هل أغفل قرار "وقف زراعة القمح" البدائل للمناطق المتضررة؟

هل أغفل قرار "وقف زراعة القمح" البدائل للمناطق المتضررة؟

كشفت ندوة "الاقتصادية 2" عن الأوضاع في المناطق الزراعية على خلفية قرار وقف زراعة القمح التدريجي الذي من المفترض تطبيقه خلال السنوات الثماني، عن ارتفاع الاستهلاك المائي أربعة أضعاف بعد قرار تخفيض زراعة القمح بنسبة 12 في المائة نتيجة اتجاه المزارعين لزراعة الأعلاف الخضراء لتعويض خسائرهم من القمح ولتوفير سيولة يستطيعون بها مواجهة المتطلبات المالية خلال الموسم الزراعي.
وأوضحت الندوة التي استضافتها الشركة الوطنية للتنمية الزراعية "نادك" في فرعها في حائل أن مدن وادي الدواسر، حائل، الخرج، القصيم، الجوف، وطبرجل، ستتأثر اقتصادياتها بشكل مباشر نتيجة للقرار كون هذه المدن تعتمد بشكل رئيس على القطاع الزراعي نتيجة إلى الأعداد الكبيرة التي تمتهن هذه الحرفة.
وأكدت الندوة أن قرار وقف زراعة القمح تدريجيا راعى جانبا واحدا وأغفل جوانب عديدة من أهمها الجوانب الاجتماعية والأمنية والاقتصادية التي ستلقي بظلالها على المجتمع خلال الأعوام المقبلة. هنا تفاصيلها:

الزراعة واقتصاديات عدد من المناطق

في البداية سألت الحضور عن دور الزراعة في اقتصاديات المناطق السعودية المختلفة خاصة تلك التي حظيت بعناية واهتمام الدولة وعاشت نقلة نوعية مشهودة فقال المهندس سالم الشاوي وهو مدير عام الزراعة في شركة نادك: إن اقتصاديات عدد من المناطق في البلاد قامت على الزراعة لعدم وجود مصانع أو شركات أو تجارة في تلك المدن خلاف الزراعة، فالتنمية الزراعية الكبيرة التي حدثت في المملكة في الفترات الماضية غيرت من تلك المناطق بشكل إيجابي وأسهمت في تطورها للأفضل فالقطاع الزراعي قام بدعم تلك المناطق وأسهم في إنعاشها وهذا ما أدى لتغيرات كثيرة جدا سواء في المنطقة الصناعية في تلك المناطق أو داخل المدن من روافد زراعية جميعها أثرت بشكل إيجابي في الزراعة والمزارعين.
وقال الشاوي: يكفينا أن إسهام القطاع الزراعي بالناتج المحلي بلغ 10 في المائة وهو دليل على مساهمة القطاع الزراعي باقتصاد المملكة بشكل عام، إضافة إلى أن نسبة السعودة في القطاع الزراعي وصلت نحو 50 في المائة فهذا دليل آخر على إيضاح نسبة العاملين في هذا القطاع.

قطاع ديناميكي

عيد معارك الغدير رئيس اللجنة الزراعية في الغرفة التجارية الصناعية التقط حبل الحديث عن النقطة ذاتها لافتا إلى أنه "تم استثمار خلال الـ 30 عاما الماضية التي هي عمر القطاع الزراعي في البلاد ما يقارب من 40 مليار ريال لإيجاد بنية زراعية قوية في مناطق المملكة كافة". واعتبر أن "هذا الرقم الذي دعمت الدولة من خلاله المزارعين استطاع إيجاد قطاع زراعي ديناميكي متطور ويسهم في دعم الاقتصاد الوطني والقطاع الزراعي أسهم بشكل كبير في تشغيل الأيدي العاملة والاستغناء عن استيراد بعض الأصناف الزراعية ووفر 70 في المائة من الوجبة اليومية للمواطن.

الزراعة مصدر دخل

عبد العزيز العفنان عضو الأسرة الزراعية في حائل وهو مستثمر معروف قضى نحو 20 عاما في القطاع الزراعي قال: إن المناطق الزراعية في المملكة لها خصوصية بالغة، حيث يعتمد المواطنون فيها على الوظائف الحكومية والبعض التجارة من خلال فتح محال بسيطة تساعدهم على إيجاد قوت لهم ولأولادهم، خلاف ذلك لا يوجد أي مصدر للدخل إلا أن ظهور القطاع الزراعي خلال الفترات الماضية أسهم بشكل مباشر في إيجاد مصادر للدخل لآلاف المزارعين في مزارعهم الذي أسهم ازدهاره بازدهار الحركة التجارية والصناعية في المناطق الزراعية علاوة على أنه أسهم بشكل مباشر في تخفيف حدة البطالة الكبيرة التي تعانيها المناطق الزراعية.

أين البدائل؟

عن النقطة ذاتها تداخل الزميل عيسى الحليان وهو كاتب صحافي معروف فقال: إن قضية وقف الزراعة قضية وطن وليست قضية منطقة معينة، فحائل، وادي الدواسر، الخرج، القصيم، الجوف، وبرجل، بسيطا، وتبوك جميعها مدن سعودية معنية بقرارات وقف زراعة القمح لاعتمادها بشكل مباشر في اقتصادياتها على الزراعة، والقرارات التي اتخذت راعت جانب واحد وهو المياه، وفي رأيي أغفلت أو لم تراع جوانب أخرى مهمة هي الجوانب الاجتماعية والأمنية والاقتصادية فإذا كان المعنيون يريدون حل قضية المياه، يجب أن نطرح عليهم سؤالا مهما وهو: ماذا أوجدت كبدائل للمناطق الزراعية؟ إلا أنه للأسف لم توجد بدائل للمزارعين أنفسهم، وليس هناك حلول تكون على حساب طرف واحد فقط.
قضية المياه – والحديث للحليان - قضية وطنية والجميع يحترمها ويقدر خطورتها الجميع وموضع احترام الجميع لأننا نحن مواطنين قبل أن نكون مزارعين إلا أنه في اعتقادي هناك قرارات وحلول اتخذت لم تراع جوانب أخرى مهمة وهي ما سيطفو على السطح خلال الأعوام المقبلة وسنشاهد نتائجها وستنعكس على المجتمع والتي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما ستحدثه هذه المؤثرات خلال السنوات الأربع المقبلة.

أين يذهبون؟

وطرح عيسى الحليان سؤالا قال فيه: أين سيذهب المزارع والتاجر والعاملون في القطاعات المساندة للقطاع الزراعي؟ وأجاب عن سؤاله قائلا: يجب أن تتخذ قرارات لكن توضع في الوقت نفسه حلول فالحكومة عندما حدثت قضية نفوق الإبل في وادي الدواسر عوضت ملاكها، أيضا موجة البرد عوضت الدولة المتضررين فما بالك بمزارعين لديهم استثمارات بملايين الريالات تم العمل عليها من سنوات طويلة وفجأة يتم إيقاف هذا النشاط وجميع تلك الاستثمارات الكبيرة ليس لها أي قيمة.
وأؤكد أن قضية الزراعة لم تناقش بما يكفي، وتم النظر للقطاع الزراعي والمزارعين من قبل تيارات معينة في المجتمع أنهم حفنة من أصحاب المصالح الذاتية وأنه يجب الوقوف في طريقهم، رغم ذلك إلا أنه يجب أن تتم مناقشة قضية المياه مناقشة موضوعية يكون الهم الأول فيها للوطن والمواطن ويجب أن تؤخذ جميع التيارات بعين الاعتبار دون إيقاع أي ضرر على أي طرف في قضية المياه والزراعة.

لا فرص استثمارية غير الزراعة

عن السؤال ذاته قال المهندس محمد بن رشيد البلوي مدير عام الزراعة في شركة حائل للتنمية الزراعية، وهي من أقدم الشركات الزراعية في البلاد، إن الزراعة كنشاط دعمت بشكل كبير اقتصاديات المدن والقرى ونهضت مدن وقرى على قيام الزراعة. وقال أعتقد أن القرى الموجودة في حائل والشمال ووادي الدواسر خير دليل على ذلك وأسهمت الزراعة في توطين كثير من أبناء البادية إضافة للقطاعات المرتبطة بالزراعة كالنقل والخدمات كان لها دور كبير في اقتصاديات المناطق الزراعية، أضف إلى ذلك أن المناطق الزراعية لا يوجد بها أساسا أي فرص استثمارية سوى الاستثمار في القطاع الزراعي وعدم وجود أو التأثير في القطاع الزراعي سيكون له أثر سلبي كبير في اقتصاديات تلك المناطق من النواحي الاجتماعية والأمنية والاقتصادية وجوانب قد تمس الوطن.

بين الماء والغذاء

أخيرا كان المتحدث خالد الباتع رئيس جمعية مزارعي حائل قال إن القضية وطنية بالدرجة الأولى (يقصد قضية الزراعة)، وهي واسعة جدا لامتدادها من جنوب المملكة وحتى شمالها، وهي مؤثرة بشكل كبير في نحو 40 في المائة من سكان المملكة الذين سيتأثرون بشكل مباشر، فالزراعة مثلت نسبة كبيرة في الدخل القومي للبلاد خلال الفترات الماضية وأثرت بشكل كبير في اقتصاديات البلد واستطاع الدعم الزراعي أن ينهض بكثير من القطاعات المساندة للقطاع خاصة القطاع الصناعي الذي استفاد بشكل كبير ومباشر من النهضة الزراعية والصادرات السعودية وصلت لمستويات عالية جدا ونجد حاليا أن تلك الصادرات بدأت بالتراجع الكبير.
وتطرق الباتع إلى الإنفاق الحكومي على هذا القطاع قائلا: الدولة أنفقت ملايين الريالات للنهوض بالقطاع الزراعي لكن قدر الله وما شاء فعل قد تكون هناك ثلة لم يعجبها وضع المزارع وما وصل إليه من الحضور المميز لأن المزارع في فترة من الفترات أصبح من أكبر الاقتصاديين الموجودين في المملكة، وبدا كمحرك رئيسي في توجه الاقتصاد السعودي بشكل كبير، فقد يكون ذلك لم يعجب بعض العاملين في قطاع المياه ما أدى إلى وجود من يتحدث إنه أصبحت لدينا مشكلة في المياه. وأعتقد إن كانت هناك قضية في المياه فستكون الآن لدينا قضية غذاء فالمطلوب العمل بطريقة متوازنة بين القضيتين، ومدى تأثيرهما في اقتصادات المملكة بشكل مباشر أو غير مباشر، ومدى تأثيرهما في المواطن سواء كان مزارعا أو غير مزارع، فاليوم لا يستطيع أي مواطن أو مستهلك في المملكة العيش دون زراعة، والزراعة حاليا هي عصب الحياة مثلما أن الماء هو جزء رئيسي فنحن يجب أن نعمل على ترشيد المياه والإبقاء في الوقت ذاته على الزراعة.

مصير المدن

انطلقت للسؤال التالي في الندوة وقلت للحضور، هل هناك قرى وهجر قائمة على الزراعة الحديثة في حائل وبالتالي يتهددها الخطر؟ كان هذا مضمون السؤال وهو ما دعا المهندس سالم الشاوي للقول إن هناك مدن وليست قرى أو هجر قامت على الزراعة واتخذت من الزراعة مهنة سواء في منطقة وادي الدواسر أو الخرج اللتين تطورتا تطور كبيرا بفضل الله ثم الزراعة إضافة إلى ساجر، القصيم، الجوف، بسيطا، وميقوع. أما في حائل أعتقد أن أكثر من 15 قرية وهجرة قامت على الزراعة أولها مدينة الخطة فقبل عام 1402هـ لم يكن هناك شيء اسمه الخطة، إضافة إلى القاعد، المندسة، التربية، كمب الثنيان، الشعلانية، الفويلق 1، والفويلق 2 وجميعها قرى وهجر تم استيطانها وتطورت من هجر إلى قرى وجزء منها أصبح مدنا وكذلك بقعاء أصبحت محافظة، فأعتقد أن الزراعة أسهمت في تطور الهجر والقرى وتحويلها لمدن يمتهن أهلها الزراعة.

الزراعة ليست قمحا

عبد العزيز العفنان عاد للحديث حول النقطة ذاتها وقال إن لقرار الصادر برقم 335 بني على توصيات أغفلت جوانب مهمة من ضمنها المدن والقرى والهجر التي تعتمد على الزراعة، تلك المدن وسكانها فمن أبرز سلبيات القرار أنه سيوجد لدينا مزارع خالية، نعم الزراعة ليست قمحا لكن القمح سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، فإذا كنا سنقوم بزراعتها في الخارج فمن يضمن لنا أن توريد القمح سيكون من نصيب المملكة والجميع يعرف ويدرك خطورة اعتماد أي بلد في غذائه على الغير. والآن بدأنا نلمس هجرة جماعية من القرى والهجر الزراعية إلى مدينة حائل.

تجاهل للاقتصاد التراكمي

عيسى الحليان لم يتجاهل النقطة أيضا واتفق مع سابقيه قائلا إن هناك قرى وهجر قائمة على الزراعة وهذه ليست مشكلة إنما المشكلة الحقيقية أن هناك مناطق كاملة معتمدة على القطاع الزراعي.
فتلك المناطق تأسست اقتصاداتها بشكل تراكمي خلال 20 عاما وهي ثابتة وتم تأسيسها على أساس استمرارية الزراعة فتلك المناطق لا تستطيع الرجوع للخلف في فترة زمنية قصيرة وتبدأ من جديد، فالقضية أن عصب الاقتصاد في عدد من المناطق ومنها حائل قائم بشكل كبير على الزراعة وأكثر الاستثمارات الوطنية في تلك المناطق هي في القطاع الزراعي وهناك استثمارات مباشرة في الزراعة من خلال المزارعين ينظر إليها كثير من الناس، وهناك استثمارات غير مباشرة من خلال مواطنين لا يعملون في الزراعة مباشرة لكن في نشاط مساند للقطاع الزراعي وهي تشكل خطورة كبيرة وجميعها ستتأثر بشكل سلبي.

هل تختفي؟

المهندس البلوي أيضا لم يخالف أحدا حول مدى تأثر المدن والقرى الزراعية وقال إن اقتصادات المناطق الزراعية ستتأثر بشكل كبير لأنه الفترات الماضية كانت هناك قرى صغيرة تطورت وتحولت إلى محافظات كبيرة بفعل تطور القطاع الزراعي فإذا ما اختفى القطاع ستختفي معه تلك القرى والمدن والمحافظات.

خسارة 90 % من المعدات

في حين قال خالد الباتع إن البنية التحتية التي أسست في المدن الزراعية الرئيسية تقدر بنحو 16 مليارا والآن بدأنا في تصدير المعدات الزراعية إلى خارج الوطن بقيمة لا تتجاوز 10 في المائة من قيمة الآلة الزراعية الأصلية، والآن هناك مستثمرون أجانب كثر بدأوا يطلبون هذه المعدات وهناك خلل سيحدث خلال السنة المقبلة بشكل كبير جدا في شح المعدات الزراعية في المناطق السعودية.

أسعار المدخلات .. والقرار القضية

هل بالفعل يمكن أن يظهر تأثير قرار وقف زراعة القمح خلال الفترة القريبة المقبلة؟ كان هذا سؤالنا للضيوف الذين كانوا يتكلمون بحرقة. حيث قال المهندس سالم الشاوي عن هذا الأمر: ستتراجع الزراعة بشكل كبير جدا بسبب قرار إيقاف زراعة القمح وذلك ليس من القرار وحده وإنما بسبب التكاليف العالية جدا للمدخلات التي يعتمد عليها القطاع الزراعي فأصبحت لدينا عدة عوامل ستسهم في القضاء على القطاع الزراعي أولها القرار القاضي بإيقاف زراعة القمح إضافة إلى ارتفاع المدخلات الزراعية فالأسمدة مثل اليوريا والداب أو الأسمدة المركبة بشكل عام ارتفعت من ألف ريال للطن إلى ستة آلاف ريال خلال فترة وجيزة فتلك جميعها عوامل بدأت تحد من استثمارات أي مزارع والاستمرارية في الاستثمار في القطاع وتطوير القطاع لأن لديه وقتا محددا وينتهي من الزراعة وذلك ما سيقتل القطاع الزراعي في المملكة.

أشجار تموت واقفة

عبد العزيز العفنان كان أكثر خوفا وقال إن الأثر واضح، ستنتهي الصوامع وتغلق المشاريع الزراعية وستموت الأشجار واقفة وأي قرار سيؤثر في المزارع سيطول تأثيره أبناء المملكة وسينعكس عليهم بشكل سلبي.

تكاليف الزراعة .. ألغت التدريجية

عيسى الحليان حاول شرح تداعيات القرار وقال إن القرار بحد ذاته يهدف إلى التوقف التدريجي لزراعة القمح بمعنى أنه في نهاية السنوات الثماني المقبلة تنتهي زراعة القمح بشكل نهائي والقرار استهدف في السنة الأولى تخفيض 12.5 سنويا حتى نتوقف نهائيا عن زراعة القمح، إلا أن الحاصل وهو ما لم يأخذه القرار بعين الاعتبار أنه لم يأخذ في الحسبان أنه سيحدث توقف كامل في إنتاج القمح من السنة الأولى من قبل المزارعين الذين سيتوقفون عن إنتاج كل استهلاك المملكة من القمح، ويتم الاتجاه لاستيراد كل احتياج المملكة خلال سنة أو سنتين على أكثر تقدير فلن يزرع أحد اعتبارا من موسم 2009 فالقرار بدلا من أن يتم التدرج فيه أدى بسبب أن متخذي القرار لم يأخذوا بعين الاعتبار أنه لم يأخذ بالقيمة الفعلية للسوق العالمية للقمح فكان يفترض مشاهدة التكاليف الفعلية للقمح أو على الأقل دفع قيمته السوقية وفقا للمناطق التي تزرع فيه على أقل تقدير. وقال: أعود وأكرر إن القرار لم يأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار وستختصر مدة السنوات الثماني على سنة أو سنتين بعدم وجود مزارع يزرع قمحا في المملكة وسيكون هناك استيراد كامل من القمح خلال العامين المقبلين لأنك لن تجد مزارع سيزرع قمحا ويبيعه بريال واحد للكيلو كما تشتريه الصوامع حاليا.

المهندس محمد البلوي عندما جاء الحديث عن التكاليف قال إنه بحسبة بسيطة لتكاليف زراعة القمح نجد أنها تتجاوز 1400 ريال للطن الواحد بالنسبة للشركات الزراعية التي تكون تكاليفها أبسط من المزارع العادي فبالتالي اعتبارا من 2009 لن يزرع القمح أحد، لأن شراء الطن من الصوامع لن يتجاوز 900 ريال للطن خلاف الفترة الماضية التي كانت فيها تكلفة الطن تصل إلى 600 ريال ويتم بيعه على الصوامع بـ 900 ريال بمكسب 300 ريال فمهما كان المزارع لن يزرع حتى لا يتعرض للخسارة واستيراد كامل الكمية التي تحتاج إليها البلاد من القمح سيسبب أزمة كبيرة في البلد أضف إلى ذلك أن المزارعين بدأوا يتجهون إلى محاصيل أخرى أكثر ضررا في قضية المياه.

ورطة حقيقية

خالد الباتع حاول أن يتقمص دور المزارع لإشباع هذه النقطة، وقال أنا كمزارع أرى أن القطاع الزراعي أصبح ورطة حقيقية للمزارعين لأنه كما يقال في المثل "مشط نشب باللحية" لا تستطيع أن تخرجه أو تستطيع أن تقص اللحية فالمزارع لا يستطيع التراجع ولا يعرف ماذا يصنع بالبنية التحتية المتكاملة التي لديه وكمستثمر في القطاع الزراعي الآن بشكل يومي نقوم بشراء تجهيزات المزارع في السعودية ونقوم بتصديرها للخارج وهذه حقيقة واقعية.

لا وجود لتهيئة المزارعين

ومتخذ القرار لم يراع اتجاهات المزارعين ولم يوجد حلولا لهم، لذلك خلال السنتين المقبلتين سنشهد زراعة مكثفة للبرسيم فجميع فقرات القرار جاءت خاطئة وإن كانت الفقرة الأخيرة في القرار تؤكد على وزارة الزراعة والبنك الزراعي أن يهيئا المزارعين إلى التغيير أو التوجه لزراعات أخرى ونحن حتى هذه اللحظة لم نسمع أن أي مسؤول في وزارة الزراعة والبنك الزراعي أو وزارة المياه المعنية بالقرار والقضية أبدى حلولا وإرشادات للمزارعين مما أثقل الحمل على المزارعين.

هجرة معاكسة

سألت ضيوفنا عن الآثار المتوقعة من القرار في اقتصاديات المناطق الزراعية فكان البادئ بالحديث المهندس سالم الشاوي الذي قال إن القرار من جهة وارتفاع المدخلات الزراعية من جهة أخرى أثر تأثيرا سلبيا في القطاع الزراعي في المملكة بشكل عام، ما سيؤثر في اقتصاديات المملكة التي ستتجه للاستيراد لتغطية العجز وستكون هناك مشكلات اجتماعية في المناطق الزراعية لأن الكل فقد مصدر الدخل الأساسي له فهو يبحث عن البديل، وستكون هناك هجرة من المحافظات للمدن الرئيسة. أعتقد أن القرار من جهة وارتفاع التكاليف من جهة أخرى سيؤديان إلى أضرار كبيرة جدا وسيلاحظ المستهلك في المملكة ما كانت الزراعة توفره له يوميا على مائدته، فالفاتورة الغذائية ستزيد لاحقا لأن المنتجات الغذائية الزراعية كانت أسعارها ثابتة على مدار العام ومنذ أكثر من 20 عاما، ولم يكن هناك ارتفاع في أسعار الخضار خلال السنوات الماضية وكان ذلك بفضل الله ثم الإنتاج الزراعي.

أين إعانة الأسمدة؟

امتد السؤال إلى عيد المعارك الذي قال إن هناك بندا في قرارات الإعانات في وزارة الزراعة يتمثل في أن الدولة تتحمل الأسمدة في حال ارتفاع أسعارها كإعانة أسمدة للمزارعين لدفع الضرر عن المزارعين والفقرة التاسعة من القرار تقول التوسع في تقديم العون من الدولة لتحويل القطاع الزراعي من نمط الزراعة التقليدية إلى نمط الزراعة المستدامة لكن لا حياة لمن تنادي. جميع الإدارات الحكومية ذات العلاقة بالقطاع الزراعي غائبة عن هذا القرار ونحن نطالب بتفعيل هذا القرار.

توصيات غير واقعية

مثل سابقيه كان عبد العزيز العفنان واضحا وهو يحاول التأكيد على أن التوصيات التي استند إليها القرار لم تبن على الواقع أو تشاهد الميدان حتى ترى ما هو موجود من بنية تحتية كبيرة للقطاع الزراعي كلفت من الوقت ثلاثة عقود. والمزارع يعمل تحت توجيهات الحكومة التي دعمت المزارعين بشكل كبير من خلال القروض حتى وصل القطاع الزراعي إلى ما هو عليه حاليا.
وقال إنه خلال أقل من شهر وبناء على توصيات معينة يصدر قرار يمكن أن ينسف القطاع الزراعي بأكمله، حيث كان يفترض إيجاد حلول لمشكلة المياه إن كانت هناك مشكلة بطرق تحفظ الأمن الغذائي من خلال الزراعة وأمننا المائي وتحفظ اقتصاديات المناطق في المملكة، أما أن يصدر قرار متدرج لإيقاف زراعة القمح خلال ثمانية أعوام ونفاجأ أن زراعة هذا المحصول ستتوقف من السنة الأولى للقرار فالوطن قبل المواطن خاسر في هذا الموضوع وستكون الفاتورة الغذائية التي ستستورد من خارج الوطن مكلفة جدا.

ونظرا لأنه كاتب اقتصادي حاول عيسى الحليان النظر للقضية من جانب اقتصادي تنموي حيث قال:
هناك مناطق في المملكة بترولية ومناطق توجد فيها المشاعر المقدسة ومناطق سياحية وأخرى تجارية فكل منطقة كونت اقتصادياتها بناء على الميز النسبية التي تتمتع بها لكن لما نأتي لمناطق القصيم والجوف والخرج ووادي الدواسر وتبوك وحائل نجد أنها كونت اقتصادياتها خلال 25 سنة على القطاع الزراعي، فإن كان هناك مشكلة مياه وسيكون هناك حلول وطنية لمشكلة المياه. يجب أن توضع أيضا بدائل لتنمية تلك المناطق فإن كان لديك 50 مليار ريال كاستثمارات في القطاع الزراعي وخلال سنة وسنتين يمكن أن تتوقف هذه الاستثمارات حيث سيكون نصيب كل منطقة من تلك المناطق التي هي العمود الفقري للزراعة في المملكة والتي تمتد من وادي الدواسر مرورا بالخرج، القصيم، حائل، الجوف، وتبوك، خسائر بمليارات الريالات.

مناطق مهددة

وقال كنا نتوقع أن يكون لإنجاح القرار هناك مراعاة للجانب الاقتصادي لتلك المناطق لأن هذه المناطق كونت هويتها الاقتصادية من الزراعة بينما بقية المناطق الأخرى لن تتضرر من القرار مثل المنطقة الشرقية والغربية والرياض وبعض المناطق الجنوبية فهذه المناطق هي التي ستدفع الثمن خلال فترة قصيرة جدا على الرغم من البنية التحتية الكبيرة التي بنتها خلال 25 سنة وكان بدعم من الدولة من خلال قروض البنك الزراعي.

الضرر يلحق بغير المزارع

وجهت النقطة ذاتها إلى المهندس محمد البلوي الذي أكد أنه ستكون هناك آثار سلبية من جراء القرار في المناطق التي تعتمد بشكل أساسي وكامل على الزراعة والضرر سيشمل المستثمر "المزارع" وسيتعداه للمستهلك "المواطن" من خلال ارتفاع فاتورة الغذاء وسيكون هناك خطر على الأمن الغذائي الوطني من خلال تحكم الدول المصدرة للغذاء وبالذات السلع الاستراتيجية.

سؤال للوزارات المعنية

خالد الباتع حاول الدخول في دهاليز التأثيرات فقال إننا يمكن أن نسأل الوزارات المعنية بالتأثيرات والتي يعتقد البعض أنها لا علاقة لها بالأمر، رغم أنه يمسها بشكل مباشر. مثلا وزارة الداخلية ستكون معنية بالآثار الأمنية المترتبة عن قرارات هكذا. أيضا وزارة الشؤون الاجتماعية هل استعدت للآثار الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بدراسة الوضع المتردي الموجود في المناطق الزراعية خاصة في شمال حائل. وقال "أنا أعايش الوضع المؤلم بشكل كبير جدا فالناس دخلت نفق الفقر الذي كنا نعتقد أننا بدأنا في مغادرته إلى غير رجعة.
والشيء الآخر، إذا كان الإخوة في وزارة المياه ينظرون نظرة ترشيد للمياه فالآن نسبة صرف واستهلاك واستنزاف المياه زادت أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل القرار لاتجاه المزارعين إلى زراعة الأعلاف وبشكل كبير، وبدلا من إغلاق ثغرة فتحت عشر ثغرات لأن المساحة الزراعية الآن زادت من خلال زراعة الأعلاف ونسبة استنزاف المياه زادت بشكل كبير جدا، وهو خطر على الوطن والمواطن جراء القرار.

حول استنزاف المياه قال المهندس سالم الشاوي إن بعض المناطق انقطع عنها الديزل لأن أرامكو كانت تقدر استهلاك الديزل برقم معين وقامت بتوفيره ففوجئت أن الرقم تضاعف ولم تحتط لذلك، لأن المساحات ازدادت بدلا من زراعة القمح اتجهت للأعلاف.

كيف قلص المزارع استهلاك المياه؟

ترى كم يستهلك القمح من المياه فعليا؟ وكم هي الأرقام التي لدى وزارة المياه؟ كان هذا سؤالنا التالي بعد أن ردد كثير من ضيوفنا معلومات حول هذه الجزئية. بداية قال الشاوي إن استهلاك القمح من المياه في حائل تحديدا يقدر بخمسة آلاف متر مكعب للهكتار هذا ما لدى الشركات والمزارعين الذين لديهم أجهزة خاصة لهذا الغرض قد تزيد عند بعض المزارعين وقد يصل الاستهلاك إلى ستة آلاف متر مكعب في منطقة وادي الدواسر ومنطقة الجوف يكون أقل من هذا الرقم، لكن الأرقام التي لدى وزارة المياه، التي ذكرت لنا في إحدى ورش العمل مع البنك الدولي كانت في حدود 12 ألف متر مكعب للهكتار لمحصول القمح. هذا الرقم كان في بداية الزراعة قبل 30 سنة عندما كنا بدائيين في الزراعة عندما كانت خلفيتنا عن أجهزة الري المحورية بسيطة جدا ولم نكتسب الخبرة المتراكمة لكن بعد ما اكتسب المزارع الخبرة خلال 30 عاما استطاع أن يقلص الاستهلاك لخمسة آلاف متر مكعب للهكتار وما يحز في النفس فعلا أننا في يوم وليلة سنخسر هذه الخبرات الكبيرة في القطاع الزراعي.

عيد معارك، كان له رأي آخر فقال إن القمح ليس عاملا أساسيا في استنزاف الماء في المناطق الزراعية، المستنزف الرئيس هو الأعلاف لأن محصول القمح يراوح استهلاك الهكتار الواحد في الموسم بأكمله بين أربعة آلاف وستة آلاف متر مكعب للهكتار الواحد وهو رقم غير مؤثر في مخزون الماء، لكن أعتقد أن الأعلاف حاليا هي الشر المستطير لاستنزاف المياه فيجب أن تكون هناك وقفة حازمة لزراعة الأعلاف وإعادة القمح.

دراسات أم اجتهادات؟

عبد العزيز العفنان قال إنه لم يسمع ولم يصل إلينا دراسة استراتيجية عن المياه فكل هذه الزوبعة التي نحن فيها الآن ما هي إلا اجتهادات من خلال دراسات تبنتها وزارة المياه بأنه ليس لدينا مياه وأننا في منطقة صحراوية لم يكن هناك دراسة واضحة للمياه حتى تصدر مثل هذه القرارات فنتمنى أن يكون هناك دراسة واضحة للمياه.

هل حقق القرار الغاية؟

عاد عيسى الحليان للتداخل فقال إنه ليس هناك محصول زراعي دون مياه لكن إذا كان المزارع يتوقف عن إنتاج القمح ويغلق مزرعته وينتهي عند هذا الحد فالقرار حقق الغاية إما إذا كان المزارع يعزف عن زراعة القمح ويذهب لمحصول آخر مثل الأعلاف ويستهلك من المياه أضعاف الكمية التي يستهلكها القمح فنحن لم نصل إلى نتيجة. فإذا كان المستهدف محصول القمح فعلا فالقرار حقق غايته أما إذا كان المستهدف قضية المياه نحن الذي نشاهده على الطبيعة أن أي مزارع يتوقف عن زراعة القمح يتجه مباشرة إلى زراعة الأعلاف التي ليس عليها أي قيود ومع الأسف أنه لا توجد إحصائية خلال السنوات الخمس الماضية توضح حجم التغيرات والتحولات التي طرأت على القطاع الزراعي وتأثيراتها في المياه هل هي سلبية أم إيجابية وهل القرارات حققت النتيجة أم أدت إلى تفاقم المشكلة بزيادة استهلاك المياه لأن قرار إيقاف زراعة القمح أجبر المزارعين على الاتجاه لزراعة محاصيل أقل أهمية وأقل أولوية، ونتيجة لزراعة هذه المحاصيل تم استنزاف كميات مضاعفة من الكميات التي يحتاج إليها القمح.

محمد البلوي كمتخصص زراعي أكد أن محصول القمح هو أقل محصول زراعي يستهلك المياه بمتوسط ستة آلاف متر مكعب للهكتار في جميع المدن الزراعية السعودية، والصراحة أن وزارة المياه دائما تهول الأرقام فسمعنا إن القمح في الدراسات التي أعدتها وزارة المياه يستهلك 12 ألف متر مكعب من المياه فهناك فرق كبير بين الاستهلاك الفعلي لمحصول القمح وبين الرقم الذي لدى وزارة المياه. بالتالي عندما يأتي وزير المياه ويتحدث عن التمرة الواحدة بأنها تستهلك 50 لتر مكعب من المياه وعندما نحاول أن نناقشه حول ذلك يرد علينا أن جميع ما سيقال لن يغير شيء من قناعاته ورأيه شيء حتى ولو كانت تستهلك لترا واحدا فقط.
وبالتالي لغة الأرقام في استهلاك المياه لا تغير في قرارات الوزارة أو توجهها هذا يعني أنها لم تعطنا أرقاما وليس لديها استعداد أن تناقش هذه الأرقام حتى دراسة المياه طلبناها في الشركات الزراعية لدراستها ولم نعط أي إجابة منذ أكثر من سنة.

المعادلة الأصعب

بعيدا عن الآثار حاولنا سؤال ضيوفنا عن إمكانية الاكتفاء ذاتيا من المحاصيل الأساسية مع المحافظة على المياه وبالتالي تحقيق المعادلة الصعبة، وكانت البداية من المهندس سالم الشاوي الذي قال:
المحصول الأساسي والاستراتيجي بالنسبة لنا هو القمح ثم تأتي محاصيل الخضار من بطاطس وطماطم، فأعتقد أنه بإمكاننا إذا تم استخدام الأساليب الحديثة في مجال ترشيد المياه وإذا تم دعم المزارع لاستخدام هذه الأجهزة والوسائل حتى لو لم يكن الاكتفاء 100 في المائة من تلك المحاصيل يكفي الاكتفاء 80 في المائة من تلك المحاصيل، فأعتقد أن هذا هو الحل الأمثل لظروف المملكة، والحقيقة يجب التركيز على قضية المياه لأنه خلال السنوات الأخيرة نحن نمر بموجة جفاف في المملكة فالأمطار قليلة ويجب ألا نتهم فقط القطاع الزراعي لأن هذه ظروف خارجة عن الإرادة أدت إلى جفاف في المنطقة ككل.

ماذا ينتظر من الدولة والمجتمع؟

حول النقطة ذاتها، قال عيسى الحليان: أعتقد من الصعوبة بمكان الجمع بين الاكتفاء ذاتيا من المحاصيل الأساسية مع المحافظة على المياه وعلى الوطن أن يقرر ما يريده لأنها معادلة وطنية صعبة جدا، فالمجتمع والدولة حتى الآن لم يصلا إلى قرار، وحتى الآن فيها نقاش هل الأولوية للزراعة أم للمياه، فنحن في مرحلة مخاض خلال السنوات الماضية، لكن أعتقد أنه سيكون في هذه المعادلة قرار من قبل الدولة. وانأ أرجح على المدى البعيد أن الانتصار سيكون للمياه لأنه هناك حاليا رؤى مطروحة بقوة للمحافظة على المياه، فمسألة أنك تحافظ على المياه وتكتفي ذاتيا من المحاصيل الزراعية تعد معادلة صعبة وغير ممكنة والوطن على المدى البعيد هو الذي يقرر أين مصلحته.

وسطية بين الماء والغذاء

المهندس محمد البلوي كان وسطيا وهو يقول أعتقد أن السلع الاستراتيجية الرئيسية التي يجب أن نحافظ عليها ونحافظ على اكتفائنا منها هي سلعة القمح لأنها من أقل المحاصيل استهلاكا للمياه، أما بقية المحاصيل فمن الممكن أن ترشد المساحات المزروعة وترشد في استهلاك المياه إلا أن القمح سلعة أساسية يجب المحافظة عليها.

هل يمكن تحقيق الصعب؟

خالد الباتع كان قاطعا وهو يقول: نعم بإمكاننا الاكتفاء ذاتيا من المحاصيل الأساسية والمحافظة على المياه في آن واحد لأننا وصلنا إلى مراحل متقدمة على مستوى العالم والشرق الأوسط على وجه خاص لامتلاكنا شركات من أكبر الشركات العالمية في القطاع الزراعي وأصبح لديها خبرة تراكمية عالية جدا في عملية قياسات الماء ودراسة الماء وعملية الري حتى هناك يوجد لدينا شركات صناعية متخصصة في صناعة منقطات المياه للرشاشات المحورية التي توفر المياه.

التكوينات الجوفية

عبد العزيز العفنان حاول الخروج من الموضوع إلى نقطة يعتقد أنها جديرة بالنقاش تتعلق بأن كثيرا من الدول المجاورة تحاول استثمار وقوعها قرب التكوينات المائية الموجود جزء منها في السعودية مثل تكوين الديسة شمالا، والدمام شرقا، والربع الخالي حيث بدأت بعض الدول المجاورة في استخراج المياه منها والاتجاه إلى زراعة القمح والأعلاف. وتساءل: لماذا نحرم الوطن وابن الوطن من تلك المياه إن كانت مياهنا الجوفية غير جارية، والنقطة الثانية ما نعرفه أن المياه الجوفية تصب بالخليج العربي وأنا شخصيا وقفت على مزرعة في الإمارات تزرع فيها أشجار المانجو وتغذى من ينابيع عذبة على ساحل الخليج العربي على طريق الفجيرة، فسألنا عن مصدر المياه فقيل لنا تأتي من أراضي الجزيرة العربية، وهو دليل على أن مياهنا الجوفية جارية ومتجددة وأيضا ما يحدث جنوب ساجر حاليا من فوران للمياه من الآبار.

بما أن القرار يهدف أساسا إلى المحافظة على المياه، قلت لضيوفنا لماذا لا ننظر إلى الجانب الإيجابي، فقضية المياه تهمنا جميعا، فهل يمكن أن يكون القرار بداية عهد جديد مع هذه القضية؟
كان البادئ بالإجابة المهندس سالم الشاوي الذي قال إن القرار أسهم في زيادة استنزاف المياه أربعة أضعاف خلال 2008 والمزارع لما أصبح القمح غير مجد اقتصاديا بالنسبة له أصبح يزرع أكثر من محصول في السنة لإيجاد بدائل، وهذا ضاعف من الاستهلاك المائي، ومن وجهة نظري كان من المفروض أنه حين الرغبة في تقليص المساحات المزروعة من القمح كان يفترض شراء القمح خلال السنوات الثماني المقبلة بأعلى قيمة بمعنى أكثر من 3.5 ريال للكيلو الواحد على أساس إغراء المزارع بعدم زراعة أي محصول آخر لأن القمح بإمكاننا الحصول على الحبوب والأعلاف في الوقت نفسه والأقل استهلاكا للمياه وإغراء المزارع بمواصلة زراعة القمح وصرف انتباهه عن زراعات أخرى هي أكثر استهلاكا للمياه من القمح كالأعلاف والخضار المكشوفة.

المياه .. قضية لم تحسم!

حوّل البوصلة إلى عيسى الحليان الذي قال إنه من الناحية العلمية لم تحسم قضية المياه بعد لأن هناك رؤى متضاربة لعدم وجود دراسة علمية منهجية متكاملة وليس هناك شركة أجنبية متخصصة طرحت قضية المياه، فأنا أرى أن قضية المياه قضية غامضة ليس هناك حسم علمي فيها، وهناك تياران الأول يقول إن المياه جارية وإذا لم يستفد منها فستصب في مياه الخليج العربي، وتيار يرى أن المياه ثابتة مخزنة من آلاف السنين وبالتالي استنزافها سيؤدي إلى ضرر بالأجيال المقبلة.
والمؤسسات الحكومية التي تطرح قضية المياه لم تطرح أو تقدم حججا يمكن الاقتناع بها، وجميعنا مواطنون قبل أن نكون مزارعين وتهمنا قضية المياه والحفاظ عليها لكن ليس هناك حسم في هذه القضية ويجب أن تحسم من خلال دراسة منهجية متكاملة وتعلن أمام الملأ عبر مؤتمر صحافي لوزير المياه ورئيس الجهة التي قامت بالدراسة وأن يبينوا حجم الاستنزاف وكم ضرره وتفاصيل الدراسة على أساس تكون هناك قناعة لدى الجميع.

بعد كل هذا النقاش سألنا عن الحلول التي يرى ضيوفنا أنها مهمة لاستدامة الزراعة في السعودية، وهو ما دعا المهندس سالم الشاوي للقول إنه قبل كل شيء يجب مراجعة القرار لأن القرار أدى لتوقف الزراعة بشكل كامل اعتبارا من 2009 بالنسبة للقمح، وهناك خلل في فقرات القرار فإن كان هناك تعويض للمزارعين يجب أن تبين وتوضح للمزارعين، والقرار ذكر أنه يجب أن يعوض المزارع إن كان قد تضرر فما آلية التعويض؟
ويجب إعادة النظر بالقرار – وفق قول الشاوي - لتجاوز الأمور السلبية التي حملها القرار أما بالنسبة لاستدامة الزراعة فيجب أن نستمر بزراعة القمح بحد أدنى 85 في المائة، ويجب أن تكون زراعته محلية بسعر الشراء العالمي أو لنقل من 3 إلى 3.5 ريال قياسا بارتفاع المدخلات الزراعية والتكاليف المالية الكبيرة للمحصول.
إضافة إلى قرار يلزم المزارع في عملية تبوير جزء من الأرض وعدم زراعتها لإتاحة المجال لأكبر قدر ممكن من المزارعين لإنتاج القمح بكميات وحصص معينة سنويا للسنوات الثماني المقبلة ريثما تكون الدراسات الجيولوجية للتكوينات المائية قد ظهرت وأعلنت نتائجها، ونحن جميعا مع المحافظة على المياه والمزارع أحرص من أي جهة كانت على المياه وترشيدها لأنه هو المستفيد من توفر المياه.

استراتيجية جديدة

لكن عيد معارك طالب بتغيير الاستراتيجية الزراعية بالكامل ووضع استراتيجية جديدة تبين المعالم المستقبلية للزراعة لأن القرارات التي صدرت نسفت جميع الأساسيات التي لدينا وألغتها ومتى ما رغبنا في تحقيق زراعة مستدامة فعلينا نسيان الماضي، على أن يبادر البنك الزراعي بالنظر في إلغاء بعض القروض السابقة التي كانت موجودة في التوجه الزراعي السابق وإتاحة الفرصة للمزارعين ليحصلوا على قروض جديدة لمواكبة العصر الجديد للزراعة المستدامة من بيوت محمية والتنقيط والتمديدات.

خبرة في المحورية

عبد العزيز العفنان قال إن خبرتنا في الزراعة خاصة المحورية كبيرة ويجب ألا نفقدها والزراعة المستدامة لدينا هي زراعة النخيل وهو أساسا موجود لدينا من خلال 28 مليون نخلة ونتباهى بذلك فهل نفقد خبرتنا خلال 30 عاما من العمل على شيء هو موجود لدينا أصلا.

مركز وطني .. أين هو؟

في الاتجاه ذاته قال عيسى الحليان: كان يفترض خلال العقود الثلاثة التي مضت إيجاد مركز وطني للدراسات المائية ولو كنا استثمرنا 1 في المائة من المبالغ التي دفعت على الزراعة في مركز وطني للدراسات المائية وتنمية مصادر المياه لكان لدينا خبرة تراكمية خلال تلك الفترة ولم نصبح خلال الفترة الحالية في (حيص بيص) ونختلف في جوانب بدائية جدا في قضية المياه ونطرح أمور مازالت بدائية ولم ندخل في العميق وما أتمناه أن يكون لدينا مركز وطني للدراسات المائية فنحن في المملكة - بصرف النظر عن قضية القمح أو الزراعة - بلد صحراوي وبالنسبة لنا موضوع المياه يعد هاجسا كبيرا فمتى ما كان لدينا مركز وطني للدراسات المائية سنستقطب له أفضل الكفاءات الأجنبية ويجب أن نكون الرواد في الدراسات المائية في المناطق الصحراوية ونصدر المعلومة ولا نستوردها ونحن قادرون من الناحية المالية ولن يحسم هذه القضية إلا وجود مركز وطني للدراسات المائية مستقبلا.

"ساق" تتحرك

المهندس محمد البلوي قال نحن في المجموعة الزراعية السعودية "ساق" التي تمثل سبعا من كبريات الشركات الزراعية السعودية تقدمنا بعدد من المقترحات للمقام السامي وأكدنا أن ترشيد المياه مطلب وطني مهم لكن توقيت القرار لم يكن موفقا ولم نتفق مع الأساس الذي بني واستند إليه القرار الذي هو موضوع المياه فلم نطلع أو نقتنع في الأساس وفي الوقت نفسه جاء القرار في وقت فيه شح عالمي في الحبوب بشكل كبير وتقدمنا بمقترحات للمقام السامي من أبرزها إبقاء إنتاج القمح للسنوات المقبلة وزيادة سعر القمح بحيث يمنع ذلك المزارعين من زراعة المحاصيل الأخرى المستهلكة للمياه ودراسة البدائل خلال السنوات العشر بأن نكون أوجدنا البدائل لتأمين غذاء الوطن سواء من خلال اقتناعنا بزراعة القمح أو الاستعاضة عنه بإيجاد مشاريع خارجية للقمح وكلنا أمل في مقام خادم الحرمين الشريفين وولي العهد في الاستجابة لاستغاثة المزارعين والشركات الزراعية الذين استثمروا ملايين الريالات على مدى الـ 30 سنة الماضية وزراعة القمح في ظل الأسعار الحالية ستتوقف في الموسم الزراعي المقبل وهذا سيكون كارثة حقيقية للمزارعين وللبلد.

الزراعة والاستثمار الخارجي

المهندس سالم الشاوي تطرق إلى قضية الاستثمار الزراعي الخارجي فقال: بدأ بعض الشركات وبعض المستثمرين يفكرون في الاستثمار الزراعي الخارجي وسبقهم بعض المستثمرين منذ سنوات ولكن استثماراتهم لم تكن ناجحة وتعرضت لمشكلات كبيرة جدا خاصة في بعض الدول لعربية الشقيقة نظرا لأن بعض الأنظمة غير واضحة والقوانين متغيره باستمرار وعدم وجود بنية تحتية.
وهذا الاستثمار فيه خطورة كبيرة جدا ولا يعول عليها كثيرا لأنك تكون محكوما بأنظمة البلد الذي تستثمر فيه وهذه الاستثمارات الزراعية التي ستخرج لن تمنح المملكة الأمن الغذائي لأن أي دولة ستستثمر فيها ستخضع لقوانينها ومن المستحيل أن تزرع في مصر أو السودان لتؤمن الغذاء للسعودية.

مظلة حكومية

عيد معارك قال إنه مع الاستثمار الزراعي الخارجي في ظل وضوح اتفاقيات بين الدول فمتى ما كان هناك مظلة حكومية قويه تحكم أو تراقب هذه الاتفاقية الاستثمار فالأمر مقبول.

خارج السيادة

عبد العزيز العفنان خالف سابقيه وقال: الاستثمار الخارجي مكلف للوطن والمواطن والمهم في هذا الجانب أن أي استثمار سيخرج من البلد سيخضع لسيادة تلك الدول ويجب أن تؤخذ في الحسبان تلك الجزئية فسنكون رهن للمتغيرات في تلك الدول فمتى ما أرادوا أطعمونا ومتى أرادوا أجاعونا.

تحديات الاستثمار الخارجي

وبعد العفنان جاء دور عيسى الحليان ليؤكد أنه ضد الاستثمار في الخارج بالنسبة للقطاع الزراعي على الرغم من أن هذه الكلمة براقة جدا لكن لها ثمن غال. وأتمنى أنلا يكون قرارا عاطفيا أو مخرجا للشركات الزراعية وكبار المستثمرين في القطاع الزراعي في السعودية لتوقف الزراعة داخل السعودية والاستمرارية في الزراعة في الخارج حتى لا يرتكب خطأ فادح آخر. في اعتقادي أن الزراعة خارج المملكة في بعض الدول ينتابها تحديان الأول ضعف البنية التحتية والدليل أن شركات أجنبية ومستثمرين من تلك البلدان نفسها أحجموا عن الاستثمار في بلدانهم، والثاني لا يوجد ضمانات لأن القوانين والأنظمة متغيرة وهذا سيجعل أي مستثمر سعودي في مهب الرياح وإذا لم تخضع الاستثمارات لاتفاقيات ثنائية غير قابلة للنقض بين الحكومتين وتودع هذه الاتفاقيات بين الحكومتين على أعلى مستوى في الأمم المتحدة لن تنجح.

المهندس محمد البلوي قال حول النقطة ذاتها: إن الاستثمار الخارجي هو أحد الحلول المتاحة للشركات الزراعية في ظل عدم وجود بدائل أخرى لمثل هذه الاستثمارات الضخمة والخبرات المتراكمة إلا أني أتفق مع الإخوان أن الاستثمار الخارجي له مخاطره وأرجو ألا نؤمل كثيرا في أن نستورد الغذاء من دول هي في الأساس تستورد الغذاء وأعتقد أن الاستثمار في الخارج يجب أن يكون تحت مظلة حكومية قد تضمن وقد لا تضمن ذلك لكن معظم المستثمرين الذين خرجوا وبحثوا عن الاستثمار الخارجي يبحثون عن مصلحة شركاتهم.

توازن أمني وغذائي اجتماعي
لكن هل هناك حل يمكن أن يوازن بين الأمن الغذائي والأمن المائي والاجتماعي في السعودية؟ كان هذا محورنا الأخير في الندوة وهو ما دعا المهندس سالم الشاوي للقول: إن هذا المثلث يجب أن يكون هناك توازن فعلي بين إضلاع هذا المثلث فأي خلال في أحد أضلاع هذا المثلث سيكون هناك مشكلة إذا نحن أسرفنا في استهلاك المياه وأقصد بزراعة محاصيل في المملكة للتصدير للخارج فأعتقد أن ذلك نوع من أنواع الإسراف لكن إذا اكتفينا بنسبة 80 في المائة على الأقل من احتياجنا فهذا هو المهم وذلك كله يصب في الأمنين الغذائي والاجتماعي أما الأمن المائي فإنه يجب أن يكون هناك ترشيد واستعمال الوسائل الحديثة في الري.

التلازم بين التحديات

عيد المعارك أشار إلى أن الهدفين متلازمين الأمن المائي والغذائي وقال أنا شخصيا: أرجح الأمن المائي على الأمن الغذائي لأن الأمن الغذائي يمكن توفيره بالتوجه الجديد خاصة القمح وهناك شركات وصلت عندها الخبرة لشكل كبير فمن الممكن أن يزرعوا القمح في بلدان شقيقة وصديقه. في حين قال عبد العزيز العفنان إنه يرى أن للأمن الغذائي أهميته كبيرة جدا إن لم تواز الأمن المائي إلا أنه يجب إلا نخدع أنفسنا فنحن نقول سنزرع خارج الوطن ويأتي غذاؤنا من خارج الوطن فأعتقد هذه تخضع إلى علاقات سياسية ومتغيرات دولية.
في الوقت الذي قال المهندس محمد البلوي إنه يجب الإبقاء على المناطق الزراعية التي قامت على زراعة القمح بشكل أساسي وهو أقل استهلاك للمياه ومجد اقتصاديا للمزارعين ويجب التركيز على إبقاء المحصول ودعمه وسيكون مثبتا للأمن الغذائي والاجتماعي للبلد بالاعتماد على سلعة استراتيجية. وختم التوصيات خالد الباتع الذي قال إنه سيركز على الجانب الاجتماعي، وقال لكم أن تساءلوا وزارة الشؤون الاجتماعية عن عدد المنضوين تحت لواء الجمعيات الخيرية بعد القرار وكم عدد الأشخاص الذين انضموا إلى الضمان الاجتماعي؟ وكم الذين كسروا خط الفقر نزولا بعد القرار؟ وهل هناك إحصائية لعدد الذين دخلوا المصحات النفسية؟

المشاركون في الندوة

*المهندس سالم بن سليمان الشاوي مدير عام الزراعة في شركة نادك
*المهندس محمد بن رشيد البلوي مدير عام الزراعة في شركة حائل للتنمية الزراعية
* عيسى بن عبد الله الحليان كاتب اقتصادي
* عيد معارك الغدير رئيس اللجنة الزراعية في الغرفة التجارية الصناعية
* خالد بن عبد المحسن الباتع رئيس جمعية مزارعي حائل
* عبد العزيز العفنان عضو الأسرة الزراعية في حائل

التوصيات:
*إيجاد مركز وطني للدراسات المائية للبت في قضية المياه
*رفع سعر القمح خلال السنوات المقبلة لـ 3.5 ريال لارتفاع أسعار المدخلات الزراعية
*دراسة الآثار الاجتماعية والأمنية والاقتصادية من قبل وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية
*إيجاد حلول للمزارعين والعاملين في القطاعات المساندة
*تفعيل الفقرة الأخيرة من القرار القاضي بأن تتولى وزارة الزراعة والبنك الزراعي تهيئة المزارعين للفترة المقبلة
*تقديم إعانة أسمدة للمزارعين وتفعيل البند الخاص بها في لائحة الإعانات الزراعية في وزارة الزراعة
*الإيضاح للمزارعين إن كان هناك تعويضات لهم نتيجة الضرر الذي لحق بهم.

الأكثر قراءة