شريحة إلكترونية تزرع تحت الجلد لتعقب المطلوبين أمنيا وإثبات الهوية الحقيقية
شريحة إلكترونية تزرع تحت الجلد لتعقب المطلوبين أمنيا وإثبات الهوية الحقيقية
لم يعد بإمكان المجرمين الاختفاء أو التنكر وانتحال شخصية الغير، ولم يعد بامكان اللصوص سرقة بطاقات الائتمان والبطاقات البنكية للحصول على ما تحويه الحسابات المالية، ولم يعد المرضى الذين يعانون نوبات حادة في خوف من عدم التعرف إلى سجلاتهم الطبية عند حدوث مكروه، ولم يعد كافة البشر في قلل عند نسيانهم لبطاقاتهم التعريفة لجميع الاستخدامات سواء البطاقات المدنية، او العسكرية، أو الطبية، أو حتى البنكية وغيرها. فقد ابتكر علماء التقنية شريحة إلكترونية، بحجم يقل بكثير عن حبة الرز، تزرع تحت جلد الساعد، تحوي جهاز إرسال متناهي الصغر، يقوم عن طريق أجهزة القراءة الخاصة به، أو عن طريق الأقمار الصناعية، بالتعرف عليك ومتابعة تنقلاتك في أنحاء المعمورة كافة.
وتعد هذه التقنية التي تعتمد رقاقات الراديو اللاسلكية RDIF، الحل الأمثل للتعريف بالهوية باستخدام موجات الراديو، خصوصا بعد أن تغير العالم في السنوات الأخيرة ليصبح غالبيته مناطق ساخنة تستدعي عملية التدقيق في هوية البشر، وتتطلب متابعة المطلوبين أمنيا، حفاظا على الأمن العالمي، وعلى أرواح وحقوق البشر الذين تتعرض أرواحهم وممتلكاتهم للابتزاز لقاء استخدام هوياتهم الشخصية، سواء البطاقات المدنية أو البنكية أو الطبية وخلافها.
وسبق لشركة كسيجا المكسيكية ابتكار جهاز يعمل بهذه الطريقة عام 2006، سجلت من خلاله مبيعات قدرت بنسبة 13 في المائة منذ بداية تسويق هذه الشريحة، بهدف استخدامها في التقليل من عمليات الخطف في المناطق التي تزدهر فيها نشاطات المنظمات الإجرامية.
وتعد المناطق العسكرية وكذلك الأماكن التي يتطلب الدخول إليها تصريحا يخوله الوصول إليها، من المواقع التي تتطلب تطبيق هذه التقنية، خاصة وأنها تستبعد إمكانية انتحال الشخصية، إضافة إلى عدم الحاجة إلى وجود نقاط تفتيش أو مراكز أمنية أو بوابات للتعريف بالهوية.
ما يتطلبه تطبيق هذه التقنية، هو إيجاد قارئ على بوابات العبور للمواقع الأكثر حساسية، ليقوم بقراءة البيانات المشفرة للشريحة الإلكترونية المزروعة تحت الجلد، ومن ثم الاتصال بقاعدة البيانات المتوافرة على جهاز الكمبيوتر المركزي للقطاع للاطلاع على سجلات المخولين بالوصول إلى المواقع التي خلف هذه البوابة، وعند ذلك يصدر الأمر بالسماح له بالعبور أو الرفض.
تم تطوير هذه الشريحة الإلكترونية باستخدام تقنيات متطورة ومعقدة، بحيث إنه لا تتجاوز مساحتها 0.3 مليمتر مربع، لتقوم بتنفيذ برمجيات محددة ضمن متطلبات عالية مثل الاستهلاك المتدني للطاقة، ومعالجة إشارات غير صافية بسبب التداخلات. وتحتوي الشريحة على ذاكرة EEPROM لحفظ المعلومات حتى عندما لا تكون موصلة بأي مصدر طاقة. وتراوح سعتها بين 96 بت إلى 64 كيلو بت، فيما أن زيادة السعة تؤدي إلى زيادة مساحة الشريحة وسعرها. وتخفيض مساحة الشريحة سيؤدى إلى إمكانية تخفيض تكلفة الرقاقة إلى حدود تقارب 75 هللة. وتم أخيرا تطوير رقاقات ليتم تركيب الهوائي على سطحها مباشرة حتى يمكن إخفاؤها ضمن أوراق نقدية.
تستخدم الشريحة الإلكترونية في عديد من المجالات، ففي المكتبات يمكن استخدامها لتحديد أماكن الكتب. وفي بطاقات الهوية لمعرفة مكان وجود صاحب هذه الهوية، وقد تم بالفعل تطبيقها على طلبة ولاية تكساس، ليسمح للجهات القانونية المحلية متابعة تحركاتهم. وكذلك في لوحات السيارات لتحديد مواقع وجودها وحركة المركبة. وفي مجال التسوق ستتضمن كل البضائع شريحة إلكترونية تحدد قيمتها، ومن ثم تخصم قيمتها من حسابك البنكي من خلال قراءة الشريحة الإلكترونية التي تحت جلدك.
ولا ننسى أن فريقا سعوديا من معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، قام في وقت سابق بإجراء تجارب على أنواع الشرائح الإلكترونية وبهيئاتها المختلفة، التي تسهل على الحكومة السعودية التعرف على الحجاج، وقد تم الاستفادة منها في الحج في التطبيقات الأمنية والإحصائية والطبية، كونها بمثابة رخصة حج ويمكن لقارئ الرقاقة التأكد من الرخصة بشكل آلي وفي جزء من الثانية، إضافة إلى إمكانية قراءة المئات من الرقاقات في وقت واحد دون تداخل بينها، مما يتضمن عدم خلق نقاط اختناق عند الحواجز الأمنية، ويسهل حركة دخول الحجاج إلى المشاعر دون ساعات الانتظار الطويلة كما يمكن بجمع هذه المعلومات تحليل حركة الحجاج وتنقلهم بين المشاعر للتوصل إلى حلول للتحكم في الازدحام وإزالة الاختناقات، وتقديم العناية الصحية المناسبة لوضع الحاج ويتخطى حاجز اللغة في التفاهم. أما بالنسبة للنواحي المالية، فبعد اختبار النظام لسنوات، يمكن تطويره بإدخال نظام المحفظة الإلكترونية في الرقاقة، بحيث يتمكن الحاج من "شحن" الرقاقة بمبالغ معينة سلفاً، ثم يستهلكها في شراء حاجياته، دون ضرورة حمل نقود، وتعرضه لضياعها أو سرقتها.
وفي السيارات تطورت شركة تويوتا شرائح في سيارات "لكزس" لموديل 2006 "GS"، و"كامري 2007 ، لتتعرف السيارة على السائق، لتعمل تلقائياً بمجرد أن يقترب المالك من السيارة مسافة (ثلاث) أقدام.
وفي إطارات السيارات قامت شركة ميشلان بإجراء اختبارات لوضع هذه الشرائح في الإطارات لمتابعة حركتها اعتماداّ على القانون الجديد في الولايات المتحدة.
وفي مجال الإعلام ستتعرف المؤسسات الصحفية في المستقبل القريب على عدد الأشخاص الذين يقرؤون مطبوعاتهم، وكمّية الوقت الذي يقضيه القراء في تصفح مطبوعاتها. وهل يقوم القراء بالقفز بين المقالات والمواضيع، وهل يقومون بالقراءة من مقدمة المجلة إلى نهايتها أو من الخلف إلى الأمام؟ وهل يقوم أحدهم بالتطلع على الإعلانات والتركيز عليها؟.
ولم يقتصر استخدامها في حياتنا على هذا الحد، بل تعداها لتستخدم في مراقبة حركة الحيوانات النادرة مثل الحيتان والسلاحف وتنقلها حول العالم، من قبل المتخصصين، بل تعداها ليقتنيها هواة تربية الصقور، لمتابعة حركة الصقور التي يمتلكونها وتم زرع الشريحة في أجسامها، للوصول إليها في حال فقدها.
قالت شركة ستايسن المتخصصة في مجال حلول التخزين الرقمي للملفات والبيانات، أنها ستعمل على تطوير أسلوب فريد في تأمين وسائط التخزين بهذه التقنية، وبالتالي تأمين محتوياتها وحفظها من السرقة عن طريق قرص صلب متنقل مشفر بواسطة تقنية RFID.
كذلك الحال عند مراقبة البضائع وبيعها ونقلها وتوزيعها. ففي تموز (يوليو) من عام 2003 طلبت شركة وول مارت ستورز، التي تعد من أكبر 100 مورد للسلع، ملصقات تعتمد على هذه التقنية ليتم وضعها في جميع شحنات البضائع التي يتم توريدها إلى متاجرها في الولايات المتحدة و في العالم بحلول أواخر عام 2004. و في عام 2005 اعتمدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) هذه التقنية في تتبع مخزون الجيش من عتاد وبضائع وأغذية لجنودها المنتشرين حول العالم.
وبدأت محاولات عدة في دول العالم تغيير فكرة جوازات السفر وتأشيرات الدخول التقليدية لتزيد من الرقابة والأمان والتحقق من الأشخاص. ويمكن استخدام تقنية RFID وتثبيتها في الجواز أو التأشيرة، وتخزين معلومات المسافر وصورته وعند مرور الشخص على المراقبة، تتم قراءة المعلومات وإظهار الصورة أمام المراقب.
أما في المجالات الطبية فقد قامت الشركات مثل VeriChip بمحاولة استخدام هذه التقنية في المجالات الطبية لحفظ المعلومات عن المرضى وعلاجهم ومساعدة الأطباء في مراجعة تاريخ المريض بمجرد دخول المريض أو زيارته. ويمكن حتى زراعة هذه الرقائق إما تحت الجلد أو في ملابس المريض. يقول الدكتور ماجاسي، لو تعرض شخص ما لحادث وأصبح في حالة غيبوبة، فإن الأطباء يستطيعون قراءة المعلومات الطبية ومعرفة من أنت وعناوينك، وما سجلك الطبي، وطباعتها وحفظها في سجلات ذلك المستشفى الذي نقلت إليه.
وفي المجال الأمني يمكن أن تستخدم RFID في أجهزة الحماية والإنذار التي تراقب المداخل وتتعرف على المارة من خلال البطاقات والأهم أنها قد تساعد في حالات الاختطاف بالتعرف على الأماكن التي مر بها الشخص المخطوف. وقد قامت إدارة إحدى مدارس مدينة أوساكا اليابانية باستخدام هذه التقنية في عام 2004 حيث يوضع قارئ على بوابة المدرسة ومواقع مهمة أخرى من أجل متابعة حركة التلاميذ في المدرسة لتأمين الحماية الكاملة لهم.
قام جرافسترا بزراعة بشريحتين بكلتا يديه إحداهما بأبعاد 3 ملم ×13 ملم والأخرى 2 ملم ×12 ملم. وخزن في هاتين البطاقات معلومات عنه لتساعده على استعمال الحاسوب والأجهزة وحتى فتح الأبواب من خلال التحقق من هويته وعدم السماح لغيره باستعمالها.
أما آمل جرافسترا (29 عاما) ومقره عمله كندا، فيقوم بتلويح يده أمام باب مكتبه لتفتح الأبواب وبتلويحه أخرى يسمح له بالدخول إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به.
قام جرافسترا بإتاحة المعلومات الخاصة بمكان شراء الشرائح الإلكترونية وأجهزة القاريء موقع منتدى "تاجد" http://tagged.kaos.gen.nz.
على الإنترنت، إذ يقول إن 20 على الأقل من أصدقائه الأذكياء زرعوا تلك الرقاقة تحت جلدهم. وصادقت جنيفر تومبلين (23 عاما) إحدى أطراف مجموعة جرافسترا على كلامه قائلة "لا يمكن أن أشعر بها بالمرة. إنها لا تعوقني ولا تؤذيني كل ما علي ألا أقول لأحد إنها مزروعة تحت جلدي".
وقال مايكلي سكلار (28 عاما) سكان بروكلين "إنها تعطيك نوعا من قوة كـ(تعويذة) تجعل الأبواب تفتح وتتجاوز كلمات المرور بمجرد تلويحة من يدك." ويرجع إعجاب جرافسترا للتزود بشرائح RFID إلى رغبته في جعل الحياة أيسر في هذا العصر التكنولوجي.
ورغم ذلك، اعتبر البعض تعريف الهوية لاسلكيا بطريقة التمييز بين الأشياء والأشخاص بموجات الراديو التي تعتمدها الشريحة الإلكترونية التي تزرع تحت الجلد نوعا من الاختراق والتعقب والاستقصاء، إلا أنها شجبت على نطاق واسع لكونها الأقرب إلى تقنيات المراقبة السرية وأداة للتجسس والاستطلاع على الغير، لذلك واجه تطبيق تقنية RFID الكثير من المعوقات، و من أهمها: التكلفة العالية، التي تبلغ من خمسة أضعاف تطبيق واستخدام كل من الترميز العمودي والشرائط الممغنطة. إضافة إلى عدم توافق رقاقات الشريحة المصنعة في الشركات المختلفة مع بعضها البعض لعدم توافر معايير ملزمة لصناعتها لدى هذه الشركات، ناهيك عن أهم المعوقات، وهو انتهاك الخصوصية والأخلاقيات، حيث إن هذه الرقاقات يسهل قراءتها من أشخاص غير مرخص لهم في حال استخدموا جهاز القارئ الخاص بها. فمثلاً سيكون بإمكان أي شخص يمتلك جهاز قارئ RFID أن يحصل على كل البيانات المخزنة عن الشخص إذا كانت مزروعة فيه مثلاً، و بالتالي التعدي على خصوصيته واستخدام هذه البيانات بطرق غير شرعية. إضافة إلى الدخول خلسة إلى الأماكن المحظورة، كما يقول بروس شنير إخصائي الأمن في شركة (كاونترباين إنترنيت سيكيورتي). ويضيف أنه عندما تكون هذه الشرائح داخل بطاقات الهوية وداخل ثيابك وممتلكاتك، فأنت تقوم فعليا بإذاعة من أنت (هويتك) إلى أي شخص آخر يقع في مدى إرسال هذه الموجات من الشرائح. من هنا فإن مستوى الاستطلاع والمراقبة التي باتت ممكنة، ليس من قبل الحكومات فحسب، بل من قبل الشركات والمجرمين أيضا، هو أمر غير مسبوق بتاتا، لأنه ببساطة لم يتبق لك مكان يمكنك أن تختبئ فيه.
من جهة أخرى, فإن المؤيدين لهذه التقنية يتجاهلون كل ما سبق و يركزون على الفوائد الجمة لهذه التقنية. هناك على الأقل 30 مليون شخص يحمل بطاقة RFID معه يوميا سواء على شكل مفاتيح سيارة، أو بطاقة دخول للمكاتب، أو لشراء وقود للسيارة، أو لدفع رسوم استخدام الطرق السريعة على حد قول روبيرتي الذي يشير إلى أنه في كل الأماكن التي وضعت فيها هذه التقنية في البيئة الاستهلاكية قام المستهلكون بالترحيب بها. في أي حال فإن النقاش حول هذه المسألة لن ينتهي قريبا.
يرى بعض خبراء قوانين الخصوصية ومحللي السوق إن الحاجة تدعو إلى المزيد من النقاش والتوعية في إقرار هذه التقنية، والمهم هنا هو معرفة المستخدمين ما إذا كانوا مراقبين وإذا كان لديهم خيار آخر و من المستفيد من تلك المراقبة. و يتوقع أن تحدث الكثير من الصدامات و النقاشات حول تلك النقطة قبل أن يتم تسويتها بما يرضي غالبية الأطراف.