مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع

مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع

مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع
مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع
مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع
مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع
مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع
مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع
مرضى الجذام ينزوون إلى العزلة هربا من نظرات المجتمع

تطاردهم نظرة المجتمع أينما حلوا أو ذهبوا, يتمنون أن يكتفي هذا المجتمع بتلك النظرة سواء كانت عاطفية أو نظرة ازدراء, ولا أن يتجاوز تلك النظرة إقدام على النفور منهم.
مشكلتهم أنهم ابتلوا بمرض أقل ما يفعله في المريض هو أن يشوه جسمه, وأكبر نتائجه هو الموت, يسمى هذا المرض "مرض الجذام" الذي قال عنه رسول الله "فر من المجذوم كما تفر من الأسد", على الرغم من أن العلم تطور وأصبح هذا المرض غير مخيف, وأصبحت طرق مكافحته متوافرة, حتى قد لا تسجل إحصائات كبيرة عن وجوده خصوصا في المملكة, بل أن التقارير الطبية تقول إنه لا ينتقل بسهولة، وإن ما نسبته 1 في المائة قد تكون لديهم القابلية في تقبل عدوى مريض الجذام.
ارتضوا على أنفسهم بأن يطلق عليهم " المنسيون في الأرض" وذلك من جراء ما انتهجوه من استيطانهم مستشفى ابن سيناء الواقعة في مركز حدا غرب منطقة مكة المكرمة, بعد أن تشافوا من المرض وخرجوا إلى أهاليهم ليصطدموا برفض أقرب الناس لهم, حيث كانت تلاحقهم النظرات, ويتعبهم النفور من مجالستهم, الأمر الذي أرجعهم إلى المستشفى الذي كانوا يتلقون فيه العلاج والرعاية, وآثروا فيه الإقامة وكونوا فيما بينهم صداقات, وارتباطات عميقة وصلت إلى حد التزاوج وتكوين الأسر, ما جعل وزارة الصحة تنشئ لهم مساكن داخل المستشفى, مساهمة منها لكي يستطيعوا أن يواصلوا حياتهم الطبيعية عن مجتمع قد رفضهم.

عندما قررنا الذهاب أنا وزميلي المصور إلى مستشفى ابن سيناء لنكون قريبين من هؤلاء المرض نرصد ونصور الحياة التي يحيونها بين جنبات المستشفى كانت تنتابني المخاوف حول خطورة إمكانية انتقال العدوى لدى عمل المقابلات معهم, ولكن التطمينات التي حصلنا عليها من العاملين في المستشفى من عدم انتقال العدوى - بإذن الله - هي التي شجعتنا على الإقدام لعمل هذا التقرير.

#3#

في بداية الأمر ذهبنا إلى إدارة مستشفى ابن سينا لمعرفة المزيد عن مرض الجذام ومدى خطورته في هذا الوقت, وما يقدمه المستشفى من رعاية طبية لهؤلاء المرضى.
يقول خالد بن عبدالله زقزوق رئيس قسم الخدمة الاجتماعية الطبية في مستشفى ابن سيناء" يعد مستشفى ابن سيناء الوحيد في المملكة الذي يستقبل هذه الحالات من مرضى الجذام, والمرضى الذين يتواجدون فيه حاليا لا يتجاوزون الـ 40 حالة إن لم تكن أقل, وهذا دليل على أن المرض قد انحصر وقل تواجده في المملكة, وذلك بفضل الله ثم الوقاية التي تنتهجها وزارة الصحة لمكافحة هذا المرض".
وأشار زقزوق أن المرضى في السابق عندما كانوا يأتون إلى المستشفى كانت حالتهم متقدمة, وكان المرض قد تمكن منهم وبدرجة كبيرة مما كان يصعب وقتها علاجهم, الأمر الذي نضطر إلى إعطاء المريض مهدئات, وبعض الأدوية, البعض منهم تتم معالجتهم, والبعض الآخر يتوفاه الله بعد معاناة طويلة مع المرض.
وأضاف رئيس قسم الخدمة الاجتماعية الطبية أن معظم الذين تتم معالجتهم, ويتم إخراجهم من المستشفى, يعودون بعد فترة وجيزة طالبين منا البقاء في المستشفى, والعيش فيه, معللين بذلك بالمعاناة التي قاسوها من نظرة المجتمع لهم والنفور الذي لاقوه من أقرب الأقربين لهم, مما ولد لديهم معاناة نفسية رهيبة, الأمر الذي جعل إدارة المستشفى تسارع إلى استضافتهم, وتقديم كافة الرعاية لهم.
وكشف زقزوق عن الألفة التي تتم بين المرضى وبين ممرضيهم وأطبائهم وكيف أنها تعد قوية ومتينة, الأمر الذي جعلهم يعيشون في جو أسري أفضل بكثير من الأجواء التي كانوا يتمنونها خارج المستشفى, مشيرا إلى أنه قضى في عمله أكثر من 25 عاما, كانت كفيلة بأن يشعر بأنه ضمن المنظومة الأسرية التي يتعايشها المرضى وكافة العاملين الذين يقومون على رعايتهم, مضيفا أنه قد تم تزويج عدد من المرضى والمريضات الذين تم معالجتهم داخل المستشفى, وهم الآن يعيشون في مساكن وفرتها لهم وزارة الصحة داخل محيط المستشفى, ولديهم أبناء أصحاء, حيث وصل عدد إحدى الأسر في المستشفى أكثر من 13 فردا من أب وأم كانوا مريضين بمرض الجذام سابقا, ويتلقون معونات سواء من إدارة المستشفى أو الجمعيات الخيرية أو أهل الخير الذين يقدمون في المناسبات المعونات المالية لهم.
تركنا خالد زقزوق لنقوم بجولة داخل غرف المرضى في المستشفى, وصاحبنا في هذه الجولة محمد المطيري الأخصائي الاجتماعي في مستشفى ابن سيناء الذي كان له الدور البارز في تسهيل مهمتنا, حيث كنا نلاقي صعوبة في تقبل المرضى في عمل لقاءات معهم, وكذلك لكاميرا "الاقتصادية" التي أفسحوا لها الطريق بعد أن استطاع الإخصائي الاجتماعي أخذ الموافقة منهم.
العم محمد الذي لا يعلم عن سنوات عمره والتي من المتوقع أن تكون تجاوزت الـ 60 عاما يعيش في هذا المستشفى منذ ما يقارب الـ 30 عاما, قضاها في هذا المستشفى دون أن تكون لديه رغبه في العيش خارجه.
عندما دخلنا إلى حجرته بادر إلى إعطائنا بعض الرسوم والأوراق التي كان يخطها بيده ناقشا كلمات القرآن الكريم, طالبا بأن نصور له تلك الرسوم والأوراق.
يقول العم محمد " عندما تعالجت وشعرت بأنني أصبحت إنسانا سليما, ذهبت إلى قريتي لكي ارتمي وسط أحضان أهلي وأقربائي بعد أن تغربت عنهم لعدة سنوات كنت أتعالج فيها من مرض الجذام, ولكن ما صدمني هو نفور أقاربي وأبناء قبيلتي من مجالستي والابتعاد عني, حتى وصلت إلى درجة أحسست فيها بأنني منبوذ وسط أهلي, اتخذت قراري, وأتيت إلى المستشفى وأوقفت سيارتي بجوار مبنى المستشفى وحتى الآن هي متوقفة ولم تبارح مكانها قط منذ ذلك الوقت, وأنا أعيش الآن هنا بين أصدقائي في جو أسري أفضل منه في الخارج".
تركنا العم محمد واتجهنا إلى حجرة أخرى كان هناك رجل قد شارف عمره على الـ 80 عاما مضطجع على سريره لا يتحرك قال عنه محمد المطيري الإخصائي الاجتماعي" إن هذا المريض تشافى من مرض الجذام تمام ولكن يعاني من شللا أقعده منذ سنوات طويلة, ولكن حالته لا تختلف عن العم محمد حيث فضل العيش في هذا المستشفى، ونحن هنا نقدم له كافة الرعاية الطبية له".

#2#

بينما نتجول في أروقة المستشفى إذ بحامد العسيري 59 عاما وهو أحد العاملين على خدمة المرضى, يخرج من إحدى الحجرات بعد أن أنهى مهام عمله مع أحد المرضى, استوقفه الإخصائي الاجتماعي المرافق لنا وأوضح له مهمتنا, ورحب بنا وبدأ في سرد قصته مع المرض إذ يعتبر من الأشخاص الذين عاصروا المرض مرضا وتمريضا.
يقول حامد " أصبت بهذا المرض وأنا في صغري حيث لم أتجاوز سنواتي الخمس, كنت حينها أعيش في منطقة الجنوب وتحديدا في محائل عسير, وكنت أرعى الأغنام مع والدي, وعندما اشتد المرض علي ذهبت إلى المستشفى, ومكثت قرابة الـ 25 عاما أتلقى العلاج فيه, أذهب وأعاود إليه في مراجعات دورية منتظمة".
وتابع العسيري حديثه " بعد تلك السنوات التي قضيتها في مرحلة العلاج, أبديت رغبة في العمل في خدمة المرضى, وتمت الموافقة على طلبي ومنذ ذلك الحين وأنا أخدم في المستشفى، حيث قاربت خدمتي الـ 28 عاما, وبإذن الله العام المقبل سأحال إلى التقاعد".
وأضاف العسيري " على الرغم من عدم استطاعتي للإنجاب فقد تزوجت أربع مرات والآن في ذمتي زوجتان إحداهما وهي كانت مريضة بنفس المرض الذي كنت أعانيه, وكانت تعالج في هذا المستشفى, وهي الآن تعمل على خدمة المريضات في القسم النسائي, أما الأخرى فتزوجتها قبل نحو ثلاثة أعوام وتبلغ من العمر 30 عاما, وراضي بقضاء الله وقدره".

#4#

وفي نهاية الجولة التقينا الدكتور عبد الكريم الكيال الذي أشار إلى أنه يعمل في هذا المستشفى أكثر من 30 عاما, الأمر الذي أوجد تعاملا خاصا بينه وبين مرضاه, يختلف كثيرا عن تعامل أي طبيب آخر مع مريض في تخصصات أو مستشفيات أخرى.
وأشار الدكتور عبد الكريم إلى أن مرض الجذام يعد من أقدم أمراض التاريخ, حيث وجد في المومياء الفرعونية, وهو من الأمراض قليلة الانتشار, ونسبة انتقال العدوى تكون قليلة جدا, وذلك عند وجود أشخاص تكون لديهم قابلية لتقبل العدوى.
وأبان الدكتور الكيال أن مرض الجذام أصبح الآن من الأمراض التي يمكن السيطرة عليها ومعالجتها, بعد التطور الكبير في علم الطب, مشيرا إلى أن منظمة الصحة العالمية اكتشفت علاجات لهذا المرض بحيث تم دمج عدة علاجات في علاج واحد يساعد على القضاء على هذا المرض, مبينا أن الحالة التي تكون في بدايتها تكون فترة علاجها لا تتجاوز السنة, بينما الحالات المتطورة فغالبا ما تكون فترة علاجها سنتين.
والجذام مرض مزمن بكتيري ، تدعى البكتيريا " المتفطرة الجذامية " وتتكاثر المتفطرة الجذامية ببطء شديد، وتصل فترة حضانة المرض إلى نحو خمسة أعوام. ويمكن أن يحتاج ظهور الأعراض إلى فترة قد تمتد إلى 20 عاماً.
والجذام مرض ليس شديد العدوى. فهو ينتقل عبر رذاذ الأنف والفم, ويصيب الجذام الجلد والأعصاب أساساً, وإذا لم يعالج، فإنه يمكن أن يحدث تلفاً مرحلياً ودائماً للجلد والأعصاب والأطراف والعيون.

#5#

#6#

#7#

ولمرض الجذام ثلاث صور الجذام الدرني: يظهر على شكل بقع بيضاء على الجلد فاقدة للإحساس، تضخم في الأعصاب الطرفية بحيث تكون محسوسة أحيانا، وهو إما يزول لوحده أو يتحول إلى الجذام الجذمومي.
الجذام الجذمومى: ويشمل هذا النوع من الجذام إصابة حتى الأعضاء الداخلية للجسم، إضافة إلى تدميره للجلد والأنف والوجه (يسمى وجه الأسد).
وتحتوي المناطق المصابة بالجلد والأغشية المخاطية على كميات كبيرة من ميكروب الجذام وبالتالي يعتبر الجذام الجذمومي مصدرا أساسيا للعدوى وإن لم يعالج هذا النوع فإن حالة المريض تستمر في التدهور وتظهر عليه المضاعفات الخطيرة للمرض مثل فقدان البصر والأنيميا ونقص المناعة والعقم وتدهور وظائف الكبد والكلى وينتهي الأمر بالوفاة.
أما الجذام الحدي فهو نوع يكون بين النوعين السابقين، يصيب الأشخاص ذوي المناعة غير المستقرة وتظهر أعراض مشتركة من النوعين السابقين.

الأكثر قراءة