هل حققت منظمة أوبك أهدافها؟
تفخر السعودية بأنها كانت إحدى الدول المؤسسة لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، ممثلة في أول وزير للبترول والثروة المعدنية، الشيخ عبد الله الطريقي ـ رحمه الله ـ في أوائل الستينيات الميلادية. وكان الدافع الرئيس لتكوين المنظمة تلاعب شركات النفط العالمية آنذاك بأسعار بيع برميل النفط بين الشركات التي كانت مسؤولة عن عمليات الإنتاج وبين مالكي تلك الشركات أو ما كان يُطلق عليه الشركات الأم، ما كان ُيفقد الحكومات المضيفة مبالغ مالية كبيرة دون وجه حق، إلى جانب ممارسة شركات النفط التعامل مع كل دولة مضيفة على انفراد عن بقية الدول الأخرى فيما يخص بعض المميزات في العقود من أجل سهولة فرض سيطرتها على الجميع. وكان من الواضح أن الهدف الأساسي من إنشاء المنظمة حماية الحقوق المشروعة لأصحاب الأرض التي تنتج النفط.
ولذلك فقد كان رد الفعل المبدئي لشركات النفط لوجود المنظمة عنيفاً وغاضباً في أول الأمر، لعلمهم أن من أهدافها كسر احتكار الشركات وإجبارها على التحلي بالمرونة وتطبيق روح الاتفاقيات على الجميع. وبعد أن انتقلت معظم ملكيات المنشآت النفطية إلى الدول المالكة، أصبح الهدف الرئيس لنشاط المنظمة الحفاظ على توازن السوق النفطية وضمان تحديد حصص التصدير العادلة لأعضاء المنظمة بينها وبين المصدرين من خارج منظمة أوبك لتقليص تذبذب الأسعار ومحاولة إبقائها عند مستوى مقبول من الجميع.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، بعد أكثر من 45 عاماً من تأسيس "أوبك"، هل نجحت المنظمة في تحقيق جميع أهدافها التي قامت من أجلها؟
الجواب على وجه العموم بنعم، خصوصاً خلال السنوات العشر الأولى من عمرها، حيث مهدت لحكوماتها الطريق لمواجهة شركات النفط العاملة في أراضيها بأهداف متقاربة وبسطت سلطتها إلى حد ما على السوق النفطية، تبع ذلك تحديد حصص الإنتاج لكل دولة من أعضاء منظمة أوبك, ولكنها لم تستطع في أي وقت من الأوقات أن تسيطر أو أن تتحكم في أسعار النفط العالمية، لا صعوداً ولا انخفاضاً.
في الواقع أن المتتبع لحركة أسعار النفط خلال السنوات الماضية لا يسعه إلا أنْ يتخيل يداً سحرية تلعب به صعوداً وهبوطاً. فلا زيادة الإنتاج تمنع ارتفاعه ولا تقليصه يساعد على منع نزوله إلى مستوى متدن كما هو حاصل اليوم. وكثيراً ما يتحدث المسؤولون في الأوساط النفطية عن مقدار السعر العادل لبرميل النفط، ثم يحددون سعراً معيناً وكأنهم يمتلكون القدرة على إثبات ذلك السعر، وهو أمر لم يحدث قط خلال الزمن الماضي من عمر استهلاك النفط. فالنفط أثبت أنه سلعة حرة بمعنى الكلمة لا أحد يستطيع الوقوف في اتجاه صعوده ولا نزوله، ولا يمكن حتى التنبؤ في أي اتجاه سيسير.
فقد ظلت مجموعة "أوبك" تراقب بذهول ارتفاع سعر البرميل بسرعة الصاروخ من حدود 50 دولاراً إلى 147 دولاراً للبرميل الواحد خلال مدة زمنية قصيرة، حتى ظننا أنه بعد استراحة قصيرة سيستمر في الصعود إلى حدود 200 دولار. وإذا به يهوي بسرعة أكبر من سرعة الصعود إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل في غضون فترة قصيرة أيضا، والمنتجون والمستهلكون يراقبون بذهول حركاته البهلوانية.
وذلك لا يعني أن القرارات التي تتخذها مجموعة "أوبك" عند ما تعلن تخفيض الإنتاج من أجل إيقاف تدهور الأسعار ليس لها أي مفعول مطلقاً، بل العلة في عدم تطبيق مضمون القرارات من قبل أكثر من عضو في المنظمة، وهو تصرف لا يخدم المصالح العامة للدول المنتجة. فتجد أن الجهة التي لا تتقيد بالحصص المتفق عليها، في الوقت الذي يستدعي فيه وضع السوق النفطية تخفيض الإنتاج، لا يهمها أن تستنفد ثروتها الثمينة الناضبة في سبيل بيع أكبر كمية ممكنة بأسعار بخسة، وهي خسارة لا تُعوَّضْ.
واللافت للنظر فيما يختص باتخاذ القرارات المهمة التي يتطلبها وضع السوق النفطية، يلاحظ المرء التباطؤ الشديد في رد الفعل والتريث في توقيت الاجتماعات رغم أهمية الموضوع وطول الوقت الذي يتطلبه تنفيذ القرارات، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بتخفيض الإنتاج والسعر يسير نحو الانحدار. وكان بالإمكان أن توجد الدول المصدرة للنفط آلية بسيطة تستطيع بواسطتها التحكم في كميات الإنتاج حسب حصص كل دولة مع ما يتناسب مع الأسعار التي ترغب دول "أوبك" في تبنيها والحفاظ عليها، وتكون معظم الاتصالات بين أعضاء المنظمة تتم بين ممثلين عن كل دولة باستخدام وسائل الاتصال الحديثة.
ومع صعوبة، أو قل استحالة التحكم بأسعار النفط من قبل أي جهة كانت، فإن منظمة أوبك لم تسلم من الاتهامات بأنها وراء كل ارتفاع في السعر، وهو ادعاء أقرب إلى التهويل منه إلى الحقيقة. فلو كان بإمكان "أوبك" أن تلعب أي دور فاعل في السوق النفطية، لما انحدرت الأسعار من 147 دولارا للبرميل إلى أقل من 40 دولارا خلال مدة لم تتجاوز عدة أشهر والكل كان يتفرج، وقبلها عام 1998, عند ما هبطت الأسعار إلى ما دون عشرة دولارات للبرميل، ولم تستطع "أوبك" آنذاك أن تعمل أيَّ شيء للحد من النزول الذي لم يكن له ما يبرره.
وكتب هنري كيسنجر مقالا في جريدة "هيرالد تربيون" في 18 أيلول (سبتمبر) الماضي، بالاشتراك مع زميل له يدعى مارتن فيلدستاين، ضمناه انتقاداً حاداً وهجمة شرسة على مصدِّري النفط على أساس أنهم أسباب مشكلات العالم وأن هدفهم الاستحواذ على أموال الدول الغنية. وواضح من المضمون أن المقصود بالدول المصدرة هي دول منظمة أوبك، وجميعها دول نامية، فلا يصدق عاقل بأن لديها القدرة على ابتزاز أو الاستيلاء على أموال الدول المستهلكة الكبرى. وأكثر ما يميز الخطاب في المقال المبالغة والتهويل والبعد عن قول الحقيقة، وهي صفات لا يليق بإنسان في مستوى كيسنجر الذي بلغ من الكبر عتياَّ أن يسمح لقلمه أن يسطرها. ومن حسن الطالع أن يتصدى لهؤلاء المخرفين عالم فذ وجليل وكاتب مبدع، هو الدكتور الفاضل راشد المبارك ـ حفظه الله، في مقال نشر في جريدة "الشرق الأوسط" في عددها يوم 9 من الشهر الجاري، فنَّد فيه ادعاءاتهما بلغة علمية وعقلانية متميزة بعيدة عن مبتذل القول، ننصح بقراءته.