خريج الجامعة: الصفات العامة التي يجب أن يتمتع بها
خريج الجامعة: الصفات العامة التي يجب أن يتمتع بها
يطرح العاملون في مجال تطوير التعليم العالي مسألة الصفات العامة التي يجب أن يتمتع بها خريج الجامعة، إلى جانب معارفه ومهاراته في حقل تخصصه. والأساس الذي تستند إليه هذه المسألة أن خريج الجامعة يلعب على مدى عقود دوراً مُؤثراً ومتميزاً في المجتمع، وأن المعارف والمهارات المهنية التي يمتلكها في حقل تخصصه لا تكفي للعب هذا الدور بالكفاءة والفاعلية المرجوة.
وقد قام فريق من اتحاد الكليات والجامعات الأمريكية AAC&U عام 2005 بدراسة هذه المسألة، وخرج من هذه الدراسة بعدد من الصفات العامة التي يجب أن يتحلى خريج أي جامعة أو كلية من أعضاء هذا الاتحاد بها؛ ويبلغ عدد هذه الجامعات والكليات 1150. وقد استندت الدراسة إلى متطلبات سوق العمل من ناحية، وإلى متطلبات الخريج المعرفية كمواطن، يُدرك ماله من حقوق وما عليه من واجبات، من ناحية أخرى.
أوردت الدراسة ست صفات عامة لخريج الجامعة يحتاج إليها سوق العمل في شتى مجالاته التخصصية. الصفة الأولى هي "مهارة الاتصال" مع الآخرين. ويشمل ذلك القدرة على الكتابة والتعبير، والقدرة على الحديث والإلقاء والعرض، إضافة إلى القدرة على التواصل والحوار. أما الصفة الثانية المطلوبة فهي صفة "الاطلاع العلمي" خصوصاً في القضايا ذات التأثير الكبير في مجالات الحياة المُختلفة، والموضوعات التي تمس الحياة اليومية. وهذا الاطلاع العلمي، ليس مطلوباً فقط من خريجي الكليات العلمية، بل من خريجي الكليات الإنسانية والأدبية أيضاً.
وترتبط الصفة الثالثة بقدرة خريج الجامعة على "تحليل المشاكل" التي تُطرح عليه وفهم جوانبها المُختلفة، وتحليل مُسبباتها بشكل علمي دقيق. وتأتي الصفة الرابعة مُكملة للصفة الثالثة حيث تطرح موضوع قدرة الخريج على "الإبداع"، بمعنى تقديم الحلول المبتكرة للمشاكل التي يواجهها بعد تحليلها وتبيّن عناصرها ومعطياتها.
أما الصفة العامة الخامسة لخريج الجامعة، فقد تم تحديدها على أنها القدرة على التعامل مع القضايا "مُتعددة الموضوعات"، ولا يتضمن ذلك أن يكون الخريج خبيراً في جميع هذه الموضوعات، بل أن يستطيع التعامل معها، من خلال رؤية تعددية مُتكاملة، وبمساعدة آخرين من المتخصصين. وتبرز أخيراً الصفة السادسة من الصفات المرتبطة بمتطلبات سوق العمل، وهي القدرة على التعامل مع أصحاب "الثقافات المُختلفة". فبيئة الأعمال المُختلفة في هذا العصر تفرض التعامل مع أبناء مُختلف الدول في شتى أنحاء العالم.
وفي إطار المعلومات التي يحتاج إليها المواطن، فقد لاحظت الدراسة وجود قصور كبير في معلومات الخريج عن "وضعه كمواطن"، واقترحت ضرورة أن يتمتع الخريج بالمعارف اللازمة التي تُمكنه من إدراك ما عليه من واجبات، وما يُمكن أن يتعرض له من مخالفات، وما له من حقوق يستطيع الحصول عليها، وما يُمكن أن يتاح له من فرص لخدمة المجتمع وممارسة دوره كمواطن صالح.
لا شك أن الصفات السابقة لا تأتي فقط من خلال مقررات دراسية أو تدريبية جديدة، بل تأتي أيضاً من خلال الأسلوب الذي تُقدم فيه جميع المقررات. "فالعقلية التحليلية والإبداعية"، يُمكن بناؤها بشكل مُتدرج عبر سنوات الدراسة الجامعية. كما أنه يُمكن بناء بعض هذه الصفات، أو التمهيد لها بشكل مناسب، في سنوات التعليم العام الذي يسبق التعليم الجامعي. ومن ذلك على سبيل المثال "مهارات الاتصال والاطلاع العلمي والمعارف اللازمة للمواطن". والمشكلة هنا أن قصور التعليم العام في ناحية من النواحي، ينعكس على خريج الجامعة، ما لم تقم المناهج الجامعية باستدراك هذا القصور.
ولعلنا على أساس ما سبق، نعيد النظر في السنوات التحضيرية التي تم تنفيذها في بعض جامعاتنا على أساس متطلبات المجتمع من جهة، وإمكانات خريجي التعليم العام من جهة أخرى. ولعلنا نُعيد النظر أيضاً في أساليب التدريس الجامعي ليكون خريجنا مُفكراً وقادراً على الإبداع، لا مُجرد ذاكرة معلوماتية، تتجمد فيها المعارف وتفتقر إلى التجديد.