لنواجه الحقيقة ..عبده عطيف أفضل من رونالدينيو

لنواجه الحقيقة ..عبده عطيف أفضل من رونالدينيو

أؤمن أن في كرة القدم فرضيات بقدر ما فيها احتمالات محفوفة بالمخاطر، بمعنى أنك حين تصدق مثلا مقولة نمطية لمعلق ما "أن الكرة تعطي من يعطيها" فهذا يوهمك بفرضية كاذبة تدخلك في أجواء المثل الذي يقول "افعل خيرا وارمه في البحر" وهي عبارة لا يمكن توظيفها رياضياً ولا تمثل أكثر من احتمال مرتجل قابل للتلاشي عند أول فرصة أمام حقيقة كروية مسلم بها وهي "لا يكفي أن تكون الأفضل لتفوز"، ولو كان الأمر مرتبطا بمن يعطي الكرة لفازت الأرجنتين أو فرنسا بكأس العالم وهما الأفضل أداء في مونديال ألمانيا لكن تبقى هناك دائما عوامل غير متوقعة تحسم الأمور.
في المنطق ذاته فحين ينتهج مدرب ما خطة"شدوا حيلكم يا شباب" فهو بالتأكيد يتحدث عن كرة القدم بمعناها الرجولي بمعنى أنك كلاعب لست مطالباً بأن تفوز بقدر ما أنت أمام مسؤولية أن "تجمّل" وتجتهد وتخرج ليقال لك"رايتك بيضاء"ولن يكون صعبا عليك أن تدرك المدلول الآخر لجملة كهذه، إذن فالاجتهاد هنا فرضية والفوز ليس سوى احتمال قد يأتي على هامش تلك الفرضية.
لندع كل ذلك جانباً، ضع في بالك فقط وأنت بكامل قواك الإدراكية الرياضية أن بعض مسلماتنا الكروية الشكلية خاطئة أمام احتمالات أكثر صدقا ضمنيا، وصدقني حين أقول لك إن النجم العالمي عبده عطيف أفضل من اللاعب البرازيلي رونالدينيو.
لن أضع علامة تعجب بعد الجملة السابقة فهي لا تدعو لذلك، رغم أن مقاييس الذهنية العربية ذات المعتقدات النمطية تجعل المقارنة هنا شأنا مهولاً فوق ما تستوعب احتمالاتهم، غير أن أحدا لا يستطيع أن يطرح السؤال ولهذا فمن الطبيعي ألا يفكر أحد في الإجابة عنه، غير أن طرح الفكرة والدفاع عنها هو أكثر الأشياء متعة حين نؤمن بها.
لا يمكن إغفال أن مقياس الأفضلية يتفاوت من شخص إلى آخر، كما أن الإعلام يملك القدرة على تكريس نجم أو آخر دون أن يعتمد ذلك على معيار معين، وبالتالي يفترض عليك أن تستفتي عقلك وذائقتك حين تحب نجماً، بدلا من أن تكون "رايتك بيضاء" أمام من يفرضهم عليك الإعلام بوصفهم نجوماً.
شاهدنا جميعا ما قدمه رونالدينيو في فترة من الفترات ولن ننكر أنه ترك بصمة لكن يجب أن نفهم جيدا أن الهالة الإعلامية منحته أكثر مما يستحق بل اعتبرته الأسطورة الكروية الأولى متطاولين بذلك على مارادونا وبيليه، وهذه مغالطة تاريخية ومنطقية يشق لها الغبار حتى يختنق الواقع، وقد أبطل الزمن تلك الفرضية حين لعبت الانحدارات الأخلاقية دورها لينحدر معها مستوى اللاعب الملقب بالساحر وينقلب سحره عليه.
عودا إلى مقارنتي التي أصر عليها كلما استرجعت بذاكرتي ما شاهدته من أداء أسطوري للنجم الشاب عبده عطيف قبل أن يعرفه الجمهور، فالحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون هي أن هذا المبدع حقق كل ذلك الإعجاب والنجاحات وهو لم يقدم سوى النزر اليسير جدا مما لديه، وصدقوني حينما أقول لكم إن عبده مازال يلعب بالحد الأدنى من إمكاناته، فمنجم السحر المهاري الكامن لم ينفجر بعد، وإن حدث ذلك فسيغير قواعد الإبداع الكروي ولن يكون أثر ذلك محلياً أو حتى إقليميا فقط.
فلتسمح لي ذائقتي هذه المرة فقط أن أقارنه بلاعب أفلس منذ زمن، لا أفعل ذلك إلا لإنصاف الحقيقة، فمن انخدع بأسطورية رونالدينيو يحتاج لإعادة نظر في آلية التلقي لديه، ومن لم يشاهد أسطورة عبده عطيف الحقيقية فاته الكثير في عالم كرة القدم.
المشكلة أن الأمر هنا عصي على الوصف، وليس من رأى كمن سمع، وليس من عرف موهبة في أوج ثوريتها كمن يراها تلعب بدبلوماسية فيما بعد، رغم أن النجم الشبابي الخلوق يفعل ذلك بإرادته ويوظف إمكاناته الفردية الاستثنائية ضمن سياق اللعب الجماعي ومصلحة الفريق، غير أن الأمر لا ينطوي على مخاطرة بقدر ما يحمل متعة هائلة، كما أنه ليس خروجا عن النص فكثير من نجوم العالم أمثال كريستيانو رونالدو وزالتان أبراهيموفيتش وقبلهم نجم كرة القدم المعاصرة زين الدين زيدان، جميعهم يجدون متسعاً لتقديم معزوفاتهم المنفردة ضمن النوتة الموسيقية للفريق، ليعود ذلك بالإبهار الخلاق والمتعة التي تكسر روتينية التكتيكات المتبلدة.
عبده عطيف يفعل ذلك متى ما أراد فقط، يستلهم قدرته الكامنة في لحظات فقط، يقود سوء الحظ النجم الليبي طارق التايب ليكون بطل إحداها، وتقف سمعة فريق إسبانيا الملكي في موقف لا تحسد عليه حين تجلى عبده بين دفاعهم للحظات فقط قبل أن يمنح الكرة لنشأت الذي سجل هدفا كافياً لتندر البرشلونيين بندهم اللدود، هدف ليس هو بالتأكيد أفضل ما يمكن أن يشاهده جمهور ريال مدريد!!
من حقه ربما أن يؤجل بداية العرض، فهو لاعب محترف ويحق له عدم تعريض نفسه للإصابة، وهو إنسان خلوق ويدرك تماما حجم الأذى المعنوي الذي يلحق بالطرف الآخر حين يقف إزاء مواجهة غير متكافئة معه، وهو صانع ألعاب ويعنيه أن يسلم الكرة أولا بأول، من حقنا في المقابل أن نرى عبده عطيف الحقيقي، أن نؤمن أن عرض أكاديميكا البرتغالي أقل من موهبته بكثير، بل وحتى بنفيكا وسبورتنغ لشبونة، فالمكان الطبيعي لهذا النجم الظاهرة قياساً بقدراته هو أفضل أندية القمة في العالم، إنتر ميلان أو تشلسي أو برشلونة وبالتأكيد ريال مدريد وقد يتضمن العقد حينها مطالبة اللاعب باعتذار رسمي لما فعله بدفاع النادي الملكي حينما كان يرتدي اللون الأصفر في مباراة اعتزال نجم أسطوري آخر!!

الأكثر قراءة