المفترض أن المصارف ستجري بعض التقييم لمدى الإنتاجية التي عانت التشتت المادي. قد تكون النتيجة ’ليس كثيرا،. لكنها ربما تحسنت".
اعترفت سو لانجلي، رئيسة Gallagher، شركة التأمين، وعضوة في الحي المالي، بأن ممارسات العمل لا بد أن تتغير، مع وجود عدد أقل من الناس ينحشرون كل يوم في "سكوير مايل" في الوقت الذي يعملون فيه بشكل أكثر انتظاما من المنزل. لكنها قالت إن التواصل وجها لوجه سيظل حاسما بالنسبة إلى كثيرين: "لا يمكنك بناء علاقة شخصية عبر الهاتف".
قالت إن التفاعل البشري أمر أساسي "للشعور بالانتماء إلى منظمة وليس إلى طاولة المطبخ". لهذا السبب سيمتلئ الحي المالي قريبا مرة أخرى، حسب توقعاتها. "ما زلنا جميعا هناك بأرواحنا. لم نرحل حقا. سنعود".
 

الأكثر قراءة