البنوك المركزية العالمية تعيش ذروة أهمية السياسات المالية

البنوك المركزية العالمية تعيش ذروة أهمية السياسات المالية

البنوك المركزية العالمية تعيش ذروة أهمية السياسات المالية

مع استثناء البنك المركزي الأوروبي، لا يلعب المال في استراتيجيات السياسة المالية لمعظم بنوك الاحتياط منذ أعوام ذاك الدور المهم.
والأمر غريب للغاية على ما يُلاحظ عملياً، هو من أن البنوك المركزية لا تقدم بشيء سوى إنتاج المال، وترشيحه في الاقتصاد. وبنوك الاحتياط الأوروبية التي تتجاهل أحجام المال تتصرف مثل الشركات التي لا تحظى منتجاتها بأي اهتمام.
وما ساهم في هذه الفوضى بالفعل هو أن استراتيجية أهداف التضخم المباشرة مطوّرة حسب توجهات السياسة المالية الذاتية الحالية. وهنالك نحو 20 من البنوك الاحتياطية التي حددت في الوقت الراهن كيفية "أهداف إصابة التضخم"، التي بدأت في نيوزيلندا عام 1990، ومن ثم كندا، والمملكة المتحدة، السويد، النرويج، إلى البيرو، والفلبين في عام 2002. وفي هذه الدول تلتزم بنوك الاحتياط بشكل أساسي خلال فترة زمنية محددة بألا تتجاوز نسبة محددة من التضخم. وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، تخضع السياسة المالية للمناقشة حول ما إذا كان على النظام الفيدرالي الاحتياطي تحديد هدف للتضخم، وذلك لعدم توجيه التركيز في قضايا التضخم مرةً أخرى إلى شخص مثل ألان جرينسبان رئيس البنك الاحتياطي المستقيل، ولكن إلى هدف التضخم نفسه. والمرشّح الحكومي لخلافة جرينسبان، بين بيرنانكه، يؤيد هذه الاستراتيجية، وهذا ما نصح به البنك المركزي الأوروبي كذلك البنوك المركزية في الدول الأوروبية التي ليست لها هذه الاستراتيجية.
وناصر المؤيدون هذه الإستراتيجية لأن هدف التضخم يعطي الاقتصاديين مرساة توازن تعمل على استقرار توقعات التضخم. والشيء الذي ساعد البنك الاحتياطي على التقاط أنفاسه، هو تأكيد استقرار الأسعار.
والحقيقة أن نظام تحديد وإعلان أهداف التضخم ساعد العديد من الدول التي كانت تعاني في السابق من ارتفاع حجم التضخم، وذلك في محاولة بنوك الاحتياط التركيز على ضمان استقرار الأسعار. ومن الأمور الجدلية في استراتيجية أهداف التضخم المباشرة أن بنوك الاحتياط لا يمكنها التحكم بمعدلات التضخم مباشرةً. وعند إعلان أحد أهداف التضخم، فإن ذلك لا يساعد على مسألة تحديد مؤشرات البنوك الاحتياطية التي يجب الاهتمام بها لمعرفة ضغوط التضخم. وعلى بنوك الاحتياط النظر إلى جميع المؤشرات معاً.
واستراتيجية تحديد أهداف التضخم المباشرة في الحقيقة هي عبارة عن استراتيجية لأهداف التضخم المتوقعة. ويتعلق الأمر في الأساس بمسألة رفع الفائدة الأساسية لدى البنوك الاحتياطية، وذلك عندما تُظهر تنبؤات التضخم المعلنة تجاوزاً لأهداف التضخم خلال فترة معينة من الزمن. وجودة السياسة المالية تتعلق بجودة توقعات التضخم، حيث يرتكز ذلك على النماذج النظرية، وضغط الأسعار نتيجة عوامل اقتصادية فعلية مثل ضغط العرض والطلب، وفعالية قدرة المنتجات، أو تكاليف العمل. ويُعتبر المال في مثل هذه الحالات لهباً خلف الكواليس، كما أكّد ذلك قبل ثلاثة أعوام ميرفين كينج المحافظ الحالي لبنك بريطانيا. والدور الأكثر هيمنة لتنبؤات التضخم يؤدي إلى أن يُصبح النظر إلى التضخم على أنه اقتصادي فعلي، وليس مجرد ظاهرة نقدية. وهذا بالتالي يؤدي إلى الفكرة الخاطئة إن استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي يتناقضان. وعلاوةً على ذلك، يمكن للعامة في دول التضخم أن تفقد المعرفة بأن التضخم يتحقق بقدر ما تصطاد البضائع والخدمات من أموال. والتضخم في وجهة النظر المعتدلة، يشترط دوما وجود النقد. "لا مال، لا تضخم"، حسب ما عنون به كينج خطابه قبل فترة وجيزة.
وهنالك علامات واضحة الآن على أن عصر النهضة المالية ابتدأ. ونشر البنك البريطاني دراسةً بناء على تطوّر الحجم الإجمالي لحجم الأموال في المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية منذ القرن الـ 19، يداً بيد مع تطوّر التضخم. وفي النرويج، حيث ينمو حجم الأموال بشكل أقوى من منطقة اليورو، أظهر البنك المركزي في تقرير التضخم الأخير تطوّراً لحجم الأموال الذي يعمل كمؤشر لتطوّر الأسعار، ومن الممكن أن يخدم ذلك دراسات معدلات الاستهلاك الخاص.
ولا يتبع البنك المركزي الأوروبي أي أهداف تضخم مباشرة، حيث يخدم تعريف البنك لاستقرار الأسعار كمرساة اسمية لتنبؤات التضخم، ولكن ليس هدفاً مباشراً للتحكم به. وفي استراتيجية البنك الموثّقة يعطي البنك المركزي الأوروبي التحليل النقدي اهتماماً كبيراً.
وأصبح الانتقاد العملي مكبوتاً نظراً لتوسّع السياسة المالية حول العالم منذ أعوام. وفي النهاية تدور المخاوف حول أن تؤدي السيولة المتوفرة والمفرطة إلى فقاعات من الأسعار في أسواق البضائع. وتساعد مراقبة حجم المال على تدارك مثل هذه المخاطر مبكراً.
ومن خلال البيانات المتوافرة حول تطوّر حجم المال، يتوفر في التحليلات المفصّلة مؤشر لضغط التضخم، وبيانات حول فعالية قدرة المنتجات على إحداث التوازن بين الكتلة النقدية وما يتوافر من بضائع وسلع وخدمات. وبالنسبة إلى منطقة اليورو، تُعتبر العلاقة وثيقة بين أحجام المال والتضخم على المدى المتوسط إلى حدٍ بعيد. ولذلك، فإن البنك المركزي الأوربي حظي بنصيحة جيدة للغاية، بالنظر إلى مؤشرات ضغط السعر، وكذلك إلى التغيرات الأساسية في التضخم، من خلال التركيز بصورة خاصة على مسألة حجم الأموال. ومن الممكن أن يحظى عصر نهضة المال بدفعة جديدة إلى الأمام خلال الأسابيع المقبلة إذا تمكّن البنك المركزي الأوروبي من رفع الفائدة الأساسية. وضرورة تقريب حجم الفائدة المتدني من المعدل الطبيعي المطلوب تظهر في الوقت الراهن أن حجم المال يتزايد بسرعة، وأن مخاطر التضخم تنمو بسرعة كذلك.

الأكثر قراءة