حالة من الكساد تطوق الاقتصاد الأمريكي إذا ما فشل إنقاذ قطاع المصرفية
يمكن للاقتصاد الأمريكي أن يدخل حالة من الكساد، إذا فشلت حملة الإنقاذ البالغ حجمها 700 مليار دولار في إعادة بث الحياة في قطاع المصرفية العليل، كما يقول إليان ميهوي، أستاذ اقتصاد في جامعة إنسياد. "لا يزال الكساد العظيم (لهذه الفترة) غير مرجح، ولكنه لم يعد أمراً مستحيلاً. إن هذا أمر مؤسف"، كما يقول ميهوي.
وقدمت إدارة بوش خطة الإنقاذ، بينما واصلت المؤسسات المالية الأمريكية الذبول تحت ضغط الموجودات المالية المنهارة. وفي أيلول (سبتمبر) وحده، كان على الاحتياطي الفيدرالي إنقاذ أكبر مقرضين للرهون العقارية في أمريكا، فريدي ماك، وفاني ماي، وكذلك عملاقة التأمين، المجموعة الأمريكية الدولية – AIG.
وفي مؤشرات على مشكلات أعمق من تلك في القطاع المالي، أعلن بنك ليمان برذرز إفلاسه، واستحوذ بنك أمريكا على ميريل لينش، بينما استحوذ بنك جي بي مورغان على واشنطن موتشوال. وتسارع تدهور القطاع المالي منذ أن تم إنقاذ بنك بير شتيرنز من حافة الانهيار في آذار (مارس) الماضي، من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وجي بي مورغان مجتمعين.
"إن حملة الإنقاذ لا تحلّ مشكلات الاقتصاد، ولكن رغم ذلك فإن من الضروري القيام بها من أجل وقف الانهيار"، كما يقول ميهوي الذي درس تحت إشراف رئيس مجلس إدارة الاحتياط الفيدرالي، بن بيرنانكي، وشارك في تأليف عدة أبحاث معه، منها بحث يتحدث عن الكساد العظيم.
ويمكن أن يفشل المزيد من البنوك إذا لم يتم نزع الموجودات المالية المكروبة من ميزانيتها العمومية، لأن هذه الموجودات ستستمر في التدهور يومياً، مُولّدةً المزيد من عدم اليقين لدى المستثمرين ومودعي البنوك. ويمكن لمثل هذا الوضع أن يجبر على بيع موجودات البنك المتضررة بأسعار بخسة من لتلبية حاجات المستثمرين والمودعين، وبالتالي إضعاف المزيد من الميزانيات العمومية للبنوك.
"إنها دورة قاسية يمكن أن تؤدي إلى انفجار داخلي في الاقتصاد الفعلي"، كما قال ميهوي لمجلة إنسياد نولدج.
وبمجرد أن حدث ذلك، فستكون البنوك غير راغبة بالإقراض. وإذا لم تتمكن البنوك من الاقتراض من البنوك، فسيتبع ذلك تراجع في الإنتاج، وسيخسر الموظفون وظائفهم، وسيتراجع حجم الطلب في الاقتصاد، ولن تكون الشركات قادرة على سداد ديونها.
"ذلك هو اللولب الحلزوني الحاد الذي كان خلف الكساد العظيم"، كما يقول ميهوي. ولكن يمكن تجنب لولبة الاقتصاد باتجاه حالة من الكساد، إذا أخذت الحكومة على عاتقها إجراءات فورية وحاسمة من أجل إنقاذ القطاع المالي.
"لابد من تنفيذ خطة الإنقاذ"، كما يقول ميهوي.
برغم أن إدارة بوش اعترفت فعلياً بحجم المشكلة المتعلقة بخطتها للإنقاذ، رفض مجلس النواب الخطة، في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي. وفي تصويت ثانٍ في أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، وافق المجلس على نسخة معدّلة.
ولام الديمقراطيون إدارة بوش على الخروج بسياسات غير فاعلة للتعامل مع أزمة عمرها 13 شهراً، إضافة إلى أن بعض الجمهوريين المحافظين لم يكونوا مقتنعين بأن الخطة سوف تنجح.
"تعلمنا دروساً من الكساد العظيم، ولكن يمكن للسياسة أن تكون مختلفة تماماً عن وجهة النظر الاقتصادية"، كما يشير ميهوي.
وعملت الفروق السياسية بين إدارة هوفر المنفتحة، وإدارة روزفلت المنغلقة، على كبح جهود التخفيف من الضرر الذي ألحقته الشحة الائتمانية بالاقتصاد الأمريكي في فترة الثلاثينيات.
وخسر هوفر الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1932، وتسلم روزفلت السلطة في آذار (مارس) عام 1933. وخلال تلك الأشهر الخمسة، لم يتمكن هوفر وروزفلت من الاتفاق حول ما ينبغي القيام به تجاه قطاع المصرفية، كما يقول ميهوي. "وعمل ذلك على تفاقم الوضع، وأصبح الكثير من الناس عاطلين عن العمل في غضون خمسة أشهر فقط". وفي حالة الأزمة المالية اليوم، يفشل الساسة في رؤية الصورة الكبيرة.
"إن الساسة لا يركزون سوى على التفاصيل الصغيرة. وإن الأمر المهم هو إنقاذ الاقتصاد من الانهيار"، كما أكد ميهوي. "قد نتفق، وقد لا نتفق، على أن رؤساء البنوك التنفيذيين يتقاضون أجوراً باهظة للغاية، أو ما إذا كان لابد من معاقبتهم، وزجهم في السجون. وإنها نقاط مهمة، ولكن يمكن التطرق إليها لاحقاً".
وخلال فترة الكساد العظيم، أجرى روزفلت حاسمة في بداية فترة حكمه لمنع الانهيار المستقبلي في الاقتصاد، ولكن اُتخذت الإجراءات من أجل تنظيم القطاع المصرفي بما يتفق مع ميثاق جلاس ستيجال الذي تم إقراره في حزيران (يونيو) من عام 1933.
واتسم ميثاق جلاس ستيجال بأنه قطعة بالغة الأهمية من التشريع الذي فصل نشاطات المصرفية الاستثمارية عن المصرفية التجارية. وتم إبطاله في عام 1999، بالسماح للبنوك بأن تكون كيانات مصرفية تجارية واستثمارية معاً.
وما إذا كان مثل هذا التشريع ضرورياً لمنع أزمة مماثلة في المستقبل، فإنه لابد من مناقشته في الكونجرس، كما يقول ميهوي، ولكن المهم في الوقت الراهن هو إنقاذ الاقتصاد من الانهيار.
* نُشر هذا المقال لأول مرة في 29 أيلول (سبتمبر) 2008، وتم تحديثه في الرابع تشرين الأول (أكتوبر)، 2008.