سوق العمل وبناء الأجيال
سوق العمل وبناء الأجيال
يفتقد سوق العمل العربي احتياجاته، كم يعاني أبناء هذا السوق من "بطال
وكلاهما يرجع في الأساس إلي التنشئة "الخاطئة" سواء من قبل المجتمع ككل
أو من قبل المؤسسة التعليمية؛ المعنية بصياغة العقول، أو الأسرة، المفترض
فيها أن ترعى أبناء الوطن وتقوم بترويض عقولهم وأرواحهم كي تكون قادرة
علي الإنتاج فضلا عن كونها تكون ملائمة لما يتطلبه سوق العمل.
تقصير المجتمع في حق أبنائه "كبير" ومعاناة هذا المجتمع "أكبر" من عدم
وجود "كفاءات" تناسب هذا السوق "المتغير" والذي يتطور بسرعة البرق، والذي
لا يقف عن دولة ولا عند زمن معين.
يبدأ الوطن عند "الأسرة" التي تعود "مجدفوها" السير بها علي الشاطئ دون
الإبحار ضمن السفن السائرة في عرض البحر، فخسر هؤلاء الأبناء وما عادوا
يناسبون بإمكاناتهم "المتواضعة" ما يتطلبه السوق.
ومن أهم الآفات "المتقوقعة" وتعد ضمن أساليب التنشئة الخاطئة "الاتكالية"
التي يزرعها الأبوان في أولادهما، تحت تأثير "العاطفة"، فنجد الأسرة لا
تقوم برعاية هؤلاء الأبناء وفقط، بل يتعدى ذلك بكفايتهم حتى مجرد التفكير
في تدبير احتياجاتهم حتى سن العشرين عاما، وبالتالي تخرج أجيالا، لا
تصلح، لأن تكون منتجة، فضلا عن كونها "مبدعة" و"مبتكرة" في مجال إنتاجها،
والأدهى أن يستمر بعض الآباء في هذا النوع من التربية حتى بعد أن يبلغ
الأبناء هذه السن، ويلتحقوا بأعمال، فإذا بحثت عنهم، لا تجد إلا شخصية
ورقية، وتجد القرارات "المصيرية" وغير المصيرية بيد الأبوين دون غيرهما.
ويقود التعليم ذات القاطرة، دون أن يراعي متطلبات سوق العمل سواء على
المستوى المحلي أو حتى العالمي، وتغيب عن ذلك فكرة التجارب الرائدة
والناجحة للمجتمعات الكبيرة مثل، سنغافورة أو حتى الصين، وما تقوم به هذه
الدول في دعم الأعمال الفنية، لدعم استثمارات هذه الدول وسوق العمل فيها
من خلال مؤسسات تعليمية في كثير من الأحيان تكون ملحقة بالشركات
العملاقة، فنجد شركة "كبرى" ترعى طلابا وتقوم بتأهيلهم على نمط يناسب
متطلبات "الحياة".
ولا ننسى مناهجنا التعليمية والإشكالية المزمنة "التلقين" والحفظ دون أن
تتطرق للإبداع والابتكار فيخرج جيل من الخريجين لا يقدرون على "الصناعة"
وليس لديهم استعداد للتغير، هذه المناهج تبدأ مع سن "الروضة" حتى
"الجامعة" وما بعدها، والسؤال الذي يطرح نفسه إذا كان ذلك واقعا ملموسا في عواصمنا العربية بلا استثناء، فما هو العمل، وهل من مخرج في سوق لا يرحم ولا ينتظر "إفاقة".
أجد الإجابة ربما تكمن في "التربية" التي غابت مفهوماً ومعنى عن كافة
مؤسساتنا بداية من الأسرة ونهايةً بالمجتمع الذي ظن في أوقات كثيرة أن
مهمته فقط توفير الطعام دون أن تكون هناك رعاية حقيقية، سواء كانت روحية
لبناء هذا الإنسان داخليا، أو مهارية لبناء هذه القدرات، أو حتى إبداعية
لبناء عقله.