حقوق أبناء المقيمين في التعليم الأولي

حقوق أبناء المقيمين في التعليم الأولي

في زيارة لإحدى المناطق في وطننا الغالي - وكان ذلك في صباح أحد الأيام الدراسية - فوجئت بعدد من الأطفال في سن الدراسة للمراحل الأولية يلعبون أمام منزلهم، فسألت أكبرهم الذي كان في سن الرابعة عشرة من عمره، لماذا لم تذهبوا إلى المدرسة؟ فكانت إجابته صاعقة بالنسبة لي، حيث ذكر أن المدرسة لم تقبلهم لأن إقامة والدهم انتهت ولم يتم تجديدها. بمعنى أن المدرسة لا تقبل الطالب إلا إذا كان والده يحمل إقامة سارية المفعول. وأنا هنا أتساءل كيف يعاقب الطفل الذي لا يملك من أمره شيئاً على مشكلة والده القانونية؟ وهل من واجبات وزارة التربية والتعليم متابعة مخالفي نظام الإقامة؟ هل فكّر تربويو الوزارة في انعكاسات مثل هذا القرار على مستقبل هؤلاء الأطفال؟ وهل فكروا في انعكاس ذلك على نفسيات هؤلاء الأطفال وحبهم وانتمائهم لوطننا؟ ماذا سيصنع التجهيل بهؤلاء الأطفال؟ وهل حرمانهم سيكون سبباً في ترك آبائهم البلد وعودتم لأوطانهم، خصوصاً أن معظم المتخلفين هم من الطبقة المعدمة؟ هل فكر المسؤول بانعكاسات هذا الموضوع حتى على الأمن بمفهومه الشامل؟ ألم يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فك قيد أسرى بدر من المشركين- الذين رفعوا عليه السلاح لقتله وأصحابه- مقابل تعليم أبناء المسلمين؟
إن من أشد المؤثرات في تنمية حب وولاء الأجنبي لهذا الوطن هو العطاء، وهو ما لمسته في كثير من زياراتي الخارجية، حيث لم أقابل عربياً أو مسلماً إلا كان لهذا البلد فضل بعد الله عليه، أو على أحد أقربائه، حيث عاشوا بيننا معززين مكرمين ويدينون بحبٍ وولاءٍ لهذا الوطن.
لقد قمت بعمل إحصائية سريعة من واقع بيانات وزارة التربية والتعليم، واتضح أن نسبة الطلاب الأجانب (من الجنسين) إلى السعوديين في المدارس الحكومية تقارب 10 في المائة، ونسبتهم في التعليم الأهلي تقارب 20 في المائة، عدا المدارس الأجنبية، وسأترك لك عزيزي القارئ تحليل هذه الأرقام.
إن وزارة التربية والتعليم معنية بتوفير التعليم الأولي لكل طفل مهما كان وضعه القانوني في البلاد، حيث إن وضع ولي أمره القانوني منوط بجهات أخرى كوزارة الداخلية، التي لدى أجهزتها الأمنية ما يكفل التعامل مع هذه القضية بالذات بكل حرفية ومهنية دون الحاجة لمساعدة وزارة التربية والتعليم. نحن أمام حق كفله ديننا الإسلامي لهؤلاء الأطفال قبل أن تكفله الشرائع الدولية. وأعتقد أن خوف أولياء أمورهم من القبض عليهم وترحيلهم بالاستعانة بسجلات المدرسة يجب ألا يكون سبباً في حرمان هؤلاء الأطفال من التعلم في مدارسنا، وذلك بأن تضمن التعليمات والقوانين عدم استخدام الجهات الأمنية معلومات المدرسة للوصول إلى المخالفين.
والأدهى من ذلك أن ضوابط قبول الطلاب الأجانب تعج بعدد من عبارات التمييز في المعاملة ضد الطفل الأجنبي، حيث نصت على أن تكون الأولوية المطلقة للطلاب السعوديين، ومن ثم قبول من يعاملون معاملة السعوديين، وألا تفوق نسبتهم نسبة الطلاب السعوديين في الفصول، أو يترتب على قبولهم تجاوز في الملكات، أو زيادة في أعداد المعلمين، أو استئجار مبنى، وأن تكون الأولوية لأبناء المتعاقدين مع القطاع الحكومي، وإذا تبقت شواغر بعد الانتهاء من تسجيل الفئات السابقة يتم تسجيل أبناء المتعاقدين مع القطاع الخاص، على أن يتم تحويل من لم تتوفر لهم مقاعد شاغرة إلى المدارس الأهلية فهل الأطفال مسئولون عن توافر المبنى المدرسي أو المعلمين؟ أم أن التخطيط السليم يجب أن يكون قادراً على توقع نسب هؤلاء الأطفال ومن ثم توفير المقاعد لهم؟ وهل يمكن للأب المتعاقد براتب زهيد أن يوفر التعليم الأهلي لأبنائه؟
إن مثل هذه القرارات تعتبر مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان في مجال الحق في التعليم، خاصة اتفاقية حقوق الطفل، ومدعاةً لفتح جبهة دولية علينا في حقوق الإنسان نحن في غنىً عنها. إن بلد الخير والعطاء الذي امتدت خيراته حتى إلى دول تعد متوسطة الغنى ليس بعاجز عن توفير حق التعليم الأولي المجاني لمن يعيش على أرضه. ودمتم بخير.

* دكتوراه في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
مؤهل عالٍ في حوسبة العلوم الاجتماعية

[email protected]

الأكثر قراءة