كيف تصلح إندونيسيا ما أفسدته هولندا؟
يوجد في إندونيسيا أكثر من 200 مليون مسلم، حيث يفوق عددهم عدد المسلمين في أي بلد آخر. ومع ذلك لا تزال إندونيسيا تًجهد لتحقيق نجاح في التمويل الإسلامي، الذي يمكن أن تستفيد منه في جمع الأموال لبناء الطرق والموانئ ومحطات توليد الكهرباء.
تعود الأسباب وراء هذا الأداء غير القوي في قطاع المالية الإسلامية في إندونيسيا إلى قرنين من الزمان.
في عام 1816 أنهت بريطانيا فترة من السيطرة القصيرة على المناطق الإندونيسية، وسلمتها إلى هولندا، وهو ما وافقت على فعله بمجرد هزيمة نابليون بونابرت.
وفي حين أن جميع أشكال الحكم الاستعماري مرفوضة من الناحية الأخلاقية، إلا أنه من وجهة نظر اقتصادية بحتة فإن من سوء حظ إندونيسيا أن أصبحت مستعمرة هولندية وفوتت بالتالي فرصة تطوير تقليد للقانون العام، وهو التقليد الذي استفاد منه جيرانها مثل ماليزيا وسنغافورة من الحكم البريطاني. ولكن ما علاقة هذا كله بالتمويل الإسلامي؟
الواقع أن له علاقة كبيرة. ولنأخذ مثالاً على ذلك الصكوك، أي السندات الإسلامية.
إن وضع عقود صكوك الإجارة، وهو نوع شائع في التعاملات، يتطلب أن تقوم جهة الإصدار بتحويل حق الانتفاع، أي ملكية أحد الموجودات على نحو يستفيد منه المالك، إلى جهة استثمارية وسيطة مخصصة لهذا الغرض. هذه الجهة الوسيطة تدفع لجهة الإصدار عن طريق بيع شهادات الصكوك إلى المستثمرين، الذين يقبضون حصة من إيجار العقار بدلاً من الربا، الذي يحرمه الإسلام.
لكن لا يوجد في القانون الإندونيسي اعتراف صريح بحق الانتفاع ولا اعتراف رسمي بشركة تُنشَأ فقط كوسيلة مالية لا غير.
كيف إذن يتعامل الناس بالصكوك في إندونيسيا؟ كان هناك عدد قليل من الشركات المحلية التي تتعامل في إصدار الصكوك في إندونيسيا. ولكن حتى يكون المنتج مقبولاً للمستثمرين العالميين فإنه بحاجة إلى قدر أكبر من الوضوح القانوني.
إن السبب وراء تفوق أداء ماليزيا على إندونيسيا في التمويل الإسلامي له علاقة كبيرة بمرونة مؤسسات القانون العام وقدرتها على استيعاب الأفكار المبتكرة.
وفي كلمة ألقيت في عام 2007 قالت زيتي أختر عزيز، محافظ البنك المركزي الماليزي: "إن مفهوم ’صندوق الائتمان‘ بموجب القانون العام عمل على تسهيل إصدار الأوراق المالية الإسلامية. وقد قامت بعض البلدان التي تعمل بالقانون المدني بإصدار تشريعات خاصة لتيسير إدخال فكرة صندوق الائتمان، وذلك حتى تنسجم أنظمتها مع متطلبات التمويل الإسلامي."
وقد قامت قطر، وهي بلد يعمل بالقانون المدني مثل إندونيسيا، بعمل ذلك من خلال إنشاء مركز قطر المالي ليكون منطقة اختصاص للقانون العام. ولكن إندونيسيا تسير في الطريق الطويل لتغيير القانون.
وفي النهاية سن البرلمان الإندونيسي تشريعاً خاصاً بالصكوك السيادية في الشهر الماضي. وبعد أن يوقع رئيس الجمهورية سوسيلو بامبانج يودويونو على القانون الجديد ليصبح ساري المفعول، فربما تعلن الحكومة الإندونيسية عن برنامجها البكر لبيع هذا النوع من الأوراق المالية.
من المهم بالنسبة لإندونيسيا إصلاح الوضع القانوني لترتيبات التمويل المرتبطة بالصكوك حتى تتجنب تكرار حالة الفشل السابقة.
فإندونيسيا بحاجة إلى تمويل مقداره 22 مليار دولار سنوياً حتى عام 2011 للمرافق العامة، وهو من شأنه أن يعزز الطاقة الإنتاجية للاقتصاد ويسمح له بالنمو على نحو أسرع من النسبة المتوسطة البالغة 5.5 بالمائة، وهي النسبة التي كان يتوسع بها خلال السنوات الخمس الماضية.
ويمكن أن تكون الصكوك أداة ممتازة في ظل الانقباض الائتماني العالمي للحصول على مجموعات كبيرة من الأموال بتكلفة معقولة. ويجب على إندونيسيا ألا تهدر هذه الفرصة الثمينة.
يمكن للعواقب الاقتصادية للأصول القانونية لبلد معين أن تكون عواقب كبيرة وعميقة. بطبيعة الحال لا تستطيع إندونيسيا العودة بالزمن إلى الوراء لتغيير الأصل الذي جاءت منه قوانينها، ولكن باستخدام قدر من الابتكار وقليل من بعد النظر فإنه لا يزال بإمكانها أن تخط بيدها مستقبلاً جديداً.
من موقع بلومبرج