المتنبيون الجدد!
المتنبيون الجدد!
في ما تسمّى بالساحة الشعبية- ولا مشاحة في الاصطلاح - هناك تياران متضادان, والتضاد هنُا لا يعني وجود حراك ثقافي أو فكري – لا سمح الله -لعدم وجود حوار بين التيارين, بل صوت عال غير موجّه لكل تيار, الظاهر العلني – وهو غير الصحيح - أن الصراع بين الحداثة والتقليدية, أما الحقيقة فلا حداثة ولا هم يفقهون, كل ما في الأمر أن هناك تيارا يرى الشعر كفن أدبي راق ومخلوق جميل يتنفس ويحزن وهو صوت الإنسان البسيط وقلقه وملامحه, ينحاز لـ "الإنسان" وليس للجنس أو الحالة الاجتماعية, فيما يرى الآخر أن الشعر "وسيلة" وهبها الخالق للشاعر ليصل بها إلى مآربه ويهشّ بها على فقره, ويحقق طموحاته ويصل بها إلى عقر دار الدينار والدرهم, ويرون أن هذه مهمة الشعر, ويدعّمون رأيهم بأعظم شعراء العربية أبو الطيّب المتنبي, وطبعاً لا يستطيع التيّار المقابل الرد ليس لأن الحجة مفحمة, بل لقناعتهم أن من يحمل هذا الفكر- لنسمه "فكر" جدلاً- من الصعب إقناعهم أن المتنبي شاعر عظيم لا خلاف في ذلك، لكنه في الوقت نفسه متسوّل ومتزلف ووصولي لا يتوانى عن هجاء من لم يجزل له العطاء, وهذه صفة تقدح بالرجولة قبل الشعر, لكن "المتنبيون الجدد" ينظرون بشفقة ورحمة لمن يحملون هم الشعر كأدب ورسالة, فالتعاطي مع الشعر من وجهة نظرهم وتفريغ الشاعر من قيمته المهنيّة هو ترف وقناعة حالمة, مراهنين على أن من يتعاطى مع الشعر بهذا المفهوم لا يعدو كونه "عاجزا" عن الوصول لما وصلوا إليه من نقل الشعر كمخلوق يضاجع الأرصفة والمشرّدين والعاطلين والعشّاق "الفاضين"، إلى مخلوق "جنتل" يمتطي صهوة الـ BMW وتتبرّك به أعمدة الرخام, وستائر المخمل, وإطعامه الأكلات البحرية بدلاً من الرغيف اليابس, ومفازات الفيافي وحنين الأطلال, وبالطبع الخاسر في النهاية هو صاحب الشعر/ الفكر لأن صوته سيبقى رهين محابس أعمدة الإنارة ومتصعلكي الشارع الذين هم ليسوا بحاجة إلى من يقنعهم بذلك! فيما الطرف الأقوى تكون قناعاتهم أقرب إلى صانعي القرار من إعلاميي الصحافة إياها التي تريد أن تكسب رضا النخبة الاجتماعية "الداعمة", فالشاعر صاحب "مهنة الشعر" قادر على الدعم والتسويق بوجود عرابي الساحة "الرجيع" الذين يستطيعون التقييم والفرز بين الشعر واللا شعر، ليس لامتلاكهم أدوات نقدية بقدر ما هو حق تم اكتسابه بـ "الأقدمية" في كتابة الشعر، إضافة إلى الألقاب التي حصلوا عليها في مسيرتهم الميمونة!