العلاقة بين منتجي النفط ومستهلكيه تحولت من التوتر إلى الوفاق والتعاون
العلاقة بين منتجي النفط ومستهلكيه تحولت من التوتر إلى الوفاق والتعاون
يسعدني يا خادم الحرمين الشريفين, ويشرفني أن أتقدم إليكم ـ أيدكم الله ـ بخالص الشكر أصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي في وزارة البترول والثروة المعدنية, وعن العاملين في الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي, لتفضلكم, حفظكم الله, بمشاركتنا هذا الحفل ورعايتكم الكريمة لافتتاح مبنى الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي, وتدشين نظام معلومات الطاقة الدولية التابع لهذه الأمانة العامة.
وليس هذا بمستغرب منكم, يا خادم الحرمين الشريفين, فقد كنتم ـ أيدكم الله ـ أول من أطلق مبادرة إنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة منذ خمس سنوات, وقد قمتم ـ حفظكم الله ـ بدعم هذه المبادرة العالمية ماديا ومعنويا, حتى أصبحت أمانة المنتدى حقيقة ملموسة تضطلع بدور دولي واضح ومتنام.
منذ ما يزيد على مائة عام, بدأ البترول يأخذ موقعه كسلعة دولية ذات أهمية اقتصادية وسياسية متزايدة, وخلال هذه السنوات, غلبت على صناعة وتجارة البترول صفات مهمة وحيوية لعل أبرزها ما مرت به العلاقات بين الدول المنتجة والمستهلكة للبترول من تطور وتباين وتحول.
ونحن جميعا ندرك أن الطاقة, على اختلاف أنواعها ومصادرها, تشكل عصب الحياة اليومية في جميع أنحاء العالم, وتمثل ركيزة رئيسة من ركائز النمو والازدهار لمختلف الأمم. ويمثل البترول, وحده, أكثر من ثلث الطاقة التي يستهلكها العالم يوميا. فإذا أضفنا إلى هذا أن معظم احتياطيات العالم من البترول توجد اليوم في الدول النامية, بينما يتم استهلاك معظم ما يُنتج منه في الدول الصناعية المتقدمة, أدركنا الأبعاد السياسية والاقتصادية والتنموية غير العادية, التي اكتسبتها هذه الثروة الطبيعية الثمينة, وما يمكن أن تلقيه هذه الأبعاد من ظلالٍ على العلاقات بين الدول المنتجة والمستهلكة.
ولا شك أن المتابع لمسيرة صناعة البترول وسوقها العالمية, وانعكاسات هذه المسيرة على العلاقات الدولية, يلاحظ أن طبيعة العلاقات البترولية بين الدول المستهلكة الرئيسة والدول المنتجة المصدرة للبترول, خاصة خلال الستينيات والسبعينيات الميلادية من القرن الماضي, قد اتسمت بالتوتر والخلاف والمجابهة.
ولكن الثمانينيات الميلادية شهدت بدايات التحول في هذه العلاقات. وفي التسعينيات, حتّمت المصالح المشتركة للدول المنتجة والمستهلكة أن تتحول العلاقة من لغة المجابهة إلى لغة الوفاق والتعاون. وبدأت علاقات التعاون تتطور بشكل تدريجي, حتى تُوج هذا التوجه الإيجابي بانعقاد المؤتمر الوزاري السابع للدول المنتجة والمستهلكة هنا في الرياض عام 2000.
ولعل من أبرز ما ميّز لقاء الرياض هو تحوله من مجرد لقاء, قد ينعقد كل سنة أو سنتين, إلى تجمع يسعى إلى ترسيخ جذوره بتأسيس منتدى دائم واضح الأهداف والبرامج.
كما شهدت الرياض تحول اللقاء الوزاري من لغة الخطابة إلى أسلوب الحوار المبني على دراسات علمية, وعلى نقاط وأهداف محددة بشكل واضح.
ولا شك أن أبرز ما شهده اللقاء الوزاري السابع في الرياض هو تفضلكم, يا خادم الحرمين الشريفين, بطرح وتبني مبادرة رائدة لإنشاء أمانة عامة لمنتدى الطاقة الدولي, يكون مقرها الدائم في عاصمتنا الحبيبة, وتكون إطارا عاما يحتضن ويدعم ويعزز الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة.
وبجانب تأطير الحوار العالمي حول الطاقة, كان من أهداف إنشاء الأمانة العامة, المحافظة على استمرارية الحوار وتعميقه وتفعيله. ولا شك أن أهمية الأمانة العامة وحيوية دورها ستزداد, بشكل تدريجي عاما بعد آخر, كلما تطور الحوار بين الدول المنتجة والدول المستهلكة وكلما أرسي على قواعد علمية تراعي مصالح جميع الأطراف.
وهنا, أود أن أشير إلى أن أحدث مشروعات الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي هو تولي مسؤولية مبادرة معلومات الطاقة المشتركة, الذي طالبتم بالتعاون من أجله منذ خمسة أعوام, ويحظى اليوم بشرف تفضلكم ـ يحفظكم الله ـ بتدشينه.
ولهذه المبادرة أهمية خاصة, حيث ستُسهم في مساعدة دول العالم في التخطيط للمستقبل بشكل أفضل, كما ستُسهم في استقرار السوق البترولية العالمية, وذلك لأن غياب المعلومات الدقيقة والواضحة هو من أهم المشكلات التي تواجه السوق والصناعة البترولية العالمية, خاصة في موضوعات حيوية مثل العرض والطلب والإنتاج والمخزون وغير ذلك. ولست أبالغ إذا قلت إن نقص المعلومات البترولية الدقيقة هو من أسباب الأزمة التي تشهدها السوق البترولية العالمية في الوقت الراهن.
إن نجاح الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في أداء مهامها سيعتمد, بعد توفيق الله سبحانه وتعالى, على حماس الدول المهتمة والمشاركة في أنشطتها, وعلى التزام هذه الدول بدعم الأمانة العامة معنويا وماديا, وعلى الرغم من أن الدعم المعنوي والاهتمام الدولي بالأمانة في تزايد مستمر, إلا أن الدعم المادي ما يزال أقل من المتوقع.
لقد دعمت أكثر من 40 دولة ميزانية المنتدى, ولهم منا في هذا المقام الشكر والتقدير على هذا, إلا أن الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي تتطلع, بل تحتاج إلى المزيد من الدعم المادي, كما أننا نأمل من الصناعة البترولية, ممثلة في الشركات البترولية, أن تبادر إلى دعم الأمانة العامة ماديا ومعنويا, من خلال إنشاء صندوق مالي مستقل تستطيع الأمانة من خلاله التوسع في نشاطاتها لتلعب دورا أكثر إيجابية وفاعلية في قضايا الطاقة العالمية.
إن هذا اللقاء, هو جزء من مسيرة التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة, ونحن نتطلع جميعا إلى المنتدى العاشر, الذي سيعقد في مدينة الدوحة في قطر الشقيقة, ليضيف لبنة مهمة في مسيرة التعاون العالمي في مجال البترول والطاقة.
قبل أن أختم كلمتي هذه, لا يفوتني هنا أن أنوّه بالدور البناء الذي قامت به الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض, بإشراف وتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض, لبناء المقر الدائم للأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي. فلسموه وللهيئة منا خالص الشكر والتقدير.
وفي الختام, أكرر شكري وتقديري لكم يا خادم الحرمين الشريفين, لإطلاقكم هذه المبادرة العالمية الفذة, ولما أوليتموها إياه من دعم ورعاية حتى أصبحت حقيقة ماثلة للعيان, وعلى تفضلكم ـ حفظكم الله ـ بحضور ورعاية هذا الحفل.
والشكر والتقدير موصولان لأصحاب المعالي الزملاء وزراء البترول والطاقة, والاقتصاد والمالية من الدول الشقيقة والصديقة لمشاركتهم في هذه المناسبة, ولرؤساء المنظمات الدولية وشركات البترول, ولسائر ضيوفنا الكرام الذين شرفونا بمشاركتنا هذه المناسبة الغالية, سائلا المولى, عز وجل, التوفيق والسداد للجميع.