العقود المستقبلية في الفقه الإسلامي
تعتبر العقود المستقبلية محل اهتمام كبير لدى المصارف والمؤسسات المالية بشكل عام، وأصبحت أداة استثمارية مهمة لدى الكثير من أصحاب رؤوس الأموال في العالم، وهناك الكثير من الصناديق الاستثمارية التي تعتمد على عقود مثل:
options وfutures وforward sales
وغيرها من العقود التي يتم تسليم السلع فيها في المستقبل، ونحن نشاهد أن عقود بورصات السلع أصبحت تتم عقودها على أساس أن التسليم يكون في العادة بعد أشهر من البيع.
وهذا الاهتمام العالمي بمثل هذه العقود عمل على أن تجعل المصارف الإسلامية من مجال دراسة هذه العقود وبيان مدى مشروعيتها في الفقه الإسلامي، ومحاولة إيجاد صيغ بديلة قابلة للتطبيق فيما لو رأى الفقهاء عدم جواز مثل هذه العقود مطلبا ملحا لمجاراة الحركة الاقتصادية العالمية ودخول المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية كمنافس لتلك المؤسسات التي تجد في عدم التزامها بأحكام الفقه الإسلامي ميزة لممارسة أي عقد ترى فيه جدوى اقتصادية حتى وإن لم يكن متوافقا مع الشريعة، وهذا من شأنه بالطبع أن يعوق نوعا ما قدرة المؤسسات المالية الإسلامية مجاراة النمو الذي من الممكن أن تحققه المؤسسات المالية التقليدية.
ومن خلال قراءتنا للفقه الإسلامي سنجد أن الفقهاء تناولوا عددا من العقود التي يمكن أن نصفها بالمستقبلية، وذلك لأن إتمام العقد يتطلب إتمام بعض شروطه في المستقبل.
ومن خلال الاطلاع على فقه المعاملات في الإسلام سنجد أن عقد البيع يتطلب وجود سلعة وثمن، وتسليم السلعة للمشتري والثمن للبائع قد يكون حالا وقد يكون في المستقبل، وبناء عليه فإننا نجد أن الفقهاء أعطوا لكل حالة اسما خاصا يدل عليه.
فعندما يكون تسليم الثمن والسلعة حالا فإن مثل هذا العقد يطلق عليه بيع المساومة، وفي حالة ما إذا كان الثمن مؤجلا والسلعة حالة فإن مثل هذا العقد يطلق عليه البيع المؤجل، ومن صور هذا النوع من البيوع ما يسمى ببيع التقسيط.
أما النوع الآخر فهو فيما لو تم تسليم الثمن حالا والسلعة مؤجلا ويسمى مثل هذا النوع من العقود ببيع السلم أو السلف، وهذا الذي يحدث كثيرا في أسواق السلع الدولية حيث إن المستثمر يزايد في السلعة في البورصة ثم يدفع الثمن على أساس أن تسليم السلعة يتم بعد ثلاثة أشهر مثلا.
أما النوع الأخير فهو فيما لو تم تأخير تسليم السلعة والثمن جميعا، ومثل هذا النوع من العقود يسمى ببيع الدين بالدين وهو الذي ورد النهي عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والمقصود به هنا تسليم الثمن والسلعة مؤجلا.
ولورود النهي عن مثل هذا النوع من العقود قد تلجأ المصارف والمؤسسات المالية التي تقدم أدوات مالية متوافقة مع الشريعة مثل بيع العربون وبيع المواعدة، وذلك لأن مثل هذين النوعين من العقود ليس فيها الإلزام نفسه الحاصل في صور البيع السابقة، حيث إن مثل بيع العربون يتطلب غالبا جزءا بسيطا من قيمة السلعة مقابل أن يحجز البائع السلعة للمشتري لمدة معينة فإذا لم يتمكن المشتري من إتمام المبلغ المطلوب فان البائع يعرض السلعة مرة أخرى في السوق ويأخذ العربون مقابل انتظاره للمشتري وتفويت فرصة بيع سلعته مدة الانتظار.
أما ما يتعلق ببيع المواعدة، فإنه عبارة عن وعد يقطعه البائع والمشتري لإتمام العقد، وهذا لا يتضمن بيعا حقيقيا مكتملا الشروط والأركان، وإنما هو مجرد وعد. ومثل هذا النوع من العقود يرى المالكية إلزام طرفي العقد به ديانة وقضاء في حين يرى جمهور الفقهاء إلزام الطرفين به ديانة لا قضاء بناء على أن من أخلاق المسلم الوفاء بالوعد.