إلى متى هذه الفرص الضائعة في الشرق الأوسط؟
إن عملية السلام الشرق الأوسط في الغالب تترنح وتتعثر، وذلك لأن طرفاً واحداً كان عليه تقديم التنازلات، كما ان كلا الطرفين غير قادرين في الوقت ذاته على أبداء التقارب المشترك. وهذه هي الحال الآن، حيث تحتاج القيادة الفلسطينية إلى نجاح سريع، وذلك لتقوّية وتعزيز سلطتها، ولجعل الانتخابات ممكنة مع نهاية شباط (فبراير) المقبل، ولتنتصر على الإسلاميين "بفلسطين ديمقراطية". وإسرائيل في الواقع هي القوة الوحيدة التي يمكنها منح الرئيس الفلسطيني عباس النجاح. وبالفعل فإن شارون رئيس الوزراء يتجنب المخاطرة. وعقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة، يلتمس فترة لالتقاط الأنفاس.
يمكن اعتبار قضية الشرق الأوسط سلسلة متراكمة من الفرص المهدورة. الإسرائيليون استطاعوا خلال الأيام الستة احتلال كافة الأراضي الفلسطينية. ولم تكن هنالك قوه فلسطينية أو عربية تمنعهم من ذلك.ولم يكن هنالك فريق تفاوض مؤهل لذلك.كما أن الإرهاب أضعف الجانب العربي.منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة رئيسها الراحل عرفات لم تكن راغبة بالتفاوض أصلا، وكان جوابها الرفض تجاه إسرائيل، لكن هذا الوضع تغير اعتبارا من عام 1988عندما رفع عرفات غصن الزيتون في الجمعية العامة للأمم المتحدة دون التخلي عن البندقية كخيار بديل.
ودون دعم كاف من جانب القوى العالمية، التجأ الطرفان إلى الضيافة الاسكندينافية، حيث كانت عملية أوسلو مع بداية التسعينيات مرحلة موفقه. غير أن الجانبين عقب المواجهة غير المجدية للانتفاضة الأولى مضيا في إرهاق بعضهما البعض قرابة 15 عاماً. وجرى العديد من الأمور بالطريقة الخاطئة. وقبل كل شيء لم يتم تحقيق الثقة لحل المسائل المعقدة فعلاً: الحدود، والقدس، وحقوق اللاجئين بالعودة. والطريق المرسوم في مراحل يشير وكأنه سباق مراثون من خلال الشراك المستورة، والخنادق. وهناك ما كان يمكن توسعته من أوسلو، على ألاّ تتقدم مسائل على المسألة الرئيسية، والثانية، المضي في خطوات سريعة، وذلك لفصل الجانبين بسرعة عن بعضهما البعض. وفي النهاية منذ مفاوضات طابا في نهاية عام 2000، ومبادرة جنيف، حيث تم وضع العديد من الملفات في الخزائن دون جدوى. وأظهرت الأعوام الماضية، أن الجهود المشتركة والثنائية وحدها لا تكفي، حيث إنه في هذا النزاع توجد خطة سلام دولية، "خريطة الطريق"، التي يُعنى بها الطرفان.
وكما كان الوضع عقب الانتفاضة الأولى، وعقب الانتفاضة الثانية بدخول الرئيس عباس للقيادة مع بداية العام إلى نهايته، حيث أصبح الجانبان متعبين ويريدان التسوية. والوضع المبدئي رغم كل شيء سيئ، حيث إن العنف الفلسطيني على الشوارع الإسرائيلية آذى الفلسطينيين بشدة، وبالأخص عدم قدرة المجتمع الفلسطيني على وقف الهجمات الانتحارية. وأحكمت إسرائيل قبضتها أكثر عقب استيطانها في الضفة الغربية. وتم فرض المزيد من الحقائق في المجمعات السكنية المتسعة. وعلاوةً على ذلك، جاءت إجراءات العزل التي كان من الممكن أن تُقلّص من الوطن الفلسطيني بشكل ساحق لو لا الحُكمين للمحكمة العليا في إسرائيل. و الحكم الأخير في أيلول (سبتمبر) أزاح الحائط أو السياج ليصبح أقرب إلى الخط الأخضر الذي يعتبر حسب القانون الدولي بمثابة الحدود. والجدار الفاصل الذي أنشاته إسرائيل، يمثل بالتأكيد انطباع عمق عدم الثقة لدى الإسرائيليين.
وحدث الانسحاب من غزة فقط في المرحلة الأخيرة، حيث فوجئ الفلسطينيون أنفسهم، ووجه أعضاء الكنيست اليهودي نقداً لاذعاً لأن الجيش الإسرائيلي انسحب دون تنسيق. ونجحت شرطة السلطة أن تضمن انسحاب إسرائيل "دون نار". ويظل هنالك النزاع الداخلي بين الأجنحة البرلمانية للكنيست المختلفة مما يدع الحكومة الإسرائيلية الوصول إلى النتيجة أنه بإمكان للمرء التحدث مع عباس، ولكن ليس الوثوق به.
وما ظهر قبل عام، حسب رأي وزير الخارجية سيلفان شالوم، كان"عقبة واحدة" أمام الحوار. وهذه العقبة كانت منظمة التحرير الفلسطينية عندئذٍ تحت حكم الرئيس عرفات الذي عزلته إسرائيل في رام الله، ورفضت رأي وزير الدفاع موفاز الذي أراد قتله. وقرر مجلس الوزراء نفيه من البلاد. ولكن عندما مات عرفات في تشرين الثاني (نوفمبر) بدأ أن العقبة الوحيدة زالت. وأسرع مما كان متوقّعاً جاء الريس الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية، عباس، ليتسلم السلطة على مدى أربعة أعوام، وحملته إسرائيل على أنه شريك يمكن التفاوض معه. وبدأ كلا الطرفين جاهزين بالقدر ذاته حيث يريد الجانبان المتعبان السلام، وهما حسب الاستفتاء كانا مستعدين لحل وسط.
فلماذا التهديد الآن برغم هذه الفرص بالابتعاد؟ وحسب تصريحات قوى الأمن هناك تحذيرات أقل. وبرغم انخفاض الضحايا الإسرائيليين، فما يزال هناك مجدداً "إحصاء لقتلى" من "التفجيرات التكتيكية" المزعومة. وكانت هجمات الصواريخ التي تقوم بها حماس أدت بإسرائيل قبل أيام لتقوم برد عنيف، تمكّنت واشنطن من وقفه في الأسبوع الماضي، وفي الانتفاضة الثانية خسرت حماس بقيادة الشيخ ياسين، والرنتيسي العديد من الرؤوس، ولكن سياسياً، لم يوقف ذلك عملية الانتصار لحماس، كما أظهرت الانتخابات المحلية.
ويكون للضربات العسكرية ضد حماس مغزى منطقي في حالة واحدة من وجهة نظر إسرائيل اذا تعززت بالجهود السياسية لعباس. وكان على إسرائيل محاولة تشجيع الجانب السياسي لحركة حماس. غير أن إسرائيل تفكّر داخلياً.كما ان عزل عرفات لم يفدها في شيء. وتظهر المخاطرة في أخذ الأمن قصير المدى في الحسبان. والانسحاب من غزة من وجهة نظر الفلسطينيين مرحلة جديدة، حيث كان من المفترض تتويجه بدعم من عباس من خلال إطلاق سراح العديد من المعتقلين طالما كان لابد من إطلاق سراح المعتقلين القدامى، وذلك إذا مضى على عقوبة السجن نحو الثلثين، إذ أن هذا ما يحدث عادةً في إسرائيل مع الإسرائيليين.
ونجح شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا العام في حماية سلطته، وتمكّن من فرض الانسحاب من غزة ضد حزبه، ومن الحفاظ على مركزه في الليكود أيضاً. والآن يحاول، بانتظار الانتخابات خلال العام المقبل تجنّب أية عوامل انفجار في السياسة الداخلية. وهو يريد أن يبرز في مواجهة قوة المعارضة. وكما تمكّن شارون من التصرف في غزة، يمكنه كذلك تحديد المواقع العسكرية في الضفة الغربية. وكان بإمكانه إعلان المزيد من المدن الفلسطينية مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية، وذلك بهدف إعطاء القوى السياسية الفلسطينية المختلفة الفرصة المناسبة.
ومنذ أسابيع يتم التفاوض على ضبط الحدود بين غزة و مصر، وتقديم الحلول. ولكن إسرائيل تريد وضع هيئات، و التفاوض طويلاً، وليس في الشرق الأوسط وقت لذلك. وما يمكن قراءته في الصحف الإسرائيلية هو أن أحداًَ نسي ضبط المنبه في واشنطن. وإذا لم تستيقظ الحكومة الأمريكية بسرعة، ستضيع الفرصة. ويسافر الآن محمود عباس إلى البيت الأبيض، وبعدئذ من المفترض أن يتم عقد القمة مع أريل شارون الذي أجّلها حتى اليوم للمرة الثالثة.