المعارف العامة: هل يُؤدي التعليم دوره

المعارف العامة: هل يُؤدي التعليم دوره

المعارف العامة: هل يُؤدي التعليم دوره

تضمن "إعلان مدريد" حول الحوار بين الحضارات، الذي عُقد أخيرا، استخدام "الوسائل التربوية" في مسألة التعارف بين الحضارات. ولعل المطلوب هنا هو قيام التعليم بدور فاعل في تزويد من هم في طور التعليم بالمعلومات العامة حول العالم وحضاراته وثقافاته المُنتشرة في مُختلف بقاع الأرض. وهناك شكوى حتى في دول العالم المُتقدم من ضآلة المعلومات العامة لدى المتعلمين، وجهلهم بالكثير من الأمور العامة.
وقد أورد "زبنجيو برجنسكي"، الأستاذ في جامعة "هارفارد" الأمريكية الشهيرة، ومستشار الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" لشؤون الأمن القومي، دراسة إحصائية مُقلقة حول ضآلة المعلومات العامة لدى الأمريكيين المؤهلين لدخول الجامعات الأمريكية. وجاء ذلك في محاضرة له ألقاها أخيرا في جامعة "ديوك" الأمريكية المعروفة. تقول الإحصائية إن "70 في المائة" من هؤلاء الأمريكيين المؤهلين لدخول الجامعات الأمريكية لم يستطيعوا تحديد موقع "العراق" على خريطة العالم، على الرغم من الأحداث المهمة التي شهدها العراق على يد أمريكا في السنوات الأخيرة. وأكثر من ذلك، فإن أقل بقليل من هذه النسبة لم يستطيعوا تحديد حتى موقع "بريطانيا"، إضافة إلى أن "30 في المائة" لم يستطيعوا تحديد موقع المحيط الهادي الذي يُغطي الشاطئ الغربي للولايات المُتحدة الأمريكية.
لاشك أن ضآلة المعلومات بهذه الأساسيات بين من وصلوا إلى مستوى دخول الجامعات أمر مُقلق، ليس في دولة مُتقدمة كالولايات المُتحدة فقط، بل في أي دولة أخرى أيضاً. إضافة إلى أن هناك أساسيات حول حضارات العالم وثقافاته يجب معرفتها، كما أوصى إعلان مدريد، وأساسيات أخرى في شؤون الحياة ينبغي التزود بها للتفاعل مع الحياة العامة من موقع نور المعرفة، وليس من ظلام غيابها.
وقد لا يكون وضع طلابنا، من حيث المعلومات عن خريطة العالم، بنفس الدرجة من السوء الواردة في الدراسة الإحصائية حول طلاب أمريكا، لكننا بالتأكيد لسنا في حالة مُرضية. ولا شك أن كل من يعتقد أنه وصل إلى حالة مُرضية، وصل إلى درجة من عدم القدرة على التحسّن، وليس ذلك بالأمر المفيد، في عالم مُتجدد، سريع التطور.
التعليم في بلادنا، بل في كل أنحاء العالم، يحتاج إلى تطوير. والتعليم وحدة مُتماسكة يؤسس بعضه لبعضه الآخر. ولا شك أن المعلومات العامة، في شتى المجالات، مطلوبة من خريج الثانوية الذي قد يخرج إلى سوق العمل والحياة المهنية، ويحتاج في ذلك إلى مثل هذه المعلومات، أو قد يُواصل تحصيله وتحتاج إليها أيضاً في ذلك، ثُم فيما بعد ذلك، حينما يُنهي دراسته.
في وضع مناهج المعلومات العامة اللازمة للمُتعلم، يجب الانطلاق من أهداف مُحددة غايتها تلبية احتياجات الحياة في جميع المجالات الاجتماعية منها، والعلمية، والأدبية، والاقتصادية، والتنظيمية، والثقافية، وأي مجال مفيد آخر. وما يُبشر بالخير أن لدينا "مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم" الذي يلقى اهتماماً واسعاً، تمثل أخيرا في المناقشات التي جرت في مجلس الشورى حوله، والتي طالبت بتفعيله وتسريع العمل على تنفيذه.
وقد أشارت الصحف حديثاً إلى التوجه نحو التعاقد مع شركة خارجية لتطوير التعليم. ولا شك أن الاستفادة من الخبرات الخارجية أمر مفيد، ولكن يجب ألا ننسى أن لدينا خبراتنا، ليس فقط من حيث فهم الواقع القائم، بل من حيث استيعاب العلوم التربوية. فأصحاب الخبرة في هذه العلوم كثيرون في جامعاتنا. وعلى ذلك، فالشركات الخارجية، وإن استعنا بها، يجب ألا تكون الحل الذي نستريح إليه، بل أن تكون مصدراً من مصادر الحل، لأن الحل النهائي يجب أن يكون، منا وإلينا.

[email protected]

الأكثر قراءة