لا مبرر لهبوط الأسهم السعودية.. المستثمرون يتعاطفون مع تقلبات البورصات العالمية
هوت أسواق الأسهم في أنحاء العالم أمس الأول مع اشتداد أزمة الثقة بسلامة الاقتصاد العالمي، ولم يأت انهيارها نتيجة خبر سلبي بعينه بل جاء نتيجة تفشي موجة رعب بسبب تزايد المخاوف من عدم كفاية مبلغ خطة الإنقاذ الأمريكية البالغ 700 مليار دولار ولا الخطوات العديدة التي اتخذتها الحكومات الأوروبية لتعزيز القطاع المالي.
وقال تقرير أعده بــراد بورلانــــد رئيس الدائرة الاقتصادية في شركة جدوى للاستثمار، إن بورصة لندن سجلت أكبر خسارة لها في التاريخ بلغت 391 نقطة (7.8 في المائة)؛ بينما تراجعت بورصة فرانكفورت الألمانية بواقع 7.1 في المائة وبورصة باريس بواقع 9.4 في المائة وبورصة موسكو بواقع 16 في المائة. أما في الولايات المتحدة فقد أغلق مؤشر إس آند بي 500 على انخفاض بلغت نسبته 3.9 في المائة رغم أن خسارته كانت قد بلغت 8.3 في المائة أثناء اليوم كما تراجع مؤشر داو جونز دون مستوى عشرة آلاف نقطة لأول مرة منذ عام 2004.
كذلك تلقت أسواق دول مجلس التعاون ضربات موجعة فقد طاح مؤشر الأسهم السعودية بواقع 9.8 في المائة مسجلاً أكبر خسارة له في يوم واحد، وقد جاءت أحجام التداول متدنية بصورة غير معتادة (حيث بلغ عدد الصفقات 39,500 صفقة أي نحو 14 في المائة من المتوسط اليومي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام) وانحصرت أوامر الشراء فقط في عشرة من الشركات الـ 127 المدرجة. وجاء أداء بقية الأسواق الخليجية أفضل قليلاً فقد تراجعت بورصة دبي بواقع 7.6 في المائة وبورصة أبو ظبي بواقع 5.6 في المائة وقطر بواقع 4.5 في المائة والكويت بواقع 3.5 في المائة، لكنها جميعاً كانت قد سجلت خسائر يوم الأحد بينما كان السوق السعودية مغلقة في عطلة عيد الفطر. وقد تراجع مؤشر تاسي حتى لحظة إعداد هذا التقرير صباح أمس بنحو 7 في المائة ويتداول الآن عند أدنى مستوى له منذ أربع سنوات.
كما تلقت عملات وأسهم الأسواق الناشئة ضربات قوية، خصوصاً الوون عملة كوريا الجنوبية والراند عملة جنوب إفريقيا والريال البرازيلي بسبب خفض المستثمرين الأجانب من درجة انكشافهم أمام مخاطر هذه العملات في الوقت الذي تواصلت فيه عمليات شراء كبيرة للسندات التي تصدرها الاقتصاديات الرئيسية. كما تسبب القلق من أثر الاقتصاد العالمي المتهالك في الطلب على النفط في دفع سعر خام غرب تكساس دون مستوى 90 دولارا للبرميل لأول مرة منذ شباط (فبراير) من العام الجاري.
سوق الأسهم اليابانية تراجعت أكثر قليلاً من 3 في المائة هذا اليوم لتغلق عند أدنى مستوى لها في خمسة أعوام، لكن أداء بقية الأسواق الآسيوية جاء أفضل ويعود الفضل في ذلك للخفض الكبير في سعر الفائدة الذي أجراه البنك المركزي الأسترالي (تم خفض الفائدة إلى 5 في المائة من 6 في المائة وهو أكبر خفض للفائدة في 16 عام وضعف ما توقعته التحليلات). بالمقابل حافظ البنك المركزي الياباني على سعر الفائدة دون تعديل خصوصاً أن المعدل المستهدف البالغ 0.5 في المائة لا يوفر إلا نطاقاً ضيقاً للمناورة. وتتداول الأسواق الأوروبية الرئيسية متراجعة 1.5 في المائة حتى لحظة إعداد هذا التحليل.
التداعيــات
دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش الليلة الماضية إلى تبني منهج "منسق وقوي" من أجل التعاطي مع الأزمة المالية العالمية وتتزايد التوقعات بعمل إضافي من أجل الحفاظ على ثقة البنوك كي تقرض بعضها بعضاً والمساعدة على تحفيز الاقتصاد. ومن الأرجح أن يتم ذلك جزئياً من خلال لجوء البنوك المركزية الرئيسية لإجراء خفض في أسعار الفائدة بالتنسيق مع بعضها (وقد أخذت أستراليا زمام المبادرة في هذا الصدد صباح أمس). والآن تعكس أسعار الأسواق الآجلة خفضاً في الفائدة الأمريكية يراوح بين 1.25 حتى 1.5 في المائة من مستواها الحالي الذي يبلغ 2 في المائة وذلك حين اجتماع لجنة السوق المفتوح القادم في 29 تشرين الأول (أكتوبر).
وتجد السعودية نفسها مضطرة لتعقب أي خفض في سعر الفائدة الأمريكي بسبب ربط سعر صرف الريال مع الدولار، وغالباً ما يتم ذلك من خلال خفض سعر الشراء العكسي (السعر الذي تدفعه مؤسسة النقد على إيداعات البنوك السعودية). وكان سعر الاقتراض بين البنوك في السعودية قد ارتفع بأكثر من الضعف خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث لم يعد التمويل متوافراً بالسهولة نفسها. ومن غير الواضح في ضوء الأوضاع العالمية الأثر الذي يخلفه سعر إعادة الشراء العكسي الأقل على سعر الاقتراض بين البنوك. فإذا نجم عن ذلك انخفاض في سعر الاقتراض بين البنوك فمن شأن ذلك أن يؤدي لتخفيف الضغوط في الحصول على التمويل الذي تعانيه بعض الشركات، لكن ذلك يؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة النمو في عرض النقود مما يؤدي بالتالي لزيادة الضغوط التضخمية.
ولا نرى أي مبرر لهبوط مؤشر سوق الأسهم السعودية خلال اليومين الماضيين، لكن يبدو أن المستثمرين يتعاطفون مع التقلبات في البورصات العالمية وأن عمليات البيع بواسطة المستثمرين ذوي الأفق الاستثماري قصير الأجل الذين يحتاجون إلى السيولة بشدة هي التي تسببت في ذلك. ولا نزال عند رأينا بأن المعطيات الأساسية للاقتصاد السعودي قوية وبأن الملامح المستقبلية لأرباح الشركات جيدة، لكن الأسواق تتصرف بطريقة هوجاء عندما يكون الخوف سيد الموقف وتأتي تصرفاتها مجافية تماماً للمعطيات الأساسية.