العالم والنمو السكاني والشيخوخة والهجرة «1 من 3»

تعيش البشرية صراعا مع قوى التغيرات الديموغرافية، وتكمن أبرز هذه التغيرات في سرعة النمو السكاني في بعض الاقتصادات النامية وتحول نسب المراهقين والشباب الراشدين في اقتصادات أخرى، وتزايد طول الأعمار وشيخوخة السكان في أنحاء العالم، والتوسع الحضري والهجرة الدولية. ويفرض جميعها تحديات جسيمة، فهي تهدد النمو الاقتصادي، واستقرار المالية العامة، وجودة البيئة، وتحقيق الأمن والرفاهية للبشرية، لكن التغلب على أي منها ليس أمرا مستحيلا. وأفضل السبل للتعامل معها هو تحرك صناع السياسات في القطاعين العام والخاص للعمل بشكل حاسم وتعاوني وعاجل. ويتضمن هذا التحرك معالجة إصلاح سياسة التقاعد، ووضع سياسة للهجرة العالمية، وتوفير وسائل منع الحمل لملايين النساء، ومواصلة تحسين معدلات بقاء الأطفال ومعالجة الأمراض المزمنة.
كان النمو السكاني بطيئا للغاية على امتداد معظم فترات تاريخ البشرية. ولم يصل تعداد سكان العالم إلى مليار نسمة حتى مطلع القرن الـ19 ولم يصل إلى ملياري نسمة إلا في عشرينيات القرن الـ20. لكن أخذ سكان العالم في التزايد بوتيرة أسرع بكثير خلال القرن الماضي. فبلغ تعدادهم ثلاثة مليارات عام 1960 ثم قفز إلى سبعة مليارات عام 2011.
وفي بداية عام 2016، كان عدد سكان العالم 7.4 مليار نسمة ويتوقع زيادتهم 83 مليون نسمة هذا العام، وهو ما يمثل الفرق بين 140 مليون مولود و57 مليونا من الوفيات. وتشير توقعات المتغير المتوسط لشعبة السكان في الأمم المتحدة التي تفترض تطور سلوك الخصوبة على نحو يتسق مع الاتجاهات العامة والأنماط الماضية، إلى أن تعداد سكان العالم سيتجاوز ثمانية مليارات في 2024، وتسعة مليارات في 2038، وعشرة مليارات في 2056. وسيكون بلوغ تعداد سكان العالم عشرة مليارات مكافئا لإضافة عدد سكان الصين والهند إلى سكان العالم الحاليين.ومن المسلم به أن هناك شيئا من عدم اليقين المحيط بهذه التوقعات. فعلى سبيل المثال: في ظل توقع المتغير المنخفض لشعبة السكان في الأمم المتحدة "الذي يفترض انخفاض الخصوبة بمقدار نصف طفل" لن يصل تعداد السكان إلى ثمانية مليارات نسمة حتى عام 2026، بينما يصل في ظل توقع المتغير المرتفع "الذي يفترض ارتفاع الخصوبة بمقدار نصف طفل" إلى هذا المستوى في 2022. لكن، أيا كانت الظروف فإن سكان العالم ماضون في مسار غير مسبوق في التاريخ.
وسيشهد 99 في المائة من النمو المتوقع على مدى الأربعة عقود المقبلة الدول المصنفة في فئة الأقل نموا -إفريقيا وآسيا "ما عدا اليابان" وأمريكا اللاتينية والكاريبي، وميلانيزيا، وميكرونيزيا، وبولينزيا. ويعيش في إفريقيا حاليا سدس سكان العالم، لكنها ستسهم بنسبة 54 في المائة في نمو سكان العالم من الآن حتى عام 2050. ويتوقع لحاق سكان إفريقيا بالسكان في مناطق أكثر نموا -"أستراليا وأوروبا واليابان ونيوزيلندا وأمريكا الشمالية- كندا والولايات المتحدة في المقام الأول" بحلول عام 2018؛ وسيصلون إلى ما يزيد على ضعف حجمهم بحلول عام 2050.
وتشمل التحولات البارزة الأخرى المتوقعة في مجموع السكان من الآن حتى عام 2050 ما يلي:
ستتجاوز الهند الصين عام 2022 لتضم أكبر عدد من السكان المواطنين.
سيبلغ سكان نيجيريا نحو 400 مليون نسمة، ما يفوق ضعف عددهم الحالي، فتتقدم البرازيل وإندونيسيا وباكستان والولايات المتحدة لتضم ثالث أكبر عدد من سكان العالم.
سيتراجع عدد سكان روسيا بنسبة 10 في المائة وينمو سكان المكسيك بنسبة أقل قليلا من المعدل العالمي البالغ 32 في المائة، حيث يتراجع هذان البلدان من أعلى عشر دول تضم سكانا مواطنين، بينما تضم إلى قائمة أعلى عشر دول كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية بزيادة نسبتها 153 في المائة، وإثيوبيا 90 في المائة.
ستشهد 18 دولة معظمها في شرق أوروبا "ومنها روسيا" تراجعا في عدد السكان يبلغ 10 في المائة أو أكثر، بينما سيزداد عدد السكان في 30 دولة "معظمها في إفريقيا جنوب الصحراء" على الأقل بمقدار الضعف.
وتفرض سرعة النمو السكاني تحديات، منها الحاجة إلى توفير وظائف لأعداد كبيرة وتزويدهم برأس المال البشري "جودة التعليم والتدريب والصحة" كما يتعين أن يكونوا منتجين. ويجب أن تضع الدول أسس رأس المال المادي والبنية التحتية اللازمة كي تدعم زيادة فرص العمل؛ وإلا سيزداد انتشار المعاناة الجماعية والصراعات والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير المستقرة وربما وقف عدم المساواة المتزايد بين الدول حجر عثرة أمام التعاون الدولي، وأفضى إلى تعطيل أو حتى عكس مسار عملية العولمة التي لا تزال تحمل إمكانات كبيرة لرفع مستويات المعيشة حول العالم. إضافة إلى ذلك، غالبا ما تفرض سرعة النمو السكاني ضغوطا على النظم البيئية والموارد الطبيعية، وتضعف أمن الغذاء والطاقة والمياه، ما يزيد تراجع مستوى جودة البيئة المحلية والعالمية سوءا ويقلل احتمالات معالجتها والتكيف معها.
وتشير التقديرات إلى ضرورة توفير عدد هائل من فرص العمل يصل إلى 734 مليون فرصة جديدة على المستوى العالمي في الفترة بين 2010 و2030 لاستيعاب الزيادات المتوقعة في أعداد السكان، مع الأخذ في الحسبان حدوث تغيرات معقولة في معدلات المشاركة في القوى العاملة، وبلوغ معدلات البطالة المستهدفة وهي 4 في المائة أو أقل للكبار و8 في المائة أو أقل للشباب... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي