تحديد 35 ساعة عمل أسبوعيا يعني ضياع شهر سنويا
باتت أيام السوق الاقتصادية الاجتماعية، كما اعتاد عليها الألمان، معدودة في ظل العولمة''. بهذه الفرضية الاستفزازية الحقيقية واجه الاقتصادي المشهور، ياجديش باجواتي، المواطنين الألمان الذين لم يعطوا الأحزاب المشكّلة خلال الانتخابات الماضية أية أغلبية لتشكيل الحكومة.
وهو يرى أن من الممكن تحقيق خطط إعادة الهيكلة بصورة إجبارية في ألمانيا، إما من خلال السياسة، وإما من خلال ضغط العولمة.
وحذر من تصوّرات خاطئة. ''لا يمكن للمرء أن يمنع الشركات من أن تصبح أكثر كفاءة، حيث يمكن للمرء أن يدافع عن عشر وظائف فقط. وعندما تختفي الشركة بأكملها، تذهب معها الوظائف كافة''. ومضى الوقت الذي كان فيه المرء قادراً على ضمان فرص العمل الآمنة.
وكمثال، يذكر باجواتي الهندي، مسألة العمل لـ 35 ساعة في الأسبوع. وعلى ضوء الإضرابات الاقتصادية الفعلية في فرنسا جادل بأنه من الطبيعي وجود القرار الحر لكل دولة بأن تقرر لنفسها المزيد من وقت الفراغ والقليل من العمل.
والتصويت الخاص بالفرنسيين حول عمل 35 ساعة في الأسبوع إنساني جداً، و بالتالي يمكن فهمه. ''أنا أحب كذلك الجلوس في الريف، وأن أشرب النبيذ الأحمر''. أما كعالم، فلا يمكنني ذلك، حسبما ذكر هذا الاقتصادي البالغ 71 عاماً من العمر. وفي اقتصاد المعلوماتية، وعلوم المالية، يتم العمل للوصول إلى تحديد 35 ساعة عمل أسبوعيا. مع أن هذا يعني ضياع عمل شهر كامل في السنة. ويمكن لبعض الشركات تحقيق ذلك، لكن هوامش الشركات تصبح أقل، ويزداد ضغط المنافسة. والموظفون في الدول الأخرى لم يوافقوا على هذا الشكل من ''فترات العمل القصيرة''. وهو يحذر من الاتجاه نحو تقصير فترات العمل.
إن فاقدي مزايا العولمة سيصبحون حسب باجواتي هم الموظفون الذين لا يريدون أن يطوّروا أنفسهم، ويكيّفوا أنفسهم على أساسها. ''في السابق كان الناس يسألون خلال المقابلة للتوظيف أولاً عن خطة الأجور التقاعدية للعمل''. واليوم يُفترض بهم بصورة أفضل أن يسألوا عن عروض الدورات المتقدّمة الداخلية، حيث يمثل ذلك مستقبلاً كتحد للمجتمع بأكمله. والخطأ الرئيسي هو ترك العاطلين عن العمل لفترة طويلة دون القيام بأي شيء. ''الأرجوحة الاجتماعية لا يمكن أن تكون مريحة، بل إن من يرقد عليها يجد صعوبات لدى النزول منها''. وعلى الأرجوحة أن تكون مربوطة بإحكام حتى يشعر كل واحد بإمكانية تحقيق الوفرة ليطوّر نفسه، حيث هناك خيار يتمثل في التدريب التأهيلي.
وعلى كل حال، فإن باجواتي يرى أن الألمان شجعان في مواجهة التطور، حيث إنهم يبرزون أنفسهم في العديد من الأمور. وكذلك فهو مستعد لإعطاء أمثلة لنوادر قصصية. فقبل أعوام حلّق على متن طائرات الخطوط الألمانية لوفتهانزا؛ وحينها لم يكن الموظف يبدي أي اهتمام بالمسافرين. ''واليوم أدت المنافسة إلى جعل المضيفين والمضيفات يُظهرون بشكل أكثر لباقة و إنسانية''. ونجحت الشركات الألمانية علاوةً على ذلك ، من خلال الاستثمارات المباشرة، وبالأخص في شرق أوروبا، بأن تبقى ألمانيا قادرة على التنافس. وبذلك تجاوزوا المنافسين الأمريكيين الذين لم ينقلوا إنتاجهم بصورة موسعة إلى دول الأجور المتدنية. وبالنسبة للفرنسيين فهو يرى أن الخطر محدق بهم ليصبحوا مثل الاتحاد السوفياتي السابق، ناجحين في بعض الأمور التقنية، في الوقت الذي تبقى فيه متطلبات العولمة دون تطوّر.
والاحتمالية الأرجح التي يتم تداولها هي أن ينتقل جميع الإنتاج وجميع فرص العمل إلى الدول ذات الأجور المتدنية، وهو أمر غير واقعي حسب أقوال باجواتي. والتدريب التأهيلي، ومعرفة اللغات للعديد من الناس للتعرف على الوضع الاقتصادي السياسي المزدهر في الصين و الهند غير كافية ليكون بمقدورهم المنافسة مع الموظفين الألمان المؤهلين. ''فعلى سبيل المثال نأخذ مركز الرد الهاتفي في الهند، حيث إن نحو 6 في المائة من الناس حاصلون على الشهادة الجامعية، وجزء منهم فقط من يتحدّث الإنجليزية. وعلاوةً على ذلك، فإن جزءا أقل من الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية، يمكن التحاور المفهوم معهم. وبالفعل يمكن الاستنتاج أنه سيزداد انتقال جزء من العمل السهل إلى دول مثل الصين و الهند. وسيتم إنتاج السلع ذات القيمة العالية، و كذلك سلع الخدمات في الدول الصناعية. وهذا ينعكس في التصدير والاستيراد الألماني، حيث إن جزءا كبيراً من التصدير الألماني يذهب إلى الدول ذات الأجور المرتفعة، بينما تشتري الصناعة الألمانية ذات الموارد و الخدمات المعدة جيداً، المواد الأساسية من الـــــــدول ذات الأجور المتدنية.
وتعود البطالة العمّالية في ألمانيا وفقاً لرأي هذا العالم إلى عاملين: العجز الهيكلي، والنقص في إجمالي الطلب الاقتصادي. ولا يمكن للعولمة ألاّ تكون عاملاً في ارتفاع نسبة البطالة، وبالأخص في الدول الناشئة. ''وعلى المسؤولين الألمان أن يكونوا أكثر مرونة''. وهذا الشـــــــــــيء يسري كذلك على الأجور الاسمية التي يمكن أن تنخفض.وبغير ذلك، فإن المزيد من العمل سيهاجر إلى بولندا.
ولا يزال باجواتي يرى العديد من فرص العمل في غرب أوروبا. ولهذا كان على الاتحاد الأوروبي ألاّ يعزل نفسه تماماً. وفي الحديث عن أمواج اللاجئين على حدود الأرض الإسبانية المنعزلة في المغرب، قال ''إن العروض الزائدة، والطلب المتزايد على قوى العمل يجعل الأمر غير خاضع للسيطرة''. وحتى التدابير العسكرية لا تساعد في ضبط الأمر. وتُظهر كذلك المحاولات على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، التي برغم قيامها بتدابير وقائية عالية ضد اللاجئين الباحثين عن العمل، فإن ذلك يحدث هناك أيضاً. وكذلك فإن حدود ريو جراندي تُظهر المزيد: وعندما يتم رفض المهاجرين اليوم، يقفون غداً على مقاطعة حدودية أخرى. وعندما لا يفعل المرء شيئاً، فإنهم سيقومون بذلك بطريقة غير شرعية، وبالتالي ستظهر سوق سوداء للقوى العاملة غير الشرعية. وأفضل من ذلك في المقابل هو التهجير المضبوط. ويستفيد من ذلك كل المعنيين'' الجدد يقفون على أدنى درجة على السلّم، والذين وقفوا هناك سابقاً يتحركون درجة للأعلى.'' وعلى الجميع أن يكونوا حذرين، وذلك بهدف الحصول على المنافع المقارنة، وبالتالي الاستفادة منها.
وفيما إذا كان يتوقع مكالمة من ستوكهولم يجيب باجواتي: منذ 25 عاماً لم يحظ أي صاحب نظريات اقتصادية بالجائزة. وعلاوةً على ذلك، سيتم تخصيص هذه الجائزة على نحو جديد. ويمكنه أن يتصوّر بصورة جيدة، أن الجائزة يمكن منحها للأمريكي المميّز، باول كروجمان. ''كروجمان هو عبارة عن عقل نابغ''.بهذه الكلمات يمتدح باجواتي طالبه الذي يُدرّس اليوم في جامعة برينستون الذي وقف خلال العام الماضي خلال الحملة الانتخابية الأمريكية ضد جورج بوش، بعمود يومي في صحيفة ''نيو يورك تايمز''. وحسب أقوال باجواتي، فإن جائزة نوبل هي عبارة عن تقدير، وعن أموال حقيقية لا يخفي المرء سعادته بها. وفي النهاية يقول: ''إذا تم الاتصال بي، عندها يمكنكم التأكد أنكم اليوم تحدثتم إلى صاحب جائزة نوبل المستقبلي''.
باجواتي في سطور
يعتبر ياجديش باجواتي خبيراً في العولمة. وهو مولود في الهند، وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ويدرّس اليوم في جامعة كولومبيا في نيويورك. ومع أن القليل من أصحاب النظريات الاقتصادية هم الذين ينجحون في عرض المعرفة العلمية ضمن مفهوم عام، إلا أنه يُعتبر مرشّحاً مهماً هذا العام لجائزة نوبل للاقتصاد، حيث سيتم الإعلان عن صاحب الجائزة في ستوكهولم. و يسهم باجواتي في الوقت الراهن في ندوة مبادرة السوق الاجتماعيه الجديدة في ألمانيا، حيث سيلقي محاضرة حول لودفيج إيرهارد في برلين.