فرار العمالة الهندية الرخيصة من المدن يهدد الحياة في الريف

فرار العمالة الهندية الرخيصة من المدن يهدد الحياة في الريف
توقف الحياة في مومباي العاصمة الاقتصادية للهند بعد الإغلاق

عندما أمرت السلطات الهندية بإغلاق مدينة مومباي، العاصمة المالية الصاخبة للهند، لمنع انتشار فيروس كورونا، تسبب ذلك في نزوح جماعي للعمال المهاجرين.
عشرات الآلاف من الأشخاص الذين عادة ما يقودون سيارات الأجرة، ويديرون أكشاك الطعام ويعملون في أعمال صغيرة أخرى، فروا إلى منازلهم في المناطق الريفية في الهند.
حتى تعليق جميع خدمات القطارات والحافلات العامة بين المدن فشل في منع الناس من التدفق خارج المدن الهندية، حيث أقدموا على رحلات طويلة إلى المنازل سيرا على الأقدام، عندما أدى حظر التجول المفاجئ إلى توقف معظم الأنشطة.
يوم الثلاثاء الماضي، أمر رئيس الوزراء ناريندرا مودي جميع سكان الهند البالغ عددهم 1.37 مليار نسمة بالبقاء داخل منازلهم خلال الأيام الـ21 المقبلة، في محاولة للتغلب على الفيروس.
يخشى كثير من الخبراء أن العمال المهاجرين ربما يكونون قد حملوا في الأصل دون قصد فيروس كورونا إلى المناطق الريفية البعيدة في الهند، حيث البنية التحتية الصحية الهشة غير مستعدة على الإطلاق للتعامل مع زيادة عدد المرضى المصابين بأمراض خطيرة.
قالت شاميكا رافي، مديرة الأبحاث في مؤسسة بروكينجز الهند: "بالنظر إلى أن السفر في الوقت الحالي هو أكبر مصدر للعدوى لدينا، فإن هذا الانتقال الكبير من المدن إلى المناطق الريفية سيجعل الأمر أسوأ. هناك إغلاق من دون حزمة اقتصادية، لذلك ماذا سيفعل الناس؟ سيسيرون إلى المنازل في الأرياف، حتى لو لم تكن لديهم قطارات".
عدم القدرة على توقع هروب العاملين المهاجرين إلى خارج المدن الكبيرة - أو منع ذلك بحزمة إغاثة ومبادرات أخرى لإبقاء الناس في مكانهم - هو أحد أعراض التحديات الأوسع التي تواجهها الهند في التعامل مع الفيروس.
حتى الأسبوع الماضي، كانت حكومة مودي تطمئن الهنود أنها تسيطر على تفشي المرض، مشيرة إلى قيود السفر إلى الدول الأكثر تضررا بالفيروس وفحص الناس في مطاراتها.
مع ارتفاع عدد الحالات المؤكدة إلى 536 ووفاة 11 شخصا حتى الآن، اضطر مودي إلى التصرف بشكل أكثر حسما، من خلال توقيف جميع الأنشطة الاقتصادية.
في خطاب تلفزيوني يوم الثلاثاء الماضي، قال مودي إن حظر التجول ضروري لمنع الفيروس المميت من "الانتشار كالنار في الهشيم".
كان ذلك اعترافا ضمنيا بأن السلطات ليست لديها أدنى فكرة عن مدى انتشار الفيروس بين السكان، وكثير منهم ضعفاء بسبب سوء التغذية المزمن واعتلال الصحة.
يقول خبراء الصحة العامة إن نيودلهي تجاهلت التحذيرات من أن فحص المطارات ليس ذا فائدة كبيرة، بالنظر إلى أن حاملي فيروس كورونا قد لا تظهر عليهم الأعراض لأسابيع.
كما بدت نيودلهي أيضا مترددة بشأن زيادة اختبارات فيروس كورونا، الأمر الذي حذر الخبراء من أنه مهم لتتبع كيفية انتشار الفيروس والمساعدة على إبطاء انتقال العدوى.
قال خبير هندي في الصحة العامة مشارك في المناقشات الرسمية حول فيروس كورونا، "كانت هناك حالة إنكار حول ما إذا كان الوباء سيصل بالتأكيد أم لا. هذا الإنكار كان نفسيا أكثر مما هو عملي. دائما ما كان العلم إلى جانب حتمية الوباء".
تستعد نيودلهي الآن لما حذر علماء الأوبئة أنه ستكون زيادة حتمية في حالات الإصابة بفيروس كورونا، التي من شأنها أن تطغى على النظام الصحي في الهند الذي يعاني نقص تمويل مزمنا، الذي يحتوي على ما يقدر بـ70 ألف سرير للعناية المركزة، وعدد حتى أقل بكثير من أجهزة التنفس الاصطناعي.
في خطابه، أعلن مودي عن تخصيص مبلغ ملياري دولار لشراء اللوازم الطبية لمعالجة المرض، بما في ذلك المعدات الوقائية للأطباء.
قال أحد كبار مسؤولي الصحة في الحكومة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "الهند دولة تأتي إليها كل الأشياء معا في الأزمات".
"الفكرة هي الاستعداد للزيادة الكبيرة في عدد الإصابات. إذا كانت الأرقام التي نراها في الدراسات صحيحة، فسيكون لدينا ملايين الأشخاص المصابين. نظامنا الصحي الحالي غير مهيأ للاستجابة لذلك العدد من الناس. هناك جهود ضخمة تجري من حيث إنشاء القدرات".
تهدف الحكومة إلى إنشاء عنابر متخصصة لمرضى فيروس كورونا، بعضها في المستشفيات العادية، بينما سيتم وضع غيرها في أنواع أخرى من المنشآت الحكومية، مثل بيوت الشباب والمدارس والمرافق الرياضية، لمنع انتشار الفيروس إلى المرضى الآخرين.
في حين أن المباني الفارغة قد تكون متاحة، إلا أنه سيكون من الصعب الحصول على المعدات الطبية المتخصصة، بالنظر إلى الطلب العالمي الهائل. قال مسؤول الصحة: "الأمر مثل الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. الأمر كأنه حرب أخرى هنا. سيتعين علينا الطلب من أي شخص يستطيع إنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي أو معدات الحماية الشخصية أن يفعل ذلك".
الاختبارات، أيضا، لا تزال قليلة. قال تنفيذي في إحدى شركات الاختبار: "إنهم مستميتون للحصول على بعض الاختبارات. هذا هو الإحساس الكامل الذي أشعر به". في الوقت الذي تبدأ فيه الهند إغلاقها المطول، يأسف الخبراء أن الهند لم توسع بروتوكول اختباراتها التقييدي في وقت أبكر بكثير.
سيتسبب التأخير في مزيد من الصعوبات لملايين العائلات الفقيرة، التي تعاني في الأصل تباطؤا اقتصاديا طويلا.
قالت السيدة رافي: "إذا تمكنت من إجراء الفحص والمراقبة والعزل الوقائي، عندها لن تحتاج إلى عمليات إغلاق هائلة في وقت لاحق. نحن لا نستثمر في المعرفة اللازمة لوقف هذا الشيء. هذه ليست مجرد أزمة صحية. إنها أزمة إنسانية".

الأكثر قراءة