المرض يحوّل أصدقاء السوء إلى محفزين للخير
نجحت محاولة مجموعة من الشباب السعودي في الإقلاع النهائي عن التدخين بعد فترات راوحت بين سنتين وست سنوات، قضاها أفراد المجموعة في تدخين السجائر والمعسل بكل أنواعه.
قرار الإقلاع لم يكن مخططاً له من قبل، وإنما جاء بالمصادفة البحتة التي جعلت أحد أفراد المجموعة المكونة من أربعة شبان، يُصاب بسعال مزمن، استمر معه قرابة ثلاثة أسابيع متصلة، قبل أن يأمره الطبيب بضرورة الإقلاع النهائي والفوري عن التدخين، محذراً إياه بأن الشعب الهوائية في جهازه التنفسي في خطر حقيقي بسبب شرب المعسل بشراهة.
وأوضح عبد الله عبد الرحمن الموظف في الإدارة العامة للتربية والتعليم في الدمام، وأحد أفراد المجموعة، أنه يدخن السجائر منذ ست سنوات، وقال: لا أعلم بالضبط كيف تعلمت تدخين السجائر، ولكن ما أتذكره أنني بدأت رحلة التدخين بسيجارة أو سيجارتين كنت أحصل عليهما يومياً من علب أصدقائي في العمل بأسلوب لا يخلو من المزاح معهم، ومع مرور الوقت وجدت أصدقائي يمنحونني السجائر ولو لم أطلب منهم، ويتابعونني كيف أشعلها وكيف أنفث دخانها، ولم يمنع هذا من أن يسدوا إليّ بعض النصائح من باب التشجيع على مواصلة التدخين، إلى أن وجدت نفسي أشترى علب السجائر الخاصة بي ولا أعتمد على أحد.
وأضاف: لا يمر يوم الخميس من كل أسبوع إلا وأذهب بصحبة الأصدقاء إلى أحد المقاهي في كورنيش الخبر أو الدمام، الذي نمكث فيه حتى ساعة متأخرة من الليل، ونقضى هذه الفترة في تدخين معسل التفاح وشرب الشاي والقهوة، إلى أن أصيب صديق لنا بسعال شديد ومتواصل، يصاحبه بلغم، ظننا أن الأمر عادي، خاصة أن صديقنا حديث العهد بتدخين المعسل، ولم تمر عليه سوى سنتين، إلا أن السعال اشتدت حدته، ما جعله يعاود الطبيب، وهنا كانت المفاجأة بأن صديقنا مصاب بالتهابات حادة في الشعب الهوائية، وأن التوقف عن التدخين هو الحل الوحيد للقضاء على هذه الالتهابات.
ويكمل ماجد العسيري أحد أفراد المجموعة المقلعة عن التدخين بأن توقف صديقهم الإجباري عن التدخين كان حافزاً قوياً له ولزميلين آخرين في الإقلاع عن التدخين، وقال: شعرت أن مرض صديقي بسبب التدخين ما هو إلا جرس إنذار لكل المدخنين، وبالطبع أنا منهم، فلم أشعر إلا ويداي تمسكان بعلبة السجائر وتفركها بشدة، وفي هذه اللحظة عزمت على ألا أعود للتدخين ثانية مهما كانت الإغراءات، وشاركني قراري زميلي عبد الرحمن ومعنا صديق ثالث يدعى معتز الغانم، بجانب صديقنا المصاب الذي ندين له بالفضل، فيما منح بقية الأصدقاء لأنفسهم فرصة للتفكير في الأمر، ولكن يبدو أن العزيمة تنقصهم.
وأوضح العسيري أن قرار الإقلاع بدأ منتصف المحرم الماضي ومستمر حتى الآن، وقال: لم نتفق على الإقلاع عن التدخين فحسب، وإنما اتفقنا على اختبار قدراتنا والتنافس فيما بيننا على قوة العزيمة والإصرار لمواصلة منع التدخين، بعد أن كان تنافسناً منصباً على من يدخن أكثر ويستعرض مهاراته في تدخين المعسل والسجائر معاً، واتفقنا أيضاً على أن العائد للتدخين مرة أخرى هو بمثابة ''طفل'' لا عزيمة له، وبالتالي لا يحق له مجالسة الرجال. ويرى فيصل الهاجري المسؤول الإداري في الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين في الدمام في حديثه لـ''الاقتصادية''، أن رفقاء السوء هم السبب الأول في انتشار التدخين بين الشباب، ولكنه عاد ليؤكد أن رفقاء السوء قد يكونون في بعض الحالات هم أنفسهم سبباً في إقلاع زملائهم عن هذه العادة، وقال: العزيمة والإصرار على ترك التدخين يحتاجان إلى بيئة صالحة لذلك، وأهم ما في هذه البيئة أن يكون جميع أفرادها لهم الهدف نفسه، مشيراً إلى أن إقلاع الشخص الواحد ممن كان يطلق عليهم ''رفقاء السوء'' عن التدخين غالباً ما يكون حافزاً للآخرين للسير على الطريق نفسه، فيما يعرف بـ ''الغيرة الإيجابية''. ولفت الهاجري إلى أن معظم المقلعين عن التدخين من فئة الشباب، وقال: الملاحظ في حالات الإقلاع عن التدخين أنها لا تأتي فرادى، وإنما تأتي كمجموعات شبابية، يتفقون فيما بينهم على هذا المبدأ، وقال: رغم أن الجمعية لم يتعد عمرها نحو شهر حتى الآن، إلا أن عدد زائريها تجاوز 40 مدخناً، أقلع 35 شخصاً عن التدخين نهائياً، بينهم 22 شاباً تراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً، فيما يواصل الباقون فترة علاجهم بنجاح.
ويشير الهاجرى إلى أن رحلة الإقلاع النهائية عن التدخين تستمر قرابة ستة أيام فقط، تبدأ بأن يُفتح للمدخن ملف خاص به، قبل إجراء فحوص الكربون وكفاءة الرئة ونسبة الأكسجين في عملية التنفس، ثم قياس نبضات القلب والضغط وعمل أشعة للصدر، وفي المرحلة الثانية والأخيرة من رحلة العلاج يخضع المدخن لست جلسات من جهاز ''اللمس الفضي'' المطور بالإبر الصينية، وخلال هذه المرحلة يتعرض المدخن لوخز الإبر التي تصدر ذبذبات، تجعل المدخن ينفر من راحة الدخان ويبعد عن المدخنين.
ويوضح الهاجري أن الإعلانات التلفزيونية والإعلانات المكتوبة على علبة السجائر الداعية إلى عدم التدخين لأنه يسبب أمراضاً خطيرة فقدت تأثيرها، ولم تعد تلفت الانتباه لكثرة تكرارها، وقال: لا بد من ابتكار أساليب أخرى تقنع المدخن بضرورة التوقف التام عن التدخين، وقال: نحن نركز على ''الغيرة الإيجابية'' ونجعل من كل مقلع عن التدخين مثالاً يُحتذى به أمام المدخنين للسير على خطاه، وغالباً ما كنا ننجح في مسعانا، خاصة عندما يتبين للمدخنين أن هناك زملاء لهم أقلعوا بالفعل عن التدخين.