امتطاء "الحصان الكاسب": السكك الحديدية الهندية نموذجا

امتطاء "الحصان الكاسب": السكك الحديدية الهندية نموذجا

مؤسسة السكك الحديدية الهندية؛ أكبر مشغلة في العالم، وواحدة من أكبر وأكثر شبكات السكك الحديدية انشغالاً، بنقل نحو 17 مليون شخص، وما يزيد على مليون طن من الشحن يومياً. وكانت على أية حال، حتى الآونة الأخيرة فقط، مؤسسة تتكبد الخسائر، حيث أوشكت على الإفلاس.
وببدء دورة عمله عام 2004، بميزانية لا تعادل سوى 200 مليون دولار لإنقاذ المؤسسة الوطنية، صمم الوزير الهندي للسكك الحديدية، لالو براساد، نقلة دراماتيكية هندسياً. ووصل الدخل الإجمالي لمؤسسة السكك الحديدية الهندية العام الماضي إلى ستة مليارات دولار.
وتُعتبر مؤسسة السكك الحديدية الهندية واحدة من أكبر زبائن التعليم التنفيذيين لأنسياد، حيث زار الوزير مجمع الكلية في آسيا كجزء من جولته في سنغافورة وماليزيا. وخلال زيارته لانسياد، أخبر حشداً من المشاركين في برنامج الماجستير في إدارة الأعمال، والخريجين، والرؤساء التنفيذيين، باستراتيجية من أجل إضفاء بصمة القرن الحادي والعشرين على شبكة السكك الحديدية.
وبدلاً من وصفات الاستهزاء بخصخصة مؤسسة السكك الحديدية الهندية، أو تخفيض عدد الموظفين، أو رفع رسوم الركاب والشحن بنحو 20 في المائة لكل ميزانية، اختار براساد الاحتفاظ بـ 1.4 مليون موظف ضمن فريق العمل، و1.1 مليون متقاعد، وقلّص حجم الرسوم بنسبة وصلت حتى 45 في المائة. وبينما رفض خصخصة جوهر النشاط العملي لمؤسسة السكك الهندية، بدأ بشراكات عامة خاصة في بعض المجالات الخارجية.

"أبطلنا الأسطورة التي تقول إنه حينما تتكبد أي مؤسسة حكومية الخسائر، تقوم بخصخصتها وتقليص حجم اليد العاملة... واعتقادي أنه إذا كان لدينا الصدق، والرؤية، والالتزام بالمؤسسة، فلا توجد احتمالية بأن تتكبد أي مؤسسة أو شركة الخسائر".
وترتكز استراتيجيته على الحجم. حيث ارتفع حجم الناتج ثلاثة أضعاف، وانخفضت تكاليف التشغيل الفعلية على مدار الأعوام الـ 25 الماضية. وبرفع سعة القطار طويل المسافة التقليدي ليتسع 2000 راكب من أصل 800، تراجعت تكاليف الوحدة بنحو 45 في المائة. وتم تقليص الخبرة المعتادة باستغراق سبعة أيام في تحميل وتفريغ قطار محمّل إلى خمسة أيام، وساعدت التغييرات التنظيمية على كبح الفساد. وجُهّزت قطارات جاريب راث، المعروفة أيضاً بـ "مركبة الرجل الفقير"، الآن بتكييف هواء، وبمقاعد موسّدة، ومراحيض.
وأفاد تخفيض رسوم الشحن الصناعة المحلية إلى حدٍ كبير، كما يقول براساد. ففي دولة، تُعتبر الزراعة فيها العمود الفقري للاقتصاد، يقول إن مؤسسة السكك الهندية الهندية تلعب دوراً ضخماً في مساعدة المزارعين على الوصول مباشرة إلى الأسواق من أجل سلعهم.
و"لا توجد أسواق في أماكن، حيث يحدث الإنتاج، ليشتري رجال الطبقة المتوسطة المنتجات الزراعية بأسعار رخيصة. وسنقوم بفتح المراكز الزراعية عند المحطات، وبالتالي لا يضطر المزارعون إلى البحث عن الأسواق. ومن خلال المشاريع الرأسمالية المشتركة، سنؤسس مخازن باردة، ونقاط شراء عند المحطات، وكذلك حاويات مجمدة، وبالتالي يمكنهم إرسال المنتجات الزراعية في أرجاء البلاد وخارجها. وسنفرض على المزارعين ضرائب مناسبة ومعقولة. وسيعمل ذلك على إثراء المزارعين، وتعني تلك الزيادة في الدخل أنهم سيكونون قادرين على شراء الأشياء التي يشتريها الباقون".
أما بخصوص الاستثمار الخاص، فيقول براساد إن النقلة أثارت الاهتمام بالاستثمار في السكك الحديدية، حيث يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً في بناء المحركات والعجلات، ومحطات على مستوى عالمي، على سبيل المثال. ويصر بارساد على أنه لا توجد فرصة على الإطلاق للسماح بخصخصة النشاط العملي الجوهري للمؤسسة؛ "السكة الحديدية، وتشغيل القطارات، والتحكم في كافة القطارات". وإن فائض مردود مؤسسة السكة الحديدية الهندية يعني أن المؤسسة ليست مضطرة للاعتماد على مساعدة التنمية الخارجية من هيئات مثل "وكالة التنسيق الدولية اليابانية - JICA" من أجل التوسعة. "لا JICA ولا غيرها، نحن مكتفون ذاتياً".
وفي مقابلة خاصة مع مجلة "إنسياد نولدج"، قال بارساد إن قطارات الشحن هي "الحصان الكاسب" لمؤسسة السكك الحديدية الهندية، وهو يضع خططاً شاملة لتوسعة خطوط الشحن، ورفع كفاءتها، والاستيلاء على نسبة الـ 60 في المائة من السلع التي لا تزال تُنقل براً. ويتم إنشاء خط ثالث، دهليز مخصص للشحن، لربط حتى أبعد المناطق بكافة الموانئ والمحاور الصناعية.
ويرغب بارساد في المساعدة في جهود الاقتصاد في استهلاك المياه في الهند، عن طريق بناء سيفونات وقنوات، أنابيب على الأراضي القاحلة من كل جانب من المسار الذي يصل طوله إلى 64 ألف كيلو متر، بمياه للشرب والري. وخطط بشكل تمهيدي جهود تقليص استهلاك الوقود من خلال بناء حافلات القطار من الألمنيوم لتخفيف وزنها. "مع ارتفاع سعر الوقود، علينا أن نبقي في اعتبارنا بديلاً آخر. وبالتالي، سنعمل على تزويد الخطوط الرئيسية بالطاقة الكهربائية في كامل أرجاء البلاد. وعلى الأرجح أن تساعد الصفقة (المقترحة مدنياً) للطاقة الذرية (مع الولايات المتحدة التي ستسمح للهند بتطوير تكنولوجيا الطاقة الذرية لتلبية متطلباتها المتزايدة من الطاقة)، التي لابد من تحقيقها".
وبالنظر إلى المستقبل، يقول بارساد إنه بينما يستمر عدد السكان الهنود في النمو، ستكون هنالك حاجة إلى المزيد من القطارات، والمزيد من المحركات، والعجلات. "حتى الآن، نشتري العجلات من الخارج، ولا يوجد لدينا سوى مصنعين، والثالث تحت الإنشاء. وقد يكون من الجيد أن تلك الأشياء تأتينا من الخارج، ولكن لدينا مهارات، وبطالة، وشباب". وينصح بارساد كذلك بالتعلم من دولة أخرى بـ "كثافة سكانية عالية"، وهي الصين. "تقدّمت الصين فعلاً إلى حدٍ كبير. سيكون علينا أن نتعلم منهم، بدلاً من الغيرة، وعلينا أن نرى ما يفعله جيراننا، ونقلّده".
واستلزمت نقلة مؤسسة السكك الحديدية الهندية تحولاً جذرياً في العقلية الفكرية. وكما يشير مستشار بارساد، سودير كومار: "نحن لسنا في نشاط عمل السكك الحديدية؛ نحن في نشاط عمل النقل والمواصلات، أحد من الأساليب المتعددة للنقل، والطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، وإزهار السوق، هو عرض قيمة متفوقة ومنافسة على زبائننا".

الأكثر قراءة