قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات يقود عربة الفرص الواعدة في التنمية المستدامة

قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات يقود عربة الفرص الواعدة في التنمية المستدامة

في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات دائما يتبادر إلى أذهاننا السؤال: ما نقاط تقاطع القطاع الصناعي أو التجاري المعين مع المجتمع، وارتباطه بمصالحه؟
الواقع أن نقاط التقاطع هذه تأتي دائما ًمن جهتين أولا من خلال الخدمات والمنتجات التي يقدمها هذا القطاع. وثانيا ًمن خلال الآثار السلبية والإيجابية، التي ينتجها أو يخلقها نشاطه الإنتاجي، وما يرشح من هذه التقاطعات من أفعال وردود أفعال، هو المجال الذي يعمل فيه مؤشر التنافسية المسؤولة عبر ثلاثة محاور أو مسارات للدفع باتجاهها من الشركات في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات،وهي : العطاء الذكي، الابتكار، وتنمية الموارد البشرية عن طريق التعليم والتدريب والتأهيل لسوق العمل، وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل في هذه العجالة.

تجسير الفجوة الداخلية والخارجية

وحين نأخذ قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات كمثال، نجد أن لخدمة الاتصال دورا كبيرا في تنمية المجتمعات وذلك من خلال سرعة الوصول إلى المعلومات ، لدرجة أصبح معها العالم قرية صغيرة كما كان يقول المهاتما غاندي " قريتي العالم "، لقد أصبح هذا الشعور الإنساني المعنوي حقيقة وواقعية.
وبما أن المعرفة قوة ، فإن العالم أخذ الآن يتجه إلى اقتصاد المعرفة، وقد لوحظ دائما في هذا الصدد أن هناك علاقة قوية بين الاقتصادات الناجحة ومستوى التنمية في المجتمع المعين وبين قوة وفعالية بنية الاتصالات والتقنية فيه.
ومن هنا يكتسب الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه شركات الاتصالات وتقنية المعلومات بالمساهمة الفاعلة والمؤثرة في التنمية المستدامة للمجتمع ، وذلك عبر عدة محاور.
ولعل أهم هذه المحاور التي تشكل تحديا أمام هذه الشركات هي سد الفجوة المعلوماتية بين المجتمعات المتقدمة المنتجة لتقنية المعلوماتية والاتصال والمجتمعات المستهلكة لها، لخلق فرص اقتصادية جديدة، وردم الفجوة الحضارية والثقافية بينهما من ناحية.
وردم الفجوة المعلوماتية بين المناطق المركزية ومناطق الأطراف في الدولة الواحدة ، بتوصيل خدمة الاتصال والمعلومات إلى الشرائح غير المخدومة للنهوض بها، وفتح آفاق جديدة وطرق جديدة لتنميتها، وتمليكها القدرة على الاتصال بالعالم، فتصبح هنا المسؤولية الاجتماعية للشركة في إطار مؤشر العطاء الذكي متمثلة في قدرتها على وضع منهجية عمل لإيصال خدمة المعلومات إلى الشرائح المحرومة منها، وتوسيع الفرص الاقتصادية في المجتمعات التي تعمل بها.
إن الشركات التي تطرح مبادرات مثل هذه إنما تحصد عديدا من الفوائد التي تعزز موقعها التنافسي مع الشركات الأخرى، لأن مبادرتها هذه ستكون رصيدا استثماريا مضمون الربحية على المدى البعيد ، خاصة في ظل التطور المتنافي في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات .
فإلى وقت قريب كان توفير هذه الخدمة يحتاج إلى بنية تحتية مكلفة وعالية عن طريق الهاتف الأرضي، والآن لا يحتاج توصيلها إلى شبكات الاتصال المكلفة مع اللاسلكي.

ابتكارات التوظيف

والحال أن شركات الاتصالات وتقنية المعلومات تستطيع المساهمة في بناء مجتمع تنافسي عبر اتجاهين أحدهما يتمثل في خلق أنماط أعمال جديدة ومبتكرة تسمح بانضمام الشرائح غير المخدومة للاستفادة من خدمة الاتصال والمعلومات، وآخرهما توظيف هذه التقنية في الأعمال الخيرة التي تخدم التنمية المستدامة للمجتمع والارتقاء به.
وقد رأينا كيف استفاد منظمو حملة ترشيح الرئيس الجديد للولايات المتحدة باراك أوباما من تقنية الاتصالات بالتصويت عبر الإنترنت والتي ساعدت كثيرا في نجاح حملته الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الأبيض، إلى جانب تسهيل عمليات تبادل المعلومات وتوظيفها في عمليات التسوق التي كانت تستهلك جهدا حركيا ووقتا من الطرفين البائع والمشتري .
وهذا ما يشكل الضلع الثاني من أضلاع مسؤولية شركات قطاع صناعة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وهو جانب الابتكار في المنتجات.
ولا يقتصر الابتكار على منتج التكنولوجي وحده، وهذا ما يجب أن يٌفهم جيدا، إذ ينبغي أن يشمل الابتكار توظيف واستخدامات تقنية الاتصال والمعلومات في مصلحة المجتمع، وهنا تستطيع شركات الاتصالات القائمة أن تقوم بابتكار وابتداع استخدامات تدخل في صميم مسؤولياتها الاجتماعية.

في الطريق إلى الاقتصاد المعرفي

إلا أن المجال الأوسع الذي يأتي في سياق المسؤولية الاجتماعية لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات يتمثل بالاستثمار في رأس المال البشري وتنميته عن طريق التعليم والتدريب والتوظيف.
ويكتسب هذا الدور أهميته - كما ألمحنا من قبل- إلا أن تطور المجتمعات الإنسانية دخل الآن في مرحلة ما بعد المجتمع الرأسمالي التقليدي، وتبدو إرهاصات هذا التوجه الكوني في اتجاه كبرى شركات قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات إطلاق عديد من المبادرات التي تسهم في مساعدة المجتمعات النامية لتنمية المواهب ورفع كفاءات موارده البشرية عبر البرامج الأكاديمية والتدريبية، وهناك تجارب رائدة في هذا المجال، حيث تم ربط المدارس بشبكة المعلومات، وخاصة بين المدارس الفقيرة، الأمر الذي يساعد الطلاب على رؤية أوسع للعالم وامتلاك المعلومة، وإتاحة الفرصة لهم لتوسيع الحس المعرفي لديهم، والارتقاء بمواهبهم للمنافسة في سوق العمل.

في السياق ذاته, يذكر أن شركة يوغند تليكوم كانت قد تبرعت بعدد 33 كمبيوتر وأجهزة إنترنت لطلبة المدارس للتدريب على استخدام تقنيات الاتصال الحديثة ومساعدتهم على تنمية مهاراتهم وتطوير قدراتهم والاتصال بشبكة المعلومات، والشيء نفسه فعلته في أمريكا شركة كي إم سي تيليكوم في ولاية فلوريدا بتبرعها بكميات من أجهزة الحاسوب والإنترنت لطلبة المدارس في الولاية.
وباختصار، فإن تنافسية شركات هذا القطاع تتحدد، في هذا الجانب، بمدى مساهمتها ومساعدتها المجتمعات في معرفتها أو إكسابها المعرفة باستخدام هذه الوسائط التكنولوجية من تطوير المواهب وتأهيل الكوادر القادرة على المساهمة في تنمية مجتمعاتنا من ناحية، واكتسابها المهارة اللازمة لاحتلال مواقعها في سوق العمل باقتدار، وهناك عديد من الأمثلة على هذه التطبيقات للمسؤولية الاجتماعية في تنمية المجتمع.

نحو آفاق أوسع

وتقف تجربة شركة سيسكو خير شاهد يمكن أن يلخص هذا الاستراتيجية لشركات قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، حيث ركزت سيسكو في مبادرتها للتواصل في الدول الأقل نموا على توفير الفرص لأشخاص يكونون روادا في قطاع المهارات العالية، وفي سبيل تحقيق هدفها قدمت مجموعة من أجهزة الحاسوب والانترنت لطلاب مدارس في محيط مركز يقع قرب المقر الرئيسي لها، إلا أن الإدارة لاحظت بعد مضي بعض الوقت أن الطلاب لم يستخدموا هذه الأجهزة لعدم تمتعهم بالمهارات اللازمة لاستخدامها، فقامت من ثم بتدريبهم على استخدامها، ولاحظت هذه المرة بمرور الوقت أنهم لم يعودوا يجيدون استخدامها فقط، بل أصبحوا قادرين على صيانتها.
وما حدث بعد ذلك أن طلاب المدارس أصبحوا على قدر عال من الكفاءة في استخدام وصيانة الأجهزة الإلكترونية، الأمر الذي أفسح لهم مجالا واسعا في سوق العمل للتوظيف. وقد قامت سيسكو بدراسة هذه التجربة وتطويرها على ضوء وقائع التجربة، ثم قامت بتحويلها إلى منهج تعليمي لطلاب المدارس عن إدارة شبكة المعلومات باستخدام تقنية المعلوماتية، ثم قامت بإطلاقها ونقلها إلى عدد من الدول، فاتحة أبواب سوق العمل أمام مزيد من الطلاب والراغبين من غير الطلاب في قطاع أصحاب المهارات العالية من المجتمعات الأخرى.
وهذا النوع من المبادرات وهي كثيرة ومتنوعة لا يتسع المجال لعرض تفاصيلها، يعطى مثالا لما يمكن أن تسهم به شركات قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في نمو المجتمعات، وتحسين بيئة العمل، والاستثمار الأمثل في الكوادر البشرية عن طريق التعليم والتدريب والتوظيف وتفجير الطاقات الإبداعية عند الشباب، وردم أو تجسير الفجوة المعلوماتية وبالتالي تقليص الفوارق الحضارية بين المجتمعات الغنية والمجتمعات الأقل نموا، والصعود بالأخيرة إلى مضمار التنافسية.
إن هذا في مجمله وفي معايير المسؤولية الاجتماعية للشركات يشكل رصيدا استثماريا للشركات التي تلتزم طواعية بمعايير مؤشر التنافسية المسؤولة لأنه يدعم موقفها التنافسي بقوة ويعزز ويدعم مكانتها في المجتمع الذي تعمل فيه ، ثقة واحتراما، يؤثران إيجابا في سمعتها وثقل وزنها في المجتمع، وازدهار أعمالها وبالتالي يدفع عجلة التنمية المستدامة في المجتمع، ويرفع مستوى العيش والرفاهية فيه، وتكون بذلك الشركة قد ساعدت على اتساع رقعة تعاملاتها ورواج منتجها فيه .
وإن هذا بالتأكيد سينعكس إيجابا على القطاع الذي تنتمي إليه نموا وتطورا واتساعا وتنوعا في كم ونوع الخدمات التي يقدمها، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني المدعوم بقطاع قوى منافس، يتمتع بالقدرة على المساهمة في تهيئة بيئة استثمارية جيدة في المملكة.

الأكثر قراءة